.
الراهب الذي اتخذ
المجون طريقاً للتوبة!!Агония - Rasputin - Agony - Agoniya
راسبوتين... ونهايته الغريبة!!شخصية مريبة
غريبة الأطوار شغلت الاهتمام بعد موتها مثلما كانت بالغة الشهرة في حياتها، فكثرت
الكتابات والدراسات والروايات والأفلام عنها، وهنا سنحاول التطرق لبعض الأقاويل
التي تؤرخ لحياتها وموتها الغريب.
هي شخصية (
راسبوتين).. ذلك الراهب الروسي الذي تمكن بدهائه
وألاعيبه الماكرة من السيطرة على الأسرة المالكة حتى تمت تصفيته في مؤامرة
دموية!
فــ تعالوا نتعرّف عليه عن
قرب:مـولـــدهولد
(
غريغوري يافيموفيتش راسبوتين) في 10 يناير
1872م في قرية ريفية نائية بسيبيريا تدعى (
بوكروفسكي) من أسرة مزارع بسيط، وما زال بيت
أسرته قائماً كمزار سياحي إلى يومنا هذا.
طفولته و مراهقتهعاش
راسبوتين طفولة غريبة حيث مات أخوه غرقاً بينما كان يستحم مع راسبوتين مما جعل لهذه
الحادثة أثر في نفسيته.
ولم يدخل راسبوتين مدارس في طفولته بل لم يتعلّم
القراءة و الكتابة إلاّ في سنّ المراهقة، ولكن ظهرت على راسبوتين أقوال مستمرة عن
القوى الغيبية التي يدعي أنه على اتصال بها، ولعل ذلك من تلبيسات إبليس لغواية
البشر، وبرزت تلك التلبيسات في أحد الأيام عندما كان راسبوتين يرقد محموماً، وحدثت
سرقة لأحد الأحصنة في القرية، فاتجه الناس جميعا إلى منزل راسبوتين ليتهموا والده
بسرقة الحصان لما عرف عنه من أنه لص بهائم، ولكن راسبوتين أفاق من الحمى ليدافع عن
والده، ويشير بأصابع الاتهام لأحد الأشخاص في القرية، ودهش الناس جميعا من
راسبوتين، ولكنهم صدقوه، واتجهوا إلى منزل الشخص الذي اتهمه ليجدوا عنده الحصان
المسروق!
وهكذا اشتهر راسبوتين بعد هذه الحادثة بأنه طفل مبروك، ومكشوف عنه
الحجاب، ولكنه اكتسب في فترة مراهقته لقب (راسبوتين) أي الفاسق الداعر بسبب علاقاته
الجنسية الفاضحة، وكثرة شربه للخمر.
هروبه من قريتهولما بلغ
راسبوتين الثلاثين من عمره كان زوجاً، وأباً لأربعة أطفال حيث تزوج في سن التاسعة
عشرة، ولكن اتهامه بسرقة حصان، والضرب المبرح الذي تعرض له بسبب هذا الاتهام كان
نقطة تحول في حياته، فقد هرب على أثر ذلك من القرية، ولجأ إلى أحد الأديرة حيث اتخذ
صفة الرهبانية التي لازمته طيلة حياته، وبقي في ذلك عدة أشهر.
رحـــلاتـــهوبعد
تجربة الدير اتخذ راسبوتين طريق التجوال في أنحاء روسيا وخارجها، وخلال هذه الرحلات
لم يكن يغتسل أو يبدل ملابسه لفترات بلغت عدة أشهر حتى صار ذلك صفته التي تكسبه
هالة من الغرائبية عند مريديه، وكان راسبوتين يرتدي قيوداً حديدية لتزيد من معاناته
الجسدية مما لفت إليه الانتباه، وقد شملت هذه الرحلات الشاقة رحلة إلى جبل أثوس
باليونان، وساعدته على كسب أنصار ذوي نفوذ مثل (
هيرموجن) أسقف ساراتوي كما انضم راسبوتين لطائفة
متطرفة تعرف باسم (
خاليستي) تنزع إلى الجلد
والانغماس في الممارسات الجنسية الشهوانية من باب فكرة شاذة تقول أن الفرد يمكن أن
يصبح أكثر قرباً من الخالق إذا ارتكب عمداً ذنباً شهوانياً ثم تاب بعد ذلك توبة
نصوحة.
