لعبة الألوان
عَشِقَ الألوان .. فكانت هي لعبته المفضلة منذ الطفولة .. يرسم أحلامه علي أي سطح مستو أمامه .. حتى كبر وكبرت معه الأحلام وزادت عدد اللوحات في مرسمه ..وقف أمام المرآة .. يجد صورته ثابتة .. يساوى شعره الأشعث.. يبتسم ابتسامة ساخرة .. يرتدى ملابسه ليستمتع بميلاد يوم جديد .. تلطمه لسعات الفجر فتضرب خديه وأنفه .. يفتح فمه ليبتلع النسمات الباردة .. يراقب الألوان وهي تتفجر مع ولادة اليوم .. فيرى السحابات تصنع أشكالا رائعة .. يود أن ينقلها علي لوحته .. يقفز في الهواء ليخطفها .. ويهبط خالي الوفاض.. يقرر أن يذهب إلي عمله مشياً علي الأقدام ليستمتع باللوحات الكونية وهي في حالة تغير مستمر .. ينفذ شعاع ذهبي من بين الضبابات الرصاصية والفضية .. يري دفقات من الندى تترك الضباب وحيدا لتسقط علي أوراق الشجر الخضراء وتبلل خدود الزهور فتجعلها تبتسم له .. وأوراق صفراء تتساقط أمامه علي الأرض السوداء ..
يوقظه هذا المشهد الذي يجمع ما بين الحياة والموت في لحظة واحدة..
الأيام تتشابه .. تململ رافضا تكرار أيامه .. قرر أن يغير حياته بأن يضيف إليها من تؤنس وحدته .. وتصبح لونا جديدا مرسوما في قلبه .. لفها حول إصبعه خاتما من الفضة .. نسج الكثير من الأحلام .. أقترب من أميرة غده .. صدته بدعوى العفاف.. لأنها ليست زوجته بعد.. حاول أن يجعلها زوجته فأتم مراسم الزواج .. ولكن الغلاء سيضطره للانتظار بالزفاف!!!
اقترب مرة أخري .. فصدته بدعوى انتظار الزفاف..
ماذا يفعل في رتابة الحياة بدون حب؟؟ تحالفت عليه الأحلام .. يريد أن يشعر بأن مَنْ عقد عليها تحبه وتبادله مشاعر بمشاعر وأنها ستغير لون الحياة!! .. ولكنها أبدا لا تمنحه حتى الكلمة التى يحلم بها .. تخبط في أحلامه .. أعترض علي واقعه .. تمرد عليه .. قرر أن يرسم في كفه كل الألوان .. استدعاها .. رسمها علي سريره .. نساء بكل الألوان والأشكال .. كلهن يعطينه ما يريد .. يبحث أخر الليل عن الرضا والسعادة فلا يجدهما .. يثور علي الألوان يغلق بابه عليه .. