وهكذا أصبح السلام وسادة يتكئ عليها كل ذى عاهة.. وهكذا أصبح السلام حضناً
مفتوحاً وأرضاً خصبة للموساد، ولا يبذل رجاله جهداً فى محاولة اقتحام الحياة
المصرية.. فكل شىء جاهز.. الفقر المدقع الذى يكسر نفس الشرفاء وسهولة التواجد فى كل
مكان، فكل الطرق توصل إلى قدس أقداس المصريين.
طارق اكتشف وغيره كثيرون وكثيرات لم يكتشفوا، ولعلكم تذكرون طالبات وطلبة
الجامعة الذين اجتمع بهم السفير الإسرائيلى وأغراهم بزيارة إسرائيل.. وكانت هناك
فتاة - بالمصادفة البحتة - تكره إسرائيل فكشفت اللعبة!! ونشرت الحكاية فى «المصرى
اليوم».
ولكن ليس السلام هو الشماعة الوحيدة، ولكن المسائل مرتبة وممهدة أكثر من ذلك..
حقيقى أن السلام وسادة لكنه ليس حجرة النوم كلها، لأن التركيز على التطبيع والسلام
أخرجنا من القضية الأصلية، وهى هوان الشخصية المصرية وضغوط الشخصية المصرية. بكل
هذه البساطة وبلا جدال هناك مئات مثل طارق لم يكتشفوا بعد.. طارق كان سيئ الحظ ووقع
تحت أعين المخابرات المصرية المفتوحة، فضربت ضربتها وكشفت الموساد!!
ولكننا لابد أن ننظر إلى خريطة إسرائيل الكبرى الموجودة داخل الكنيست، وبالضرورة
فى كل المستوطنات وفى مدارس الأطفال والكبار (إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل)،
والخريطة بدأ تفعيلها منذ بوش الأب، وصولاً إلى بوش الابن الذى ضرب العراق ثم
اعترف، بصلف وكبرياء، بأنه لم يكن هناك سلاح دمار شامل!! كانت المهمة تحقيق اسم
الدولة العبرية من الفرات إلى النيل، فكان الفرات أقرب إلى الضرب، خاصة أنه أقنع
العرب بأن وجود دولة قوية نامية وديكتاتور مثل صدام حسين يهددهم، لكن ترسانات
السلاح الموجودة فى أراضيهم التى ضربت منها العراق لا تهددهم!! ووجودها حتى الآن
يهدد المنطقة كلها ليحقق لإسرائيل أحلامها التوسعية وليحقق الخريطة من الفرات إلى
النيل..
ولأن النيل صعب المنال، فكان لابد من تخريب الشخصية المصرية حتى تضعف، فيضعف
النيل.. ولو نظرنا لما يحدث فى مصر من احتقان قبطى ثم احتقان نوبى، وعلى أساس هذا
الاحتقان ترسم المخططات، لأن خريطة إسرائيل الكبرى تصل إلى الدلتا، ثم تنزل إلى
إسنا، ثم تصعد وتدخل السعودية لتقترب من المدينة المنورة، حيث يهود خيبر حلم الدولة
العبرية، وتصعد إلى الفرات، أما باقى مصر وحتى السلوم، فهو مصر القبطية.. ومن إسنا
إلى السودان بلاد النوبة.. هذه هى الأحلام وهذه هى الخريطة.
إن مسألة الجاسوسية وسقوط المصريين الذين أصبح لهم جالية فى تل أبيب، ويعلن رئيس
الجالية أنه لم يزر مصر منذ ثلاثة عشر عاماً، ويعلن أنه لا خوف من الموجودين فى
إسرائيل، ولكن الخوف من الموجودين فى مصر - مقولة معقولة جداً لرجل ينظر للأمور
بمنظار التواجد فى قلب دولة يفهمها جيداً.
