د. فاروق الباز يواصل الحديث: السادات أعلن للطلبة المصريين فى أمريكا تعيينى مستشاراً علمياً له قبل أن يخبرنى(الحلقة الثالثة) يواصل العالم المصرى الكبير الدكتور فاروق الباز حوار الذكريات، متحدثا فى هذه الحلقة عن أهم مشروعاته العلمية فى تدريب رواد الفضاء ضمن رحلات «أبوللو»، ويكشف العديد من الأسرار حول تلك الفترة، إضافة إلى علاقته بالرئيس السادات، وكيف عمل معه مستشاراً علمياً بموافقة من حكومة الولايات المتحدة، وكيف دعمه السادات، واستفادت مصر من خبراته الطويلة فى مجال الجيولوجيا، وكيف يرى وضع البحث العلمى فى مصر حالياً.■ حالياً أنت تشغل مدير مركز الاستشعار من بعد بجامعة بوسطن.. كيف تم اختيارك لشغل هذا المنصب؟
- دعيت لإقامة مركز أبحاث الفضاء بجامعة بوسطن وإدارته فى عام ١٩٦٨، فى ذلك الوقت كنت نائب مدير قسم التكنولوجيا والعلوم فى مؤسسة اسمها «آى تك» بالقرب من بوسطن، وكانت مسؤولة عن إنتاج أجهزة التصوير المتقدمة، وطلبت منى جامعة بوسطن الإشراف على مركز لاستخدام الصور الفضائية فى الجامعة يكون مظلة لثلاثة أقسام هى قسم الجيولوجيا، وقسم الجغرافيا الخاص بالتضاريس، وقسم الآثار لاستخدام تطبيقات الاستشعار من بعد فى البحث عن الآثار، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن أدير المركز، وعلى مدار هذه السنوات تخرج فى هذا المكان عدد هائل من الطلبة، الغالبية العظمى منهم من الصين وعدد غير قليل من العالم العربى خاصة من مصر، وخلال شهور الصيف يأتينا عدد كبير من العلماء للتدريب فى المركز.
فى الحقيقة إدارة هذا المركز شىء رائع، وبالنسبة لجامعة بوسطن كان الموضوع أنى سأنشئ المركز وأكون مسؤولا عنه، وخلال تلك السنوات من المفروض أن يكون عندى ثلاثة رؤساء هم: العميد ونائب الرئيس والرئيس، وفى الجامعة حتى اليوم لم يسألنى أحد منهم «إنتم بتعملوا إيه؟ أو فلوس أبحاثكم مصدرها إيه؟» فأنا أدير المركز وملتزم بتوفير التمويل للقيام بالأبحاث، وأعيّن الناس وأقبل المتدربين، والميزانية كلها يتم توفيرها من خارج الجامعة التى تعطينا فقط ٣٠ ألف دولار فى السنة للمصاريف الخاصة بالكهرباء والتليفون والفاكس، وفى مثل هذه المواقف يجب أن تكون أبحاثنا مهمة جدا، ولها نفع لتدفع الآخرين لتمويلنا من خارج المكان، وهذه الصفة واحدة من أسباب نجاح المؤسسات الأمريكية.
■ على مدار سنوات عملك فى الخارج، هل مرت عليك نماذج مصرية نابغة من العلماء؟
- النماذج المصرية المتميزة كثيرة، وتسعدنى جداً رؤية الجيل الجديد، وأتمنى أن يقودوا مصر، وقد كتبت فى إحدى المرات مقالاً بعنوان «جيل الفشل» تكلمت فيه عن جيلى تحديدا، وقلت إنه فشل فى تحقيق أى من أمانى الشعب العربى، كان عندنا أربعة أهداف: أولها إقامة وحدة عربية، تحرير فلسطين، عدالة اجتماعية فى الوطن العربى، ومحو الأمية. لم يتحقق أى من هذه الأهداف لأننا اعتمدنا على المؤسسات للتنفيذ، والحقيقة أن المؤسسات خربانة لا تصلح لشىء، لم نعتمد على البشر، عندما نعتمد على مؤسسة ننسى الإنسان، والإنسان الصالح هو الذى يعمل مؤسسة صالحة، وأقول إننا يجب أن نتنحى عن القيادة ونترك المجال لصغار السن غير المربوطين بمؤسسات، وبطريقتهم المختلفة فى التفكير يستطيعون الإصلاح.
