والد أنغام
فى زمن ملحنى الجملة الموسيقية الواحدة والمقام الموسيقى الواحد. زمن قلة الأصل يغيب الكبار ولايسمع إلا أصوات الصغار.
«الشروق» التقت نجوم الصمت فى مواجهة أصحاب الصوت الصاخب.
بحثت كثيرا عن اسم الموسيقار الكبير محمد على سليمان بين تترات مسلسلات رمضان الماضى ولم أجده رغم أننى وجدت أسماء متواضعة موسيقيا لها أكثر من عمل درامى، وبحثت عنه بين عشرات الألحان التى تظهر ليل نهار، ولم أجد نغمة له. علامات الاندهاش لم تتملكنى كثيرا فهو واحد من هؤلاء الذين قسا عليهم الزمن بعنف دون مبرر.
ذهبت إلى الموسيقار الكبير فى منزله بمدينة نصر، وهو المنزل الذى شهد نبوغ أنغام، والنجاح المدوى للنجم الراحل عماد عبدالحليم. وعشرات الألحان الأخرى لشادية، ونجاح سلام ونجاة ومحرم فؤاد وصباح وعادل مأمون ومحمد رشدى ومحمد العزبى، ومحمد الحلو، وعلى الحجار، ونوال الزغبى. وجدت الموسيقار الكبير «موجوعاً» كما تقول العامية المصرية. والوجع سببه أمور كثيرة عامة وخاصة. ورغم ما يحمله من هموم خاصة، فإنه عندما بدأت معه الحوار فضل أن يبدأ بقضية تهم عموم الموسيقيين. وهى حقوق الملكية الفكرية.
قال: أبدأ برسالة للوزير الفنان والصديق فاروق حسنى أشكره فيها على مقابلته الأخيرة لى أنا وزميلى محمد سلطان، وأقول له تفاعلت معنا بمجرد أن عرضنا عليك مشكلة حق الأداء العلنى المعلقة منذ فترة بين جمعية المؤلفين والملحنين وبعض قطاعات الوزارة منها دار الاوبرا. وعلمنا خلال الزيارة الأخيرة أن سبب عرقلة القرار رقم 697 لعام 2007 بتشكيل لجنة برئاسة على أبوشادى قبل بلوغ المعاش وعضوية المستشار القانونى، وعمر بطيشة، ومحمد على سليمان. كان تقصيراً إدارياً من بعض الموظفين. خاصة أننا اجتمعنا ثلاث مرات فقط، ولم نتمكن من تحقيق الهدف من إنشاء هذه اللجنة. وحاولت ومعى عمر بطيشة تفعيل هذا القرار ولم نجد أى مساعدة، بل إن الوزارة وافقت على مشروع الـ«dj» وأصدرت تصاريح له رغم أنه أحد أسباب ضياع حقوقنا لأن هذا الشىء مثل الإذاعة غير الخاضعة لأى ضوابط. وبالتالى كان لقاء الوزير مثمرا للغاية.
وهنا لابد أن أنوه إلى أن الجهة الوحيدة التى تدفع حقوق المؤلفين والملحنين هى الإذاعة والتليفزيون رغم أنهما يدفعان مبالغ ضئيلة حددت قيمتها عندما كانت الاذاعة ثلاث محطات والتليفزيون قناتين فقط. وهنا أيضا لابد أن أشكر السيد رئيس الجمهورية على قراره الأخير بشأن حقوق المؤلفين والملحنين عندما قابل وفد نجوم التمثيل مؤخرا وتعاطف مع طلبهم بشأن حقوق الاداء العلنى للممثل.
● هذا المطلب أعتقد أن أشرف زكى نقيب الممثلين هو الذى يتبناه؟
ــ هذا صحيح أنا ألمس هذا منه منذ فترة عندما التقيته مع زميلى عمر بطيشة بدار الأوبرا وأنا احترم حماسه فى هذا الطلب لكن ما يطلبه أشرف حقوق مجاورة لحق المؤلف لذلك فالأولى به أن يطالب بحق المؤلف لأنه الأصل باعتباره صاحب الإبداع الحقيقى. كما أن الممثل يحصل على أجر كبير. ثم إن التزاحم فى الطلبات يولد العشوائية، لذلك أردت أن اذكره بذلك، لأن المؤدى سواء كان عازفا أو مغنيا أو ممثلا دوره تال لدور المبدع الأصلى مؤلف الدراما أو الشاعر والملحن لأنهما يخلقان العمل من العدم.
● قلت فى مطلع كلامك إن الـ«dj» إذاعة تسرق حقوق الأداء.. فهل له عيوب أخرى؟
ــ بالتأكيد فهو سبب مباشر فى انهيار المعاهد إلى أنشأتها الدولة وتشرف عليها الوزارة.
