.التزوير مهمة وطنية
كان للكاتب الأيرلندى الشهير برنارد شو رأى شهير يصرح به كلما سقطت له مسرحية من
مسرحياته على خشبة المسرح، كان «شو» يقول لمن يسأله: لقد نجحت المسرحية وفشل
الجمهور..!
هكذا كان برنارد شو يحيل أسباب الفشل، الذى لحق بإحدى مسرحياته إلى الجمهور الذى
لم يتمتع بالقدر الكافى من الذكاء لإدراك مضمون مسرحيته والهدف الذى كان يرمى إليه
منها، وهو فى الغالب هدف نبيل لجمهور أقل نبلاً!
وإذا سألت الآن أحد الرؤوس المهمة فى الحزب الوطنى عن رأيه فى الانتخابات
البرلمانية الأخيرة، فلن يكون هذا الرأى مختلفاً عن رأى برنارد شو فى مسرحيته
الفاشلة! ارجع إلى كل التصريحات التى أدلى بها هؤلاء أثناء الانتخابات أو بعدها..
فلن تعثر فيها إلا على المعنى الذى قصده برنارد شو بعبارته الشهيرة، فهى انتخابات
ناجحة حتى وإن شابها بعض السلوكيات المخلة التى لا ترقى إلى مستوى الشك فى نزاهتها.
حتى «الخلل» الذى أصابها كان بفعل «الجمهور»، وليس بفعل برنارد شو.. مؤلف المسرحية
أو مخرجها!
وإذا قدر لك أن تدخل فى حوار مع أحد هؤلاء الذين قاموا على أمر المسرحية تأليفاً
أو إخراجاً أو تمثيلاً، فسوف يأخذك إلى منعطفات من «التبرير» تواجهك فى نهايتها
أهداف «المصلحة الوطنية»!
لم يكن فى تزوير الانتخابات إذن- فى رأى هؤلاء الدهاقنة- أى قدر من تهديد
الاستقرار المنشود للوطن، بل على العكس من ذلك كان التزوير محاولة قامت بها جماعة
وطنية مخلصة للوطن لتأكيد الاستقرار، والحيلولة دون زعزعته على أيدى طغمة باغية
تتأبط أجندة تعج بالتخلف والرجعية لسحب الوطن إلى مناطق مليئة بالصراعات تهدد مصيره
بالانقسام والتشرذم.
ولكى يضمن هؤلاء موافقتك على وجهة نظرهم هذه سيعاجلونك- بعد طرحها- بسؤال: هل
توافق على منح هذه الشرذمة المارقة عدداً من المقاعد بمجلس الشعب يحصلون بمقتضاه
على الحصانة التى تسمح لهم بحرية الحركة انطلاقاً إلى الهدم والتخريب وحرث الأرض
وراء المخلصين للوطن؟!
هل توافق على منح هؤلاء قدراً من الشرعية يحتاجونه لتثبيت دعائمهم. وترسيخ
أفكارهم الهدامة، والترويج لكل ما من شأنه تفتيت الوطن، وتشرذم مواطنيه؟! لابد أنك
ستصاب بالحرج من الإجابة بنعم عن مثل هذه الأسئلة، خوفاً من أن تضع وطنيتك محل شك
لدى هؤلاء، وحتى لا يرتابوا فى ولائك ستكتفى بالصمت الذى يضعك فى خانة الموافقة
لديهم، وهذا كل ما يريدونه!، لأنهم سيعتبرون صمتك فى هذه الحالة تقديراً للمصلحة
الوطنية العليا!!
هكذا لم يعد التزوير عاراً يلاحق القائمين به، بل أصبح دليلاً على الوطنية التى
يفاخرون بها، أما الذين يعتبرونه عاراً، فيكفى أن نواجههم بعدد من الأسئلة، التى
تضمن السكوت حتى وإن لم تضمن الموافقة!
لم يعد التزوير سوى مهمة وطنية، من أجل الوصول إلى المصلحة العامة التى هى جل
المراد من رب العباد، وعلى الذين لا يشاركوننا هذا الرأى فيها، أن يتنحوا جانباً
ليتركونا نعمل لتحقيقها فى هدوء ودون عراقيل، وإلا واجهناهم بما لدينا من وسائل
المواجهة، وبنفس المبررات والدوافع التى نواجه بها كل من يقف فى سبيل المصلحة
العامة، والمهمة الوطنية التى أخذنا على عاتقنا مسؤولية القيام بها!
خذوا عندكم دليلاً على أن ما نقوم به هو من أعمال الوطنية الصميمة، وإن ما يطالب
به هؤلاء يتنافى مع كل المشاعر الوطنية والولاء للوطن.. ولعل أكبر دليل على ذلك هو
اتفاق هؤلاء المارقين مع التوجهات الأمريكية والأوروبية فى إجراء انتخابات برلمانية
شفافة ونزيهة وفقاً للمعايير الدولية، التى تضمنها رقابة محلية ودولية صارمة،
بينما نرفض نحن ذلك لما فيه من مساس بالسيادة الوطنية، وانتهاك لكرامتنا،
وتشكيك فى نوايانا الوطنية الخالصة، ألسنا قادرين على أداء مهمتنا الوطنية دون
مساعدة أو شهادة من أحد على إخلاصنا للوطن، خاصة إذا كان هذا الأحد هو أمريكا
وأوروبا اللتان لا تضمران لنا الخير والمصلحة، وتمداننا بالمعونات لتشجعانا على
التكاسل والخمول وفقدان الهمة!
دعوكم من هذا الجمهور الجاهل.. ودعونا نؤلف مسرحيات وطنية بمزاج!!