.هل كان بوش مريضاً نفسياً؟[size=21]
فى أعقاب اجتماعها مع رئيسة الأرجنتين كريستينا كيرشنر، سألت وزيرة الخارجية
الأمريكية هيلارى كلينتون، وفق إحدى وثائق ويكيليكس، عما إذا كانت الرئيسة
الأرجنتينية بكامل قواها العقلية؟ أو عما إذا كانت تحت تأثير علاج لذلك! وفى أثناء
الحرب الأمريكية على العراق، وفى محاولة للاغتيال المعنوى، قامت كثير من وسائل
الإعلام الأمريكية بتحليل القوى العقلية والنفسية للرئيس السابق صدام حسين.. وأشارت
كلها إلى ما كان يعانيه، وفق زعمها، من اضطرابات نفسية وعصبية، بل وعقلية.. وأشارت
إلى أنه «مجنون» تماماً مثل الزعيم النازى «هتلر»!!
ولعلَّ هذا الهوس الأمريكى بتحليل القوى العقلية والنفسية لقادة وزعماء الدول
الأخرى يجعلنا نطبق المعايير نفسها على قادتهم، ونسأل: هل كان الرئيس السابق جورج
بوش(الابن) بكامل قواه العقلية والنفسية حين تولى رئاسة البلاد (٢٠٠٠/٢٠٠٨)؟ وهل
كان «طبيعياً» حين اتخذ القرارات المصيرية أثناء فترة حكمه؟!
بعد قراءة كتابه الذى صدر منتصف شهر نوفمبر الماضى، والذى بلغ عدد صفحاته ٤٩٧
صفحة من القطع المتوسط، وقسمه إلى أربعة عشر فصلاً، خصص كلاً منها لعرض قضية من
القضايا أو نقطة من النقاط المحورية التى اتخذ فيها قراراً مهماً.. وبعيداً عن
تحليل الجوانب السياسية والاستراتيجية التى حاول أن يغطيها فى كتابه، شارحاً
لسياساته ومدافعاً عن قراراته.. بعيداً عن هذا كله، أكاد أزعم، ومتروك للمتخصصين فى
الطب النفسى والعقلى القول الفصل، أن الرئيس الأمريكى كان يعانى، بشكل أو بآخر، من
مرض نفسى، أو مرض عقلى، أو من كليهما معاً!!
يحكى الرئيس الأمريكى السابق، فى الفصل الأول من الكتاب، عن قصة إدمانه شرب
الخمر، وعن ولعه بالسكر.. ويصف نفسه بأنه «شخصية طقوسية»، ومن الصعب عليه أن يترك
عادة تعود عليها ومنها شرب الخمر حتى السكر.. ويشير إلى أنه، خاصة فى ليلتى الخميس
والجمعة، كان يشرب كل ما يستطيعه، لدرجة أنه سماهما ليلتى الشرب.. ويشير إلى أنه لم
يكن ليستطيع أن يشرب وحيداً، فهو «سكير اجتماعى» على حد تعبيره.. وأنه بالإضافة إلى
ذلك، جرب أنواعاً مختلفة من الكيف.. فقد كان مدمناً للسجائر، ثم تركها واتجه إلى
«النشوق» Long Leaf Tobacco، ثم استقر به المقام مع السيجار.. واعتبر جورج بوش، أن
قراره بالتوقف عن السكر والتدخين من أهم قراراته.. وإن عزا ذلك إلى إيمانه العميق
وتدينه! وعلى حد تعبيره «لم أكن لأستطيع التوقف عن الشرب والسكر لو لم يكن لدى
إيمان عميق، ولو لم يكن لدى إيمان عميق لما فكرت فى التوقف ولما قدرت عليه»!، «أؤمن
بأن الله فتح عينى التى كانت مغلقة بسبب إدمان الخمر والسكر»!!
وفى موضع آخر من الكتاب، أشار جورج بوش إلى أنه كانت تصدر منه أحياناً تصرفات لا
يستطيع تبريرها، وكانت تسبب له وللآخرين حرجاً بالغاً.. وأنه حاول أكثر من مرة
التحكم فى هذه التصرفات والتقليل منها ولكنه فشل.. ومن ذلك، على سبيل المثال، يشير
جورج بوش إلى أنه وفى ليلة من ليالى الصيف الجميلة دعا بعض الأصدقاء، فى حضور والده
ووالدته، إلى عشاء فاخر.. وكان من بين الحضور صديقة لأمه، ولكنها كانت شديدة
الجمال.. وفى أثناء تناول العشاء، التفت بوش إلى المرأة وسألها باهتمام وبصوت عال
«فى اعتقادك، كيف يكون «الجنس» بعد الخمسين؟».. ويشير بوش إلى أن حالة من الصدمة
والاندهاش وعدم التصديق قد عمت المكان، ولم يجد تفسيراً لسؤاله هذا!!، والغريب، على
حد قوله، أنه عندما بلغ الخمسين، وكان وقتها حاكماً لولاية تكساس، أرسلت له هذه
السيدة رسالة على عنوانه فى مقر الولاية، وسألته فيها «حسناً يا جورج.. ماذا وجدته
بعد أن صرت فى الخمسين؟»!!!