دخوله المجتمع
الأرستقراطيوذاع
صيت راسبوتين خلال جولاته المستمرة، فاستقطب إعجاب الأرستقراطيين وبعض رجال الدين،
وادعى في إحدى المناسبات أن السيدة مريم العذراء ظهرت له، وحثته على الذهاب إلى
العاصمة (
سان بطرسبرغ) لمساعدة العائلة
الملكية، ففي سنة 1902م تحرك راسبوتين باتجاه العاصمة حيث زار مدينة كازان الواقعة
قرب نهر الفولجا، وبدأ في تكوين مجموعة كبيرة من المريدين من الطبقات العليا، وفي
سنة 1903 وصل راسبوتين إلى سان بطرسبرغ، فنظر مجتمعها الراقي لراسبوتين باعتباره
(مرشداً روحياً) و(رجلاً مقدساً)، وساهم في
ذلك أن الطبقة الأرستقراطية في ذلك الوقت كانت مولعة بمسائل السحر والتنجيم، وكانت
عمليات تحضير الأرواح أمراً مألوفاً في حفلاتها، فكان راسبوتين يُدعى مراراً
لاحتفالات و مناسبات معظمها تنظمها نساء وقعن تحت تأثير فتنة و إغراء
راسبوتين.
علاقته بالأسرة
المالكةسجل
(
القيصر نيقولا الثاني) في مذكراته اللقاء
الأول براسبوتين في 14 نوفمبر 1905م قائلا: (
تعرفنا على غريغوري رجل الرب من أبراشية
توبولساك).
وبنجاحه المعهود مع النساء ترك راسبوتين أثراً
عميقاً في نفس الإمبراطورة (
ألكسندرا
فيوديوروفونا) زوجة القيصر التي اقتنعت بقدراته حين استطاع أن يخفف النزيف
الذي أصاب ولي العهد (
أليكسيس نيكوليافبتش)
المريض بسيلان الدم الوراثي، ويقال أن راسبوتين تمكن وقف النزيف الذي أصيب به الطفل
أليكسيس باستخدام التنويم المغناطيسي لإبطاء النبض، ومن ثم تقليل القوة التي تدفع
الدم إلى الدوران في جسده، فمن المعروف اليوم أنّ التنويم المغناطيسي يؤثر على سرعة
جريان الدم نحو القلب، ويساهم في عودة الجسد للعمل بشكله الطبيعي.
Empress Alexandra
Czar Nicholas II
ولم يمض وقت طويل حتى أصبح راسبوتين مستشار الإمبراطورة
الشخصي، والمؤتمن على أسرارها، وصار يزورها في القصر في موعد أسبوعي
محدد.
وذاعت شهرة راسبوتين، ونجح في جذب المزيد من الأنصار من جميع الطوائف
الاجتماعية، وتطوعوا لارتكاب الخطيئة من أجل التطهر من آثامهم كما زاد عدد أعدائه
إذ رآه كثيرون خارج حدود البلاط فاسداً يحيا حياة السكر والعربدة، وغالباً ما يكون
بصحبة العاهرات، ورسمته الصحف كمتلاعب مجنون بالعائلة الروسية الحاكمة كما وصفه بعض
البرلمانيين بالقوى السوداء، وتم تكليف الشرطة السرية للقيصر (
أوكرانو) بتعقبه بأمر من رئيس الوزراء الروسي
الذي توقع له راسبوتين القتل، وبالفعل سرعان من اغتيل على يد أحد الأمراء مما ساعد
على تصديق راسبوتين في كل ما يقول من توقعات يحاول أن يسمها بسمة
النبوءة!!