■ فى رأيك لماذا يظهر نبوغ العلماء المصريين فى الخارج، بعيدا عن مصر؟
- لا أحد فى مصر يرى النبوغ، بينما فى الخارج الناس تقدّر النبوغ، خاصة أنه يظهر فى ظل مناخ يؤهل ويقدّر النبوغ ويحتفى المسؤولون عن العمل بكل من ينبغ فى شىء ما، لأنهم يقدرون العلم والمعرفة، وفى نظرى سنصل لهذه المرحلة عندما يظهر جيل جديد قادر على العمل، فاهم وقادر على تدعيم العاملين وليس المؤسسات، لأن الفرد هو عماد الأمم.
■ متى انضممت إلى وكالة ناسا لأبحاث الفضاء؟ وكيف تم هذا الاختيار؟
- عندما تركت مصر نهاية عام ١٩٦٦ سافرت إلى أمريكا، وبدأت أبحث عن عمل، وطبعا فى مجال تخصصى وهو الجيولوجيا الاقتصادية، وبدأت من الجامعات التى أعرفها، لكن التوقيت لم يكن مناسباً لأنهم كانوا قد عيّنوا الناس فعلا مع بداية السنة الدراسية شهر سبتمبر، بينما أنا رجعت إلى أمريكا فى ديسمبر، وحاولت العمل فى شركات التعدين، وكنت أكاتب مسؤولى المناجم، فكتبت ١٢٠ خطاب طلب عمل، وخلال هذه الفترة كنت أعمل فى أى شىء حتى وصلنى رد على أحد طلبات العمل من مؤسسة «ناسا» فى العاصمة واشنطن وطلبوا منى الذهاب لإجراء مقابلة معهم، وهناك سألونى عدة أسئلة أحسست خلالها أن لديهم انطباعاً إيجابياً عنى، وأنه «ييجى منى» مع أن الرجل الذى عيننى هناك قال لأحد الرؤساء الجيولوجيين فى «ناسا» سنعين رجلاً مصرياً «جيولوجياً»، وفى الغالب لن يستمر معنا، فهو لا يعرف شيئا عن القمر.
■ هل كنت العربى الوحيد فى «ناسا» فى ذلك الوقت؟
- نعم المصرى والعربى الوحيد فى ذلك الوقت، وكل الموجودين كانوا من الأمريكيين المتخصصين، ويصل عددهم إلى ٧٥ جيولوجيا، وعندما دخلت ناسا كان لدىّ هدف، وهو أن أثبت لزملائى من الجيولوجيين أنى أستحق الاحترام وإلا هيحترمونى بناء على إيه؟، فأنا شكلى غريب واسمى غريب و«متهبب على عينى» لا أعرف ما يجعلنى أفضل منهم، بمعنى أنى يجب أن أشتغل وأذاكر وأدرس أكثر منهم، وفعلا كنت أعلم نفسى لأنه لا أحد سيعلمنى، فأنا رجل أحمل درجة الدكتوراه ولابد أن أعلّم نفسى، هذه الدرجة تعنى شيئا واحدا فقط- قبل الحصول عليها تستدعى أستاذك ليُمسك يدك ويعلّمك- أنك قادر على البدء فى تعليم نفسك وليس معناها أننى وصلت لأنه لا أحد يصل.
■ ما دورك فى برنامج رحلات أبوللو؟
- كنت ضمن المجموعة التى تبحث سؤال: أين يهبط رواد الفضاء على سطح القمر؟ كان هناك ست رحلات للقمر، وكان السؤال: أين سينزل هؤلاء؟ ولماذا ينزلون فى هذا المكان تحديدا على القمر؟، هل هذه الأماكن مستوية حتى لا تنقلب السفينة؟، وهل هذه الأماكن مهمة علميا حتى يعطوا لنا معلومات جيدة؟ وخط سيرهم على القمر؟ والإجابات تكمن فى الدراسات المستفيضة لكل المعلومات عن سطح القمر، خاصة الصور الفضائية المأخوذة للقمر قبل الرحلات، وعمل مخطط للرحلات، وقد أجدت فى عملى حتى وصلت إلى منصب السكرتير العام للمجموعة، وكنت أمثلهم أمام إدارة «ناسا» وكنت مسؤولا عن إخبار المسؤولين والمهندسين فى «ناسا» بـ«هيوستن» عن الرحلات الفضائية، ولماذا اخترنا هذه المواقع وأشرح الأسباب العلمية والجيولوجية لاختيار هذه المواقع للهبوط فى سهولة.
■ هل صحيح أن زملاءك فى «ناسا» يطلقون عليك اسم «الملك» «The king»، ولماذا؟
- صحيح، فأنا رجل مصرى اسمى فاروق، والتاريخ الذى يعرفونه عن مصر أنها البلد التى يحكمها الملك فاروق وعندهم فى «ناسا» رجل اسمه فاروق، ولأن كلاً منهم لديه اسم دلع وأصبح اسم الدلع الخاص بى «الكينج»، خاصة بالنسبة لرواد الفضاء.