ولكن رغم هوان الشباب وسقوطهم بسهولة فإن لدينا نموذجاً مازال يحمل العنصر
المصرى الشريف العفيف، إنها الأم الفقيرة لطارق، التى تعيش فى حجرة لا تزيد على
خمسة أمتار مربعة، ولا تجد قوتها إلا بالكاد، ولم تلوث يديها نقود ابنها! إن اختراق
المصريين، خاصة الشباب، أصبح سهلاً، ولدينا الملايين مثل طارق الذين ماتت أحلامهم
وتخرجوا فى الجامعات، وأصبحوا إما يعملون أى عمل لا يمت لدراساتهم بصلة، أو يموتون
فى البحر طمعاً فى عمل بهروب غير شرعى.
«هل أصبحت مصر قوة طاردة لأبنائها؟»، و الان أصبح
العنوان «إن مصر أصبحت مرتعاً للفقر وسقوط القيم»، وبعد أن كانت مصر هبة المصريين
أصبحت خارج وجدان المصريين.
ولأن إسرائيل تعلم جيداً بتنامى ضلوعها فى اختراق مصر، فإن السيد بيجال بلمور،
المتحدث الرسمى باسم الخارجية الإسرائيلية، طلع علينا بأسلوب ملتو كأخلاقياتهم، طلع
علينا ببيان مسطح ملتو كاذب فيه امتداد لأكاذيبهم التى نجحت فى بناء دولة يقول
بيانه بأن الخارجية الإسرائيلية لا توجد لديها أى معلومات عن هذا الموضوع، وإنها
تنتظر الحصول على معلومات من مصر.. يا سلام المعلومات من مصر لتضىء الضوء الأخضر
للموساد!! ويواصل السيد بيجال بلمور ببجاحة تليق بهم فى تصريح نشرته جريدة (يديعوت
أحرونوت) مؤكداً أن القضية بسيطة ولا يمكن أن تؤثر فى العلاقات بين البلدين.
ولكن كيف يعلن السيد بيجال بلمور أو الخارجية الإسرائيلية أن هذا الحادث بسيط،
ولن يؤثر على العلاقات؟!.. إن إسرائيل تعلن ذلك ببجاحتها ووضعها السياسى القوى، وأن
اختراق مصر لن يعطى مصر الحق فى التراجع عن المعاهدة.. والسيد بيجال لا يعلم أن
العلاقة من سيئ إلى أسوأ، فكم من مرة أعلن وزراء فى إسرائيل منذ وزارة باراك
الأولى، ونتنياهو الأولى، أنه بوسعهم ضرب القاهرة بعد ساعة والسد العالى بعد ثلاث
ساعات، وإغراق مصر فى ٨ ساعات.. يغرق البشر والزرع والضرع وتصل مصر للبحر
الأبيض!
رحم الله الكاتب الواعى الكبير سعد الدين وهبة، الذى كتب فى «الأهرام» منذ أكثر
من خمسة عشر عاماً أن إسرائيل تمتلك صاروخين باسم «أريحا ١» و«أريحا ٢»، الأول يصل
القاهرة بعد ساعة من انطلاقه من قاعدته فى مكان ما، والثانى يصل للسد العالى بعد
ثلاث ساعات.. ومات سعد الدين وهبة، وأصبحت الصواريخ غير ذات بال، فالصواريخ أصبحت
فينا تنطلق وتدمر الشخصية المصرية، وأصبحت الطعنة من الداخل!! إن أكبر خطة تقوم بها
إسرائيل هى ما قامت به فى العشرينيات من القرن الماضى فى فلسطين.. لقد تملكت
الأراضى.. وها هى تتملك الآن ومنذ أكثر من عشرين عاماً فى سيناء وفى أماكن من أنحاء
مصر، وتتملك تحت أسماء مختلفة.. طارق ليس هو المسألة.. ولكن المسألة خريطة إسرائيل
الكبرى، وليتنا ندرّسها لأطفالنا فى المدارس![/size]