محاولات
اغتيالهوكان
اثنين من أنصار راسبوتين السابقين، وهما راهب يميني متعصب يدعى ليودور، وهيرموجان
أسقف ساراتوف على اقتناع تام بأن راسبوتين هو تجسيد للشيطان، وفي سنة 1911م
استدرجاه إلى طابق سفلي حيث اتهماه باستخدام قوى الشيطان للقيام بمعجزاته، وضرباه
بصليبين، ولكنه نجا منهما، ولم يتمكنا من القضاء عليه.
وأبلغ راسبوتين
الإمبراطورة بالواقعة، وادعى أنهما حاولا قتله، فتم نفي الرجلين، وفي 27 يونيو
1914م عاد راسبوتين إلى قريته في سيبريا، وفي اليوم التالي تلقى برقية، وبينما كان
في طريقه لإرسال الرد هاجمته عاهرة سابقة مشوهة مجدوعة الأنف تدعى (شيونيا جاسيايا)
بوحشية مستخدمة سكيناً، وكان الراهب المنفي ليودور قد دفعها لقتل
راسبوتين.
وبينما كان راسبوتين يتعافى في المستشفى من الطعنات التي تعرض لها
كان القيصر نيقولا يحشد قواته استعدادا للحرب العالمية الأولى التي دخلتها روسيا
إلى جانب إنكلترا، ولما عاد راسبوتين إلى العاصمة سان بطرسبرغ، ومع غياب القيصر
استطاع اكتساب المزيد من القوى السياسية إلى جانبه، وساهم في تعيين وطرد الوزراء
بصورة واضحة بل استطاع أن يفرض (ستويرمر) رئيساً لمجلس الدوما (البرلمان) رغم
معارضة النبلاء والإمبراطورة الأم له، وبنفوذه الطاغي على قرارات القيصر السياسية
زاد اللوم الموجه لراسبوتين بسبب المشكلات التي عانت منها البلاد بعد دخول الحرب،
ودارت شائعات بأن راسبوتين، والإمبراطورة ألكسندرا فيدوريونا ألمانية الأصل كانا
يقودان مجموعة مؤيدة لألمانيا، وكانا يسعيان لسلام روسي منفصل عن حلفاء إنكلترا مما
كان من شأنه لو تم لقلب ميزان القوى في الحرب العالمية
الأولى.
توقعه
بالقتلفي ديسمبر 1916م كتب
راسبوتين خطاباً للقيصر يتوقع فيه قتله، ويذكر قتلته المحتملين، وفيه
يقول:
(
إذا قتلني
أقاربك، فلن يبقى أي فرد من عائلتك حياً لأكثر من عامين، فسوف يقتلهم الشعب
الروسي.. سأُقتل.. لم يعد لي وجود في هذه الحياة. صلي. أرجوك. صلي، وكن قوياً، وفكر
في عائلتك المصونة).
ونسب إليه أنه قال في تلك الفترة يتوقع
مصير الأسرة الحاكمة بعد مقتله:
"سأموت موتاً شنيعاً بعد عذابٍ شديد، وبعد موتي لن يكون
لجسدي الراحة! وستتجرّدين يا (ألكساندرا) من الملكية على روسيا ، وأنتَ وابنك
ستُغتالون.. وكذلك كلّ العائلة الملكية ، سيعبر روسيا بعد ذلك طوفان رهيب وستقع بين
يديّ الشيطان"وبعد ثلاثة وعشرين يوماً من هذا الخطاب تمكن
اثنان من أقارب القيصر نيقولا الثاني من قتل راسبوتين، وكانت نهاية راسبوتين بالفعل
بداية النهاية للقيصر نيقولا والإمبراطورة ألكساندرا، فبعد عشر أسابيع فقط من وفاته
أطاحت الثورة الروسية بحكم القيصر، وبعد مرور أقل من عامين قامت فرقة بإعدام القيصر
نيقولا وعائلته بأكملها في سيبريا.