■ قمت بتحديد أماكن هبوط رواد الفضاء على سطح القمر.. كيف تعرفت على أنسب هذه الأماكن خاصة أنها المرة الأولى التى يهبط فيها الإنسان على سطح القمر؟
- كنا نختار مواقع الهبوط من خلال عدد من المواصفات، أولا من ناحية سهولة الوصول، ثم سهولة الهبوط، وسهولة ارتكاز السفينة، ثم سهولة الوصول من باب السفينة إلى الأماكن، التى نريد دراستها جيولوجيا، وكل هذا كان يحكمه العلم والمعرفة لسطح القمر بالتفصيل، لذلك كنت مهتماً جداً بكل التفصيلات، التى ممكن أن نقولها لندعم رواد الفضاء لفهم مواقع الهبوط، لأنها أهم خطوات الرحلة.
■ ذكر أحد رواد الفضاء (ألفريد وردن) أنه أثناء رحلته إلى القمر كان يتذكر ما كنت تشرحه لهم ويشعر كما لو كان فى هذا المكان من قبل، كيف تكونت لديك هذه الصورة الكاملة عن مكان لم تذهب إليه من قبل؟
- «الفريد وردن»، فى أول وثانى لفة حول القمر قال أنا من تدريب «الملك»، أشعر كأنى كنت هنا من زمان، وذلك لأنه درس كل التضاريس دراسة متميزة وشرحت له كل شىء بإسهاب، وكان متمعناً فى هذه الدراسة.
■ طوال سنوات عملك فى ناسا لماذا لم تذهب فى أى من الرحلات إلى الفضاء؟ وهل راودتك الفكرة؟
- كانت هناك فرصة عندما جاءوا إلينا قبل أول رحلة وقالوا لنا نحن العلماء ممكن نفتح لكم باب الدخول إلى التدريب كرواد فضاء، بشرط قضاء سنتين بالكامل، بعيدا عن العائلة فى التدريب على الطيران فى مطار كاليفورنيا، وقتها كنت متزوجا وعندى بنات، كان لدى اهتمام بالفكرة لكن ضرورة ابتعادى سنتين مع وجود احتمال لأن أصبح رائد فضاء أولا جعلتنى أتراجع، لم يكن المهم عندى الطيران فى الفضاء لكن الاستفادة والتعلم من الفضاء، ورأيت كل تضاريس القمر من خلال عيون الرواد، لكن مثلا هناك اثنان من زملائى الجيولوجيين خاضا التجربة، أحدهما كان غير متزوج وأصبح واحداً من رواد الفضاء، الذين سافروا إلى القمر، لكن الآخر تدرب سنتين لكنه لم يذهب إلى الفضاء الا بعدها بعشرين سنة، مين اللى كان هينتظر عشرين سنة ليطير للفضاء؟.
■ كيف تصف رحلة «أبوللو١١» التى سار فيها الإنسان لأول مرة على سطح القمر كعالم وإنسان، كما عشتها داخل «ناسا»؟
- كلنا فى ناسا كنا مشغولين للغاية، بالتساؤلات حول هل ستهبط السفينة؟ هل ستتحملها تربة القمر؟ ماذا سيحدث للرواد؟ هل سيحدث شىء يخرب السفينة أو الرحلة؟ كان الجميع داخل «ناسا» مشحونين بهذا الشعور، وكنت شخصياً مشحوناً جداً لأنى أعرف الرواد شخصيا إخوة وأصدقاء وزملاء عمل، وأعرف عائلاتهم، وإذا حدث بالرحلة أى عطل فسيتأثرون، لكن فى اللحظات التى قالوا إنهم هبطوا بسلام انتعشت الروح فى «ناسا»، خاصة مع النجاح الباهر الذى حققته الرحلة وأسعدنا جميعا.
■ بعد مرور ما يقرب من نصف قرن على هذه الخطوة.. ما مدى مساهمة هذه الرحلة فى تطور استفادتنا من معرفة طبيعة القمر؟
- فى حقيقة الأمر تعلمنا الكثير عن القمر خلال هذه الفترة، لأن القمر والأرض خلقا فى نفس اللحظة من الزمن، وتكونا من نفس العناصر الكيميائية لكن بنسب مختلفة، القمر كأنه كتلة باردة ولم يحدث فيه تطور غريب منذ ذلك الحين، لكن الأرض استمرت فى التطور وما زالت تتطور حتى يومنا هذا، معنى ذلك أننا يمكن أن ننظر للقمر باعتباره نافذة على تاريخ الأرض القديمة، لأنهما مرا بنفس الظروف الجيولوجية.
