.
الفقر فى الوطن غربة، والغنى فى الغربة وطن.. هذه حكمة للإمام على، رضى الله
عنه، ستظل نبراسا لكل المتشدقين بمقولة «تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها»، ولا يسألون:
ماذا لو كان لدى هذه «الحرة» أطفال يتضورون جوعا أو يصرخون ألماً.. ماذا تفعل لو
وجدت نفسها فى العراء وكلاب السكك تنهش فيها.. ماذا تفعل لو تحول «الجوع الكافر»
إلى قبر كبير؟
وإذا كان الفقر «المدقع» يشعرك بالغربة فى بلادك، فهل الغنى «الفاحش» يؤدى إلى
الانتماء، بالتأكيد النتيجة ستكون واحدة، خصوصا إذا كان الغنى «الفاحش» سببا فى
الفقر «المدقع».. هذا يدفعنا لأن نسأل: لماذا تحب وطنك.. هل لأنك ولدت فيه، ولك فيه
أهل وأصدقاء وذكريات.. وماذا تعنى كلمة وطن.. وكيف ينتمى الإنسان لوطنه.. وهل
الانتماء للوطن شىء والانتماء للعقيدة شىء آخر.. هل يمكن أن تحب بلادك وحكامها
يهينونك، وتجوع ليشبع قادة بلادك، وتسكن فى العراء أو فى المقابر أو تحت الأرض
ليتطاول رجال الحزب الحاكم فى البنيان.. هل يمكن أن تدافع عن بلادك وأنت ترى أباك
وأمك يصرخان مرة من الجوع، ومرات من الألم لأن الدواء للأغنياء وحدهم.. هل حين تدخل
قسم الشرطة أو دار عدالة شاكيا تخرج وأنت محتفظ بكرامتك، أم ترى أن كل ما لديك من
إنسانية بعثر على الأرض تحت أقدام السادة لأنك من الشعب «عبيد إحسان السلطة»؟!
الولاء ببساطة يقوم على «العقد» المبرم بين الدولة والمواطن، فالمواطنة لدى
علماء الاجتماع «علاقة اجتماعية تقوم بين الأفراد والمجتمع السياسى (الدولة)، حيث
تقدم الدولة الحماية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للشعب، وفقا لقانون عادل
ودستور يساوى بين الأفراد جميعهم، وبالتالى يلتزم الأفراد بتقديم الولاء كاملا
للدولة طالما كانت حامية وحافظة لحقوقهم».
وهذه بعض الأسئلة التى يمكن أن تعرفك معنى الانتماء:
ماذا تفعل حين تجتهد فى الجامعة وتتفوق، وتتقدم لوظيفة يأخذها زميل آخر أقل منك
كفاءة؟
كيف تضبط أعصابك حين تكون الأول فى كليتك ويعين غيرك معيدا، لأن الأمن يعترض
عليك؟
ماذا سيدور برأسك حين تسمع بيانات الحزب الوطنى عن فرص العمل الكثيرة
المتوافرة؟
كيف يكون شعورك حين تمر أمام المنتجعات المسورة والمحمية بحراس وكلاب؟
ماذا أنت فاعل إذا أدميت قدماك من البحث عن فرصة عمل أقل بكثير من مؤهلاتك، ومع
ذلك لا تستطيع الحصول عليها؟
بماذا تشعر حين يستوقفك شرطى ويفتشك بطريقة مهينة وربما يحتجزك، لا لشىء إلا
لأنه أراد أن يتسلى؟
كيف يكون حالك حين تدخل قسم شرطة شاكياً وتخرج متهماً؟
كيف تتصرف حين يغرمك رجل مرور، لأنك لم تربط حزام الأمان فى شوارع لا تتحرك
بينما يمر إلى جوارك آخر سيارته دون لوحات وزجاجها أسود ويضرب له شرطى المرور تعظيم
سلام؟
كيف تنتمى، وأنت لا تجد ثمن العلاج لأبيك أو أمك أو أطفالك؟
الآن نحن فى حاجة حتمية لتجديد مفهوم الانتماء فى ظل تغيرات كثيرة جعلت من يبيع
قطعة من جسده ليعيش بضعة شهور، يبيع وطنه ليعيش بضع سنوات..