● كيف يسهم فى ذلك الانهيار؟
ــ طلاب المعاهد الموسيقية الآن يعملون جرسونات ونقاشين وعمال محارة، وبالتالى أى طالب فى المعهد عندما يجد مصيره بهذا الشكل بالتأكيد لن يعطى الدراسة اهتماما.
● أريد أن أبدأ معك من حيث كتبت فى مقدمة الحوار وهو كبار الملحنين لماذا هم الآن على مقهى المعاشات؟
ــ لأن الدولة وشركات الإنتاج الدرامى تسعى خلف شباب الأغنية «الخايبة». الفلوس الآن تذهب لبطل العمل، فى حين يكون الفتات للموسيقى التصويرية، وبالتالى فهم لا ينظرون للقمم.
● لكن فى وقت من الأوقات كنت صاحب الكلمة العليا فى الموسيقى التصويرية، خاصة أنك صاحب أول تتر حقق نجاحات كبيرة فى العالم العربى وهو «الضباب»؟
ــ الناس يا عزيزى لا تنظر للقيمة الآن، وبالتالى نحن كما قلت نعود للخلف.
● ولكن الانهيار طال كل شىء عندنا؟
ــ هناك مخطط اعترفت به الدولة بأن إسرائيل وأمريكا يريدان تهميش الريادة المصرية. فى كل شىء.
وهذا الكلام قاله أحد أعضاء أمانة السياسات فى الحزب الوطنى الحاكم. فى القناة التى يمتلكها وقمت بعمل مداخلة معه مبديا اندهاشى وقلت له وأين حائط الصد الذى يجب أن نبنيه لمواجهة هذه الهجمة الشرسة؟ فقال إن هناك اهتماما بهذا الموضوع.
● لكن الأغنية الحالية لا تصلح أن تكون حائط صد؟
ــ هذا صحيح، هناك انهيار فى كل شىء وانشقاق فى المجتمع وتدنٍ فى سلوكيات الشباب وانهيار فى السينما والدراما والأغنية لذلك أنادى الدولة بالتحرك وأخذ القضية مأخذ الجد والاهتمام بالموسيقى الشرقية التى تواجه أعنف هجوم عليها من الكيان الصهيونى، والأمريكان.
● فى رأيك.. ما أسلحتهم فى ذلك؟
ــ من خلال ما يصدرونه لك من تكنولوجيا جعلتك تستغنى عن كل ما هو شرقى فى الغناء، وللأسف الدولة تقف حتى الآن متفرجة، وكأن الأمر لا يعنيها. رغم أننا شعب طوال عمرنا كنا نتمتع بالذوق فى كل شىء السمع والكلام، وبالتالى كانت كل تصرفاتنا طيبة. الآن ماذا تنتظر من شعب يسمع كل أغانيه من مقام موسيقى واحد، والاولاد حريصون على تسميم الناس بتلك الآلات التى تصدرها أمريكا وإسرائيل، وبالتالى أصبحت الأرض «بور».
● وما الذى تتوقعه لمستقبلنا؟
ــ الصورة سوداء. لأن الدولة تمتلك الإذاعة والتليفزيون وهما وسيلة عرض هذه التفاهات.
● وهل أسباب الانهيار الذى تتحدث عنه تقف عند كونها وسيلة عرض؟
ــ ليس هذا فقط، لكن موظفى هذا الجهاز الآن يستعينون بالصغار لتلحين الأعمال الضخمة التى كانت تسند للكبار. وهى مهزلة لأن هذا يعنى أنهم أصبحوا مؤمنين بهم، وعندما تؤمن الدولة بمن ساهموا فى انهيار العقول فهذا أمر خطير، وفى النهاية هذا الضرر سوف تحصد الدولة نتيجته.
● وما النتيجة بالنسبة للدولة؟
ــ سوف تفقد مكانتها التى عشنا سنين طويلة ندافع عنها، وسوف تكون النهاية على عكس ما تتمناه. وبالتالى سوف يزداد كرب وهم الناس.
● لكن البعض يلوم الكبار بأنهم استسلموا؟
ــ الذى يلوم الكبار إما أنه غير مدرك ما يقول أو أنه يعيش فى وطن آخر، لأننا لم ولن نستسلم.
● وأين إبداعكم؟
ــ موجود وسيظل موجودا. والدليل أن أى إنسان سميع يعود لأعمالنا إن أراد أن يسمع جملة موسيقية جيدة. وغناء يطرب الآذان.
● لكنه فى العموم إبداع حبيس الأدراج؟
ــ المبدعون الحقيقيون سيظل ابداعهم مقهورا حتى تفيق الدولة، وهذا لن يحدث إلا عندما تشرب من نفس الكأس التى يشرب منها المبدع.