■ شاركت عام ١٩٧٥ كرئيس للملاحظة الكونية والتصوير فى مشروع «أبوللو سويوز» المشروع الفضائى الأول بين أمريكا وروسيا، كيف تصف هذا المشروع، وهل كان الهدف منه سياسياً أكثر منه تعاوناً علمياً؟
- رحلة «أبوللو سويوز» كانت أول رحلة فضائية مشتركة بين أمريكا وروسيا، وكان الهدف الحقيقى منها التعاون العلمى بين البلدين، خاصة فى مجال علوم الفضاء، لأنه لو كان هناك سفينة أمريكية وحصل بها عطب ولم يكن هناك الإ سفينة أخرى روسية قريبة منها وتستطيع حمايتها، فلا بد أن يتعاونا، أو حدث بسفينة روسية خلل فيمكن لسفينة أمريكية أن تنقذ ركابها، أما الهدف العلمى فكان التصوير الفضائى وعمل ملاحظات تفيدنا فى دراسة الأرض من الفضاء، أما أهم ما نتج عن هذه الرحلة تعرفنا على الكثير من تضاريس الأرض، خاصة فى الصحراء العربية والصحراء الغربية فى مصر، وكانت هذه التضاريس تشبه إلى حد كبير الصور التى تم التقاطها لكوكب المريخ، معنى ذلك أننا تعرفنا من خلال رحلات «أبوللو سويوز» على أن الصحراء الغربية فى مصر وسطح المريخ مرا بنفس الظروف الجيولوجية، منها أمطار غزيرة كونت أودية وبعض المياه تجمعت فى برك ونزلت تحت الأرض فى شكل مياه جوفية فى مصر وثلج فى المريخ، بعد ذلك تغير المناخ تغييراً كاملاً انتهت الأمطار وجفت المناطق وبدأت الريح تشكل من الأرض، وينتج عن هذا تكوين الكثبان الرملية فى المكانين، ففى الحقيقة المقارنة بين المريخ والصحراء فى مصر كانت أهم نتائج «أبوللو سويوز».
■ هل صحيح أنك أعطيت «نيل أرمسترونج» سورة الفاتحة ليضعها على سطح القمر؟ لماذا؟
- نعم لكن فى رحلة «أبوللو ١٥» وليس رحلة «نيل أرمسترونج»، ففى رحلة «أبوللو ١٥»، حدث الكثير من التغييرات، منها إضافة السيارة القمرية ومعامل علمية فى جدار السفينة إضافة كاميرا بانورامية وكاميرا طبوغرافية، وكنا نخاف أن تتسبب هذه الإضافات فى حدوث خلل للسفينة، وكنا نخاف على هذه الرحلة وإمكانية أن تخرب فأنا أخذت الفكرة وقلت للرواد الثلاثة سأعطيكم سورة الفاتحة من القرآن الكريم لحمايتكم، وقال الرواد وقتها نحن نحتاج كل الحماية التى يمكن أن نأخذها، وأخذت الفاتحة باللغتين العربية والإنجليزية من صفحات مطبوعة فى باكستان، وقبل أن أعطيها لهم أخذت بناتى الأربع وصليت العشاء معهن ودعونا للرواد، وجعلت بناتى يكتبن أسماءهن على هذه الصفحة، باعتبار أنهن سألن الله حماية هذه الرحلة وأخذها الرواد معهم، وسارت الرحلة على ما يرام.
