مجزرة صبرا وشاتيلا...أيام لا تنسى
قبل غروب شمس الخميس السادس عشر من أيلول عام 1982،كان أهالي مخيمي صبرا وشاتيلا ، على موعد بدء واحد من أبشع مجازر التاريخ الإنساني، أهالي المخيم بالكاد كانوا يفرغون من تضمد جراحهم الناجمة عن الاجتياح الإسرائيلي على لبنان، حيث تعرض المخيمين لقصف متواصل خلف دمار هائل وضحايا لا تحصي في الأرواح طيلة ثمانية وثمانون من الحرب والحصار لبيروت ومخيماتها، لكن في ذلك الخميس الأغبر ومع ساعات المساء تقدمت جحافل القوات الغازية التي كانت قد دخلت العاصمة بيروت بعد أن غادرها المدافعون عنها أواخر شهر آب بموجب اتفاق فيليب حبيب القاضي بانسحاب المقاتلون مقابل التعهد بحماية المخيمات وأهلها وعدم دخول جيش الاحتلال الإسرائيلي بيروت مع نشر قوات متعددة جنسيات لضمان ذلك، ولكن هذه القوات أخلت بتعهدها وانسحبت من بيروت فجأة، و إسرائيل كعادتها ضربت بعرض الحائط كل التعهدات فتقدمت دباباتها تحميها الطائرات نحو العاصمة بيروت أيام الثالث عشر والرابع عشر من بيروت، ونشرت عشرات الدبابات على أطراف مخيمي صبرا وشاتيلا، ومع حلول الساعة الرابعة مساء الرابع عشر من أيلول ودوي انفجار في بيت الكتائب ومقتل بشير الجميل الرئيس اللبناني الذي جاء على ظهور الدبابات الإسرائيلية أحكمت هذه القوات حصارها على المخيمين ومنعت الخروج منها، وما أن بدأ ظلام السادس عشر من أيلول يخيم على المكان حتى بدأ مئات العناصر الانعزالية والجنود الإسرائيليين التقدم عبر أزقة الجنوب الغربي للمخيم ومن الأزقة المقابلة لمستشفى عكا في منطقة الحرش جنوب مخيم شاتيلا، وعلى مدار أيام ثلاث بلياليها ارتكبوا مجزرة يعجز اللسان عن وصفها، بقروا بطون الحوامل، قطعوا أوصال الأطفال ، نكلوا بجثث الناس أحياء وأموات ، فتيات بعمر الورد كبلوهن بالسلاسل قبل أن يغتصبوهن بوحشية يقطعون أجسادهن بعد الاغتصاب ، أكوام من البشر تحولت إلى جثث على باب ملجأ آل مقداد في حي فرحات، وعشرات الرجال والأطفال والنساء اختلطت لحومهم بطوب المنازل المهدمة بعد أن داستها جنازير الجرافات الإسرائيلية ، أسر بكاملة أبيدت وأدمغة الأطفال تطايرت على الجدران في منزل آل سرور على مدخل المخيم ، بركة من الدماء تتحرك فيها أطراف طفل في منزل آل المغربي خلف دكان الدوخي، ورجل عجوز فاقد ساقه تربط جثته بعد قتله بحمار. عشرات الجثث تتكوم في الأزقة على مداخل المنازل، خناجر وبلطات وسواطير كانت أدوات الجريمة ملقاة فوق الجثث، وسادية لا يعرفها بشر ميزت القتلة الذين شربوا الخمر على وقع جريمتهم المحفورة في الذاكرة، في الأيام الثلاثة تلك قلة من الشباب تزيد عن عدد أصابع اليدين تنقلوا كالأسود من زقاق إلى زقاق يحاولون رغم قلة الإمكانية التصدي للقتلة وينجحون في وقف تقدمهم على محور الوحش الكلية الحربية وينجح هؤلاء الشباب الرجال تحت أزيز الرصاص بالقفز من بيت إلى بيت يحملون بنادقهم في أيديهم في إنقاذ الآلاف الأسر من وسط المخيم وشماله ويخرجونهم بأمان إلى مستشفى غزة ومنها إلى وسط بيروت. إنها أيام محفورة في الذاكرة لمجزرة رهيبة تعرض لها أبناء شعبنا الفلسطيني في مخيمي صبرا وشاتيلا ارتكبتها القوى الانعزالية بدعم ومشاركة مباشرة من قوات الاحتلال الإسرائيلي بقيادة الإرهابي شارون وذهب ضحيتها ،3500 فلسطيني لبناني بريء كلهم من النساء والأطفال والشيوخ إنها مجزرة العصر صبرا وشاتيلا التي لا تنسى ولا بد لمرتكبيها من أن ينالوا العقاب.