● آخر مرة تحدثت معك جهة حكومية من أجل التلحين؟
ــ لحنت مسلسلين فى رمضان، الأول لإذاعة القاهرة الكبرى وآخر لصوت العرب.
● أقصد المناسبات المهمة؟
ــ ياه إن كنت تقصد أكتوبر وتحرير سيناء الذى أنا كنت أحد الذين حاربوا من أجل تحريرها، فلا أتذكر لأن ذلك من سنوات طويلة.
● وماذا تنتظرون كمبدعين؟
ــ نحن فى منازلنا فى انتظار صحوة شريفة.
● هل سوف تغضب منى لو قلت لك إن الكبار الآن خرجوا إلى المعاش رغم أن الموسيقى لا توجد بها سن للتقاعد؟
ــ ولماذا أحزن وما تقوله هو الواقع الذى نشرب منه جميعا. شىء مؤسف أن يحدث هذا فى وطن الغناء العربى.
● لكننى أرى أن النقابة تقف متفرجة؟
ــ النقابة لا يهمها حال الأغنية من عدمه. على الرغم من أن أول مهمة لها الحفاظ والنهوض بمستوى المهنة. وأنا التمس لهم بعض العذر لأن حلمى أمين رحمه الله قبل 20 سنة تقدم كنقيب للموسيقيين بمذكرة لوزير الإعلام طالبه بالتصدى لتدنى الأغنية فكان رد الوزير إننا مع ما يريده المستمع.
● عندما تعلم أن المناسبات الكبرى تذهب لصغار الملحنين.. ما أول جملة تخرج من لسانك؟
ــ حسبى الله ونعم الوكيل.
● محمد على سليمان.. ماذا يفعل الآن؟
ــ أتجرع كأس الغضب على حال بلدى على الأقل فنيا.
● ماذا عن الاستعانة بالعرب فى التترات؟
ــ هى وسيلة أخرى لدفن الأصوات المصرية الجميلة، مصر تفقع عينها بيدها مع الأسف الشديد، لأن الأصوات الجادة استبدلت بناس «أونطة» تم استيرادها من الخارج.
● هل هناك مشروع قريب مع أنغام؟
ــ أزعم أن أنغام فنيا صفحة وانطوت برغبتها. وكنت أود ان تستمر صفحة صلة الرحم مفتوحة للأبد، ولكن يبدو أن هناك ظروفا لديها تحول دون ذلك.
● حلم «السليمانية» الغنائى.. لماذا لم يكتمل؟
ــ ذهب مع الرياح، رغم أننى كنت امتلك الامكانيات التى تكفى لخروج المشروع على أعلى مستوى. ولولا الغرباء الذين صنعوا الفتنة بين العائلة السليمانية لصار الحلم حقيقة.
● من هم شركاء هذا المشروع؟
ــ كان عماد عبدالحليم رحمة الله عليه وأنغام ومحمود سليمان شقيقى الأصغر وابنى خالد سليمان.
● عماد عاش معك هذا الحلم؟
ــ بالطبع وكانت أنغام قد حلت مشرقة، ومحمود كان على أبواب صناعته، لكن القدر كان اسبق وتوفى عماد، ورحلت أنغام وهى على قيد الحياة، ورحل مشروع السليمانية.
● قدمت للساحة صوتين هما عماد وأنغام.. هل اكتفيت بذلك؟
ــ لو أن كل ملحن قدم صوتين فقط بهذه المقاييس لامتلكنا أكثر من 500 صوت.
● وكيف تقيم تجربتك معهما؟
ــ كانت ناجحة عندما كنت ممسكا بعجلة القيادة. لأن هدفى لم يكن مجرد صناعة نجمين لكننى كنت أهدف لعمل أغنية أقود بها العالم العربى وتتواصل مع جيل العمالقة.
● كيف ترى الأصوات الموجودة الشابة؟
ــ غادة رجب ومى فاروق وريهام عبدالحكيم أصوات جيدة جدا. وآمال ماهر طاقة مهدرة. ومن الرجال خالد سليم وأحمد سعد لكن الأخير يحتاج تدريبا.
● وماذا عن تامر حسنى؟
ــ صوت «أقرع» بمعنى أنه يغنى بلا أساس موسيقى بداخله وهو يذكرنى بغناء العوالم.
● لكنه أبرز صوت موجود؟
ــ جمهوره من المراهقين.
● ما علاقتك بكبار الملحنين؟
ــ على أفضل ما يكون.. محمد سلطان نعمل معاً من خلال جمعية المؤلفين من أجل الصالح العام. وحلمى بكر صداقة واحترام متبادل، وعلاقتى بعمار الشريعى صداقة أيضا واحترام جميل ويكفى أنه جاء لكى يدعمنى خلال خوضى انتخابات الجمعية وهو شعور جميل منه. وكلنا نتجرع من كأس هبوط الأغنية.