■ عام ١٩٧٨ عملت كمستشار علمى للرئيس السادات، كيف تم اختيارك لهذا المنصب؟ وما المهمات التى كان من المفترض القيام بها؟
- تعرفت على الرئيس السادات عام ١٩٧٤، فبعد الانتهاء من برنامج «أبوللو» قمت برحلة شملت كل دول الخليج العربى لتقديم محاضرات عن النتائج العلمية لرحلات «أبوللو» إلى القمر فى جامعات الخليج، وفى ذلك الوقت لم أكن رجعت على مصر لكننى رجعت من الخليج على أمريكا، وفى يوم من الأيام كلمنى الوزير «إسماعيل فهمى»، وزير خارجية مصر فى واشنطن، وقال إن الرئيس السادات يقول إنك تسافر لتقدم محاضرات فى الخليج عن رحلات القمر، ولم تأت إلى مصر، فقلت إن هذه الرحلة كانت مرتبة بهذا الشكل من جانب وزارة الخارجية الأمريكية، فقال لازم تعمل حسابك تيجى على مصر، وفعلا بدأت الترتيب لزيارة مصر، حيث كان عندى رحلة إلى الدوحة مع زوجتى وبناتى وقلت نذهب لمصر أولا،
وفعلا جئت إلى مصر واستقبلنا فى المطار جمال السادات، ابن الرئيس، وذهب معنا للمنزل وشرب شاى وأكل بسكويت، وقال لى بابا عايز يشوفك بكره الساعة ١١، وفعلا جاءتنى سيارة فى العاشرة صباحاً أخذتنى إلى القناطر، وكان الرئيس المصرى الوحيد الذى قابلته، وكان يقف فى منتصف الغرفة ينتظرنى وسلم بحرارة قائلا: أهلا فاروق، ووضع يده على كتفى وأخذنى لأجلس بجانبه على الكنبة ودار بيننا حوار، قال فى نهايته إنت تقدر تقوم بأبحاث فى مصر مع الناس إللى إنت عايزها وعندما تواجهك أى صعوبات تعالى قابلنى شخصيا لأحلها لك، لقد كانت كلمة عظيمة من رئيس دولة محترم، وخرجت من هذه المقابلة مباشرة إلى جامعة عين شمس، لمقابلة أحد أساتذتى وزميلى وقلت لهما نريد أن نقوم ببحث علمى مشترك على الصحراء الغربية، وأنا سأحضر كل الفلوس الخاصة بالأبحاث ونشترى سيارتين جيب، وفعلا بدأنا مشروعاً علمياً متميزاً استمر لمدة سبع سنوات، وخرجنا بنتائج مهمة كمعرفة أصل الرمال فى الصحراء وأماكن المياه قديماً وأين تجمعت فى بحيرات،
وفى إحدى رحلات الرئيس السادات لأمريكا بعد مقابلتى له بأربع سنوات أثناء محادثات السلام مع إسرائيل قال لى تعال معى أثناء مقابلة الطلاب المصريين الذين يدرسون فى أمريكا وتحدث معهم عن قيامه بخطوة السلام، حتى ننظر للمستقبل ونصلح البلد، وقال أريدكم أن تتعلموا من الأمريكيين كل شىء وتطلعهم الدائم لاستخدام كل شبر فى وطنهم، وأنا وقعت لهذا السبب قراراً جمهورياً بتعيين دكتور فاروق الباز مستشارا علميا للرئاسة، لم أكن أعلم وقتها شيئا عن هذا الأمر، وعندما انتهى جريت خلفه وأمسكت بيده قائلا سيادة الرئيس أنا حاليا أعمل فى الحكومة الأمريكية ولا يصح العمل فى حكومتين فى الوقت نفسه، فرد مالكش دعوة أنا هكتب للرئيس كارتر وفعلا وافقت الحكومة الأمريكية، وكنت كلما سافرت لمصر كنت أزوره لأبلغه بآخر النتائج التى توصلنا إليها وفى أثناء هذه الفترة سافر فى إحدى المرات لمدة أسبوعين معى فى الصحراء الغربية ليتفقد المشروع بنفسه، فى الحقيقة احترمت هذا الأمر فى الرئيس السادات لأنه كان يريد أن يعرف ويسأل ويتعلم حتى يفهم كيف يستخدم هذه النتائج فى دعم الاقتصاد المصرى.
■ هل تعاملت مع مراكز الأبحاث العلمية فى مصر مؤخرا؟
- الوضع العلمى للأبحاث جزء من الوضع الاجتماعى العام، ومراكز الأبحاث جزء من الوطن مش هيكونوا أحسن من شىء آخر، وكلما كان الوضع فى البلد سيئاً ساءت حالة الأبحاث العلمية، يعنى لو كانت مصر زى الفل تبقى الأبحاث زى الفل وإذا كان وضع البلد مش كويس تبقى الأبحاث مش كويسة.
■ قدمت عدداً من الأبحاث حول وجود مياه فى منطقة شرق العوينات.. هل تمت الاستفادة من هذه الأبحاث فى مجال الزراعة والتعمير؟
- منطقة شرق العوينات كان بها بحيرة فى قديم الزمان، وعلى مدار السنوات ذهبت المياه إلى باطن الأرض وكونت مياهاً جوفية وفعلا الآن يوجد أكثر من ٨٠٠ بئر فى هذه المنطقة وحاليا يزرع بها القمح والحمص والفول السودانى، والقمح المزروع هناك يذهب إلى أسوان لصناعة الخبز.
غداً
الباز يتحدث عن زوجته وحق البرادعى فى تعديل الدستور