مقتله الغريبوتم
قتل راسبوتين في أحداث دموية غريبة، ففي ليلة 16 ديسمبر 1916م دعا الأمير الروسي
(
فيليكس يوسوبوف) راسبوتين إلى قصره بحجة
أن زوجته الأميرة (
إيرينا) التي يقال بأنها
أجمل امرأة في سان بطرسبرغ تريد مقابلته، ورغم أنّ أحد المقرّبين إلى راسبوتين حذره
من الخروج من منزله في نفس تلك الليلة مؤكداً له أن ثمة أشخاص يتهيئون لاغتياله إلا
أن راسبوتين استهان بهذه التحذيرات، وأجاب قائلاً: (
عبثاً ستكون محاولاتهم .. فلن
يفلحون).
Raputin drinks
the poisoned wine as he waits to "heal" Irina
وعندما وصل راسبوتين إلى
القصر برفقة الأمير فيليكس، وبينما كان ينتظر ظهور الزوجة الجميلة قدم له الأمير
كعكاً وخمراً دس بهما سم مميت، ولكن راسبوتين لم يبد عليه التأثر بالسم، وظل يتحدث
ويأكل ويشرب مما أثار الرعب في قلب الأمير فيليكس، فأخرج مسدسه بعد مشاورة رفاقه في
المؤامرة، وأطلق النار على راسبوتين الذي ترنح خارجاً إلى ساحة القصر حيث كان بقية
المشاركين في المؤامرة (
الدوق ديمتري بافلوفيتش،
وعضو البرلمان فلاديمير بورسكافيتش) يستعدان للمغادرة، فأطلق بورسكافيتش
النار ثانية على راسبوتين، وضرباه بهراوة، وقيداه قبل أن يحملاه بالسيارة، ويلقيا
بجسده في نهر نيفا المتجمد.
وعندما
تم العثور على الجثة بعد 36 ساعة دل تشريحها على أن راسبوتين كان ما زال حياً عندما
ألقى به في النهر!!
Prince Felix Yusupov
with his wife Irina & Grand Duke Dmitri Pavlovich
وقد فسر العلماء عدم
تأثر راسبوتين بالسم إلى إصابته بنقصان الحمض المعوي الذي يتفاعل مع السموم، وذلك
بسبب إدمانه للخمر مما أبطل مفعول السم كما انتشرت الإشاعات بأن راسبوتين كان
يتعاطى كميات ضئيلة من السم يومياً ليحمي نفسه في حالة أن حاول أحد قتله
بالسم.
وتم الاحتفال شعبياً بنبأ موت راسبوتين، ونظر السياسيون إلى القتلة
على أنهم أبطال أنقذوا روسيا من نفوذ ألكساندرا الألمانية والراهب الداعر راسبوتين،
ولكن القيصر نيقولا قرر نفى قتلة راسبوتين، ومن الغريب أن هذه العقوبة أنقذتهم في
النهاية من السجن أو الاغتيال بأيدي الثوار البلشفيين، وهناك تحقيقات حديثة تشير
إلى دور رئيس للاستخبارات البريطانية في قتل راسبوتين بسبب صلاته المزعومة بالجانب
الألماني مع الإمبراطورة، ولا ننسى أن وقت الجريمة كان في خضم الحرب العالمية
الأولى عندما كانت روسيا وإنكلترا تحاربان ألمانيا والدولة العثمانية، وصار
راسبوتين بميوله الألمانية يشكل خطراً على المصالح البريطانية بعد أن لاحظوا تأثيره
الكبير على القيصر وزوجته، ودوره الكبير في اتخاذ القرارات الروسية مستغلاً غياب
القيصر في الجبهة، وبدأ يخطط لتسحب روسيا قواتها من الحرب بحجة الحفاظ على دماء
الروسيين الأبرياء.
كما أن هناك تحقيقات تشير إلى وجود قاتل مأجور بريطاني
مشارك في عملية الاغتيال هو من أطلق على راسبوتين الرصاصة القاتلة التي اخترقت
جبهته.
وخلال ثورة فبراير 1917م قامت الجماهير البلشفية بإخراج جثة
راسبوتين، وحرقها، وهكذا انتهى الراهب الفاسق نهاية دموية ألهبت خيال الكتاب وصانعي
الأفلام، وصار ذكرى لرجل رحل، ولم يبق له جسد ولا قبر بل سيرة
غربية.