معركة زاما
الحرب البيونية الثانية-202ق.م
كشفت معركة زاما عن أقوى دولتين في ذالك الزمن وعن أعظم قائدين عسكريين في زمانهما. فقد واجه الرومان بقيادة ببليوس سيبيو القرطاجيين بقيادة هانيبال بركا. وفي نهاية المعركة سيطرت روما على غرب البحر المتوسط وأسست ما أصبح يعرف بأقوى إمبراطورية في ذالك العصر.
في القرن الثالث ق.م, ظهرت روما وقرطاجة كاقوى قوتين عسكريتين في غرب البحر المتوسط . وقد تقاتل الخصمان لمدة ثلاث وعشرين سنة من أجل السيطرة عل جزيرة صقلية. وبعدها في 231 ق.م هزمت البحرية الرومانية القرطاجيين في معركة الجزر الإيجية, وأنتهت ما أصبح يعرف بالحرب البيونية الأولى.
أمن انتصار روما على البحرية القرطاجية, السيطرة لها على البحر. ولم يؤثر هذا النصر على القوة البرية القرطاجية, وبعد عشرين عاما. قاد هانيبال جيشه نحو إسبانيا. وفي غضون سنتين, أخضع كل البلاد. وفي 218 ق.م اعلنت روما الحرب على قرطاجة. وابتدات بذالك الحرب البيونية الثانية. رد هانيبال بالزحف على إطاليا ب 50000 رجل وأربعين فيلا. ورغم خسارته للكثير من رجاله وحيواناته, نجح في عبور جبال الألب ومقاومة غارات القبائل الجبلية والعوامل الجوية القاسية.
وفي السنوات الست عشر اللاحقة, قاتل الرومان وهو يتقدم جنوبا باتجاه روما. لم يمنعه من الاستيلاء على العاصمة الرومانية سوى نقص التعزيزات ومعدات الحصار. وفي 207 ق.م أمر شقيقه هسدروبال, الذي يقود الجيش القرطاجي في إسبانيا الانضمام إليه في حملته العسكرية الأخيرة. اكتشف الرومان طريق تقدم هستروبال,فكمنوا له واشتبكوا معه في معركة ميتيرس. أعلنت روما نصرها لهانيبال بإلقائها رأس شقيقه داخل معسكرها. ورغم خسارته لشقيقه ونقص تعزيزاته , واصل هانيبال عملياته العسكرية في شمال اطاليا.
وفي 205 ق.م , تولى سيبيو قيادة الفيالق الرومانية , وقرر أن أفضل طريقة لإزاحة هانيبال عن الأراضي الرومانية هي بنقل الحرب إلى قرطاجة نفسها. هزم بسرعة الجيش القرطاجي المتبقي في إسبانيا, ثم أبحر نحو شمال أفريقيا. حقق عدة انتصارات بالقرب من قرطاجة العاصمة. وبعد أن سمع هانيبال بانتصارات سيبيو بالقرب من مدينته, أبحر عائدا إليها والدفاع عن بلاده.
حلب هانيبال معه 12000 وجند بسرعة 25000 رجل من المشاة والفرسان. كما جلب أيضا ثمانين فيلا. حشد سيبيو من خلال التعزيزات القادمة من بلاده وتجنيده لرجال القبائل المحلية المناوئة لقرطاجة 30000 رجل مشاة و 9000 فارس. وفي ت 2022 ق.م التقى أقوى جيشين غرب المتوسط يقودهما أقوى قائدين عسكريين نفوذا في عصرهما, في منطقة زاما, التي تبعد حوالي خمسة أميال جنوب غرب قرطاجة.
قسم سيبيو مشاته إلى ثلاثة صفوف متوازية, ووضع قليلي الخبرة في المقدمة, والمحاربين المحنكين في المؤخرة. ووقف الفرسان على الجناحين. أحرى القائد الروماني تعديلا واحدا على هذا التشكيل, فترك مسافة فاصلة تمتد من 10-20 مترا بين كل سرية مؤلفة من 120 رجلا وأخرى. نظم هانيبال جيشه بطريقة مماثلة, ولكن دون فواصل, ووضع صفا من الفيلة في مقدمة مشاته.