ويحكى جورج بوش فى موضع آخر من الكتاب، وبتفصيل كبير، عن قصة حرمانه الطويل من
الإنجاب، وبزياراته المتكررة إلى الأطباء فى أنحاء الولايات المتحدة للبحث عن
علاج.. وأنه بعد أن يئس تماماً، هو وزوجته لورا، قررا تبنى أحد الأطفال.. وأقنع
نفسه وزوجته بأن ذلك هو الحل الأفضل.. وأخذا فى البحث عن طفل.. غير أنه وفى الأسبوع
الذى استقر فيه الزوجان على ذلك، اكتشفت زوجته أنها حامل فى توأم.. ويشير إلى أنها
وجدت مصاعب جمة فى هذا الحمل، وكانت مهددة بين حين وآخر بفقدانه، وهو ما جعله لفترة
طويلة لا يصدق أنه أصبح أباً، ولطفلتين، وقلقاً على ابنتيه «جينا وبربارا» بشكل
مبالغ فيه!!
ويشير جورج بوش، فى معرض حديثه عن قراره بالترشح للرئاسة، إلى أنه «لم يخطر
ببالى فى يوم من الأيام أن أترشح للرئاسة، ولم أخطط لذلك.. ولو خططت أو نويت ذلك،
لما قمت بكثير من التصرفات التى قمت بها فى حياتى».. «لم أعتبر يوماً من الأيام أن
السياسة مهنة».. وعلى الرغم من ذلك، فقد صمم على أن يرشح نفسه، لأنه كان يعتقد «أن
شيئاً ما أقوى منى يجذبنى نحو الترشح»!!.. يشير بوش الابن إلى أنه استشار أباه فى
مسألة الترشح ولكنه لم يجد التشجيع الكافى «عندما أخبرت أبى وأمى برغبتى فى الترشح
فوجئا تماماً، لكنهما لم يرغبا فى أن يحبطانى».. وعندما أخبر ابنتيه جينا وبربارا
عن عزمه قالتا له «نرجوك لا تفعل.. ستخسر حتماً يا أبى.. أنت لست جذاباً Cool كما
تظن فى نفسك، لماذا تريد أن تحطم حياتنا؟!!» وعندما سأل بعض أصدقائه عن احتمالات
فوزه مقارنة بالآخرين قيل له إنها «صعبة».. وكانت أمه تقول له «جورج.. لن تنجح»..
ورغم ذلك صمم على الترشح.. والغريب أنه فاز فى المرتين!!
وفى كل أجزاء الكتاب، يصف جورج بوش نفسه بأنه متدين.. وفى ذكره لبرنامجه اليومى،
أشار إلى أنه يبدأ برنامجه اليومى بالقراءة فى «الإنجيل»، وبالدعاء.. ويشير إلى أنه
كان يبحث فيمن يختارهم للعمل معه عن سمات محددة هى «الفضيلة، الكمال، عدم
الأنانية».. ويشير فى هذا إلى أن الله منحه هبة كبيرة وهى «لدى قدرة هائلة على
قراءة الناس» وعلى معرفة شخصياتهم بسرعة.. وهو يذكر فى ذلك مقولة للمرأة الحديدية
مارجريت ثاتشر «إننى أنظر للرجل أمامى، وأعمل فكرى فيه لمدة عشر ثوان، والحكم الذى
أصدره خلال هذه الثوانى لا يتغير بعدها أبداً، لأنه فى الغالب يكون صحيحاً»!!
وفى إحدى المناظرات الرئاسية فى ديسمبر ١٩٩٩، طلب مدير المناظرة من المتسابقين
أن يحدد كل منهم اسم الفيلسوف أو المفكر السياسى الذى ارتبط به وتوحد معه.. ويشير
بوش إلى أنه فكر فى «ميل» أو «لوك» أو «لينكولن».. ولكنه عندما جاء عليه الدور فى
الإجابة وجد لسانه ينطق دون تفكير «إنه المسيح، لأنه غير قلبى وطهره»!! وهو ما أثار
تعجب الحاضرين.
وعلى الرغم من كثرة الإخفاقات التى مُنِى بها ومنيت بها الولايات المتحدة أثناء
فترتى حكمه، يثق جورج بوش فى أن التاريخ سينصفه وذلك بعد أن «تهدأ العواطف، وتتضح
النتائج الحقيقية للأحداث، ويقيم الخبراء البدائل المختلفة لكل قرار».. فبعد «عقود
من الآن، آمل أن ينظر لى الناس كرئيس تعرف على التحديات الحقيقية لعصره، وحافظ على
بلاده آمنة، واستخدم نفوذ بلاده وقوة تأثيرها فى نشر الحرية، وصان كرامة وشرف
الوظيفة التى كان جديراً بها»!!
ألم أقل لكم إن الأمر يحتاج إلى متخصصين فى الطب النفسى والعقلى للحكم على صحة
الرجل! شفاه الله وعافاه![/size]