ناصر والسادات
قاتل الله السياسة، جمعت الرجلين أحياء.. وفرقت بينهما أمواتاً، رسمت مشاهد اللقاء الأولى، وجمعت بحلمها الواسع بين مشروعين، توحّدا وانطلقا، وغيرا شكل الحياة.. وألوان العلم.. وطعم كل الأشياء.
فى البدء اختار السادات رفقة ناصر.. رأى فيه بنظرته الثاقبة، وحدسه الصادق، مستقبلاً واسعاً.. قل شاركه.. قل كان معه، قل ما تقول.. فالحقيقة لا تغيرها الأهواء السياسية، ولا التفسيرات الحزبية.
بنى عبدالناصر نظاماً جديداً، وحلماً جديداً، ونهضة جديدة، وكان السادات معه.. راجع أرشيف الصور ستراه إلى جواره.. وإذا لم يكن جواره فخلفه، لكنه لم يكن أبداً خارج الصورة، منذ ألقى بيان الثورة وحتى تسلم رايتها.
كان السادات رفيقاً وصديقاً من ذلك النوع الذى يبقى ويستمر.. كان الرفاق يتساقطون واحداً وراء آخر، إما بسبب خلافات جذرية وجوهرية أو بسبب تنازع وتناطح، لكنه استمر وسط مناخ يسيطر عليه المد والجزر، ولا يقوى على البقاء فيه سوى سباح ماهر أو مصدر ثقة حقيقى.
نحِّ السياسة جانباً لتقرأ طبيعة العلاقة بين الرجلين دون شروط مسبقة، وتعرف أن السادات، مثلما اختار رفقة عبدالناصر فى البداية، اختاره ناصر فى النهاية ليكون إلى جواره، ويكون رجله فى آسيا وأفريقيا، وفى مجلس الأمة، وقبلهم فى إعلام الثورة ومحاكماتها، حتى صار الرجل رقم ٢ فى دولة كانت تتعافى من هزيمة مفاجئة وكارثية، وتتصالح مع نفسها، وتبنى من جديد من أجل لحظة انتصار.
لا يدفعنك كرهك للسادات إلى أن تتجاوز فى حق ناصر، وتعتقد أنه أخطأ الاختيار، أو خان الأمانة فقصد أن يرشح لوطن أفنى عليه عمره وقاتل من أجله رجلاً غير مؤهل للقيادة، فالحقيقة أن السادات كان اختيار ناصر، ومسؤولية السادات لا يتحملها إلا ناصر، ولو كان مخطئاً ولا يجيد فرز الرجال لما بقى السادات إلى جواره طوال أكثر من ٢٠ عاماً، متكئاً راسخاً ومصدراً للثقة.
لم يكن ناصر رجلاً يخون الأمانة.. ولم يكن السادات الرجل الذى يخون الوطن.. لكن الخيانة لاحقته لأنه اجتهد وأصاب.. واجتهد وأخطاً، مثلما عمل صديقه ورفيق دربه وكفاحه «حاجات كتير معجزة.. وحاجات كتير خابت».
سيقولون إن ناصر عادى إسرائيل واعتبر صراعه معها صراع وجود.. وأن السادات سالمها ومنحها شرعية الوجود.. وهل تجزم أن عبدالناصر لو بقى كان سيحارب إسرائيل إلى الأبد؟
لم يفعل السادات شيئاً لم يفكر فيه عبدالناصر، ربما كانا سيختلفان فى الأسلوب، ربما اختلف سلام عبدالناصر فى الأسلوب والنتائج، لا يقلل ذلك من اجتهاد السادات، كما لم يقلل انتصاراً كان قائده السادات من صمود كان عنوانه عبدالناصر.
إذا كنت ناصرى الهوى تكره السادات فلابد أن تعتبره خطأ ناصرياً ولا تغفره لعبدالناصر.. وإذا كنت ساداتياً تكره ناصر فلابد أن تعتبر السادات فضلاً وإنجازاً ناصرياً لابد أن تشكر عليه عبدالناصر.
والحق أنك لا يجب أن تكره أياً منهما، بقدر ما يجب أن تؤمن بأن هذا الوطن يحتاج اليوم إرادة ناصر ومشروعه وانطلاقه وإيمانه، كما يحتاج خيال السادات ومرونته وانفتاحه وإبداعه واجتهاده