عندما بدأت فيلة هانيبال بالتقدم, نفخ الرومان أبواقا وضربوا بسيوفهم على تروسهم, وخلقو ضجة كبرى بأقصى ما يستطيعون. جفلت الفيلة. اتجه بعضها نحو الفواصل المتروكة بقصد في الصفوف الأمامية الرومانية, وهربت الأخرى إلى الخلف أو نحو الجناحين. قام الفرسان الرومان بهجوم مقابل على الخيالة القرطاجيين, وردوهم إلى الوراء. ورغم فشل فيلته وتهقر فرسانه, تقدم جيش هانيبال. وما إن اخترق القرطاجيون خط الدفاع الأول للرومانيين حتى انقض الفرسان الرومان عليهم من الخلف. أتاحت هذه المناورة لصفي سيبيو الثاني والثالث إحكام تطويق مشاة هانيبال.
وفي نهاية اليوم, خر قرابة نصف الجيش القرطاجي صرعى على حقول زاما. وأسر الرومان أكثر من ذالك. فر هانيبال وقلة من رجاله. بلغت خسائر روما حوالي 1500 رجل.
تحرك بعدها سيبيو نحو مدينة قرطاجة,ورغم نقص معدات الحصار, كان باستطاعته تدمير المدينة فضل بدلا من ذالك منح أهلها سلما كريما,حفظ قرطاجة وسمح لهانيبال بالعودة واستلام القيادة فيها. لكن هانيبال ظل يتآمر على روما. وفي الآخر, تم نفيه إلى سوريا. وهناك إنضم إلى جماعة أخرى مناوئة لروما. وأخيرا اختار الإنتحار بدل الأسر في 183 ق.م.
استمر السلام بين روما وقرطاجة مدة خمسين عام, قبل أن يستل القرطاجيون سيوفهم مرة أخرى. لم تستمر الحرب البيونية الثالثة طويلا, ولم تحصل حرب رابعة. فبعد حصارلمدة أربعة أعوام, سقطت قرطاجة بيد روما في 146 ق.م. وقتل الجيش الروماني كل رجال المدينة وباع النساء والأطفال في سوق الرقيق, ومحقوا المدينة. وبذالك انتهى وجود مدينة اسمها قرطاجة.
لقد جعل نصر زاما من روما أقوى قوة عسكرية غرب البحر المتوسط. وامتدت سيطرتها على كل شبه الجزيرة الإيطالية وصقلية وكورسيكا وسردينيا وإسبانيا. ومع هزيمة قرطاجة, استطاعت روما توجيه قواتها العسكرية نحو الشرق لتهزم الإغريق. ورغم أن الأمر قد أخذ فترة قرن ونصف قبل أن تظهر الإمبراطورية الرومانية, إلا أن بذورها قد زرعت في سهول زاما. تقاعد بعدها سيبيو ومنح لفب ..الأفريقي.. أو أفريكانوس, ونال شهرة أقوى قائد عسكري في زمنه.
رغم أنه من الصعب على قرطاجة ان تستطيع هزيمة واحتلال روما وذالك بسبب نقص في الموارد والإرادة ولكن لو كانت قد انتصرت في زاما لبقيت تشكل تهديدا كبيرا يحول دون فتوحات روما المستقبلية ومن تطورها كإمبراطورية. وبدلا من ذالك, قضت هزيمة قرطاجة على أية قوة محتملة في شمال أفريقيا. والواقع انه منذ عصر هانيبال, لم تستطيع أية جماعة أو دولة في شمال أفريقيا تحشيد قوة عسكرية قادرة على شن عمليات عسكرية مؤثرة خارج حدود أراضيها.