.
هذا وقت المصارحة.. وقت الكلام الجد.. لحظة لا يجوز فيها الصمت.. لذا فلن أقول
لكم كلاماً مكروراً عن الوحدة الوطنية ومبدأ المواطنة.. أنت نفسك مللت هذه النغمة..
فمنذ سنوات طويلة ونحن نأخذ شيخ الأزهر والبابا من أيديهما لنلتقط لهما صوراً بلا
حياة.. ابتسامة الصور باردة، تخفى غضباً مكتوماً.. والقبلة البروتوكولية على الخد
لا تترك أثراً.. نحن شعب يجيد التمثيل على نفسه.. ولنعد سوياً إلى الفيلم الإيطالى
الذى حدثتكم عنه من قبل «أنا أعرف أنك تعرف أننى أعرف».. وإذا لم تكن من هواة
السينما فعليك العودة إلى نظرية «دولة كأن»!
كلنا نعرف أن الأجواء بين المسلمين والأقباط ملتهبة إلى حد الانفجار.. وكلنا
ندرك أن للإخوة الأقباط مطالب ينبغى النظر إليها بعين العدالة والمواطنة.. وكلنا
نعلم أن النظام الحاكم غير قادر على «الفعل».. هو فقط عبقرى فى «رد الفعل».. لذا لم
يكن غريباً أن تدخل مصر كلها ثلاجة التجميد منذ ثلاثة عقود.. ومن يختلف معى، عليه
إعطائى حالة واحدة واجهتها مصر بحسم وحلول نهائية.. كل شىء يسير بالمسكنات بدعوى
الاستقرار.. والنظام لا يعرف أن ثمة فرقاً كبيراً بين الاستقرار والجمود.. الثبات
والموت.. فلماذا نتعجب من «تجميد» الملف القبطى، بينما مصر كلها تعيش فى
«الفريزر»؟!
دعونا نتفق على أن مصر أكبر من الجميع.. أكبر من الذين يحكمونها.. وأكبر ممن
يخطئون فى حقها كل لحظة.. ولكن هذا الاعتقاد الراسخ بداخلنا يمثل خطراً كبيراً..
فمهما كانت مصر عظيمة وراسخة، فإن رصيدها بات معرضاً للنفاد من فرط جرائمنا.. نعم..
مصر الآن فى خطر حقيقى.. فالاختبار هذه المرة أصعب، ومع ذلك فنحن نجيب عن السؤال
بالإجابة ذاتها: شيخ الأزهر والمفتى ووزير الأوقاف يزورون البابا فى الكاتدرائية..
والإعلام «يبغبغ» بوهم الوحدة الوطنية والأصابع الخارجية.. والحكومة تعقد اجتماعات
تنبئ عن «لخمة» وارتباك، أكثر مما تعكس رؤية للمواجهة والعلاج..!
لا شىء فينا يتغير.. ربما لأننا شعب ساكن.. خامل.. خامد.. خانع.. صامت.. يعشق
الحكم الديكتاتورى.. ويقدس الحاكم الفرعونى.. ويخلط بين الرب فى السماء و«الإله»
على كرسى الحكم.. وربما لأن نظام الحكم الذى كان بارعاً فى «تجميد» البلد فى شبابه،
يستحيل أن يضخ فى عروقه دماء الحيوية وهو فى اللقطة الأخيرة.. فمن أين يأتى
التغيير.. وكيف ننتظر علاجاً لمأزق «المسلمين - الأقباط» ونحن شعب ينشد التغيير من
السماء.. وحكومة ترى أنها أشرف من «خضرا الشريفة» وأكفأ من «مهاتير محمد».. وحزب
حاكم يختفى ويختبئ فى الملمات والمصائب، لأنه لا يفهم إلا فى الاقتصاد
والبيزنس؟!
مصر على شفا حفرة الإرهاب مرة أخرى.. ولكنها لا تدرك هذه المرة أن ما نفع ونجح
فى إرهاب التسعينيات لن يفيد اليوم.. فكل شىء فى العالم تغير بعد ١١ سبتمبر، حتى
الإرهاب.. وإذا استمر الملف فى أيدى الأمن، فربما يشتعل حريق أكبر من قدرتنا على
الإطفاء.. والدولة غير قادرة على الحل الجذرى سياسياً واجتماعياً.. والشعب يراقب من
مقعد المتفرج.. وشباب مصر صغير، ولم يؤهله أحد.. لا التعليم ولا المؤسسة الدينية،
ولا الإعلام، ولا البيت.. فأى مصير يهدد هذا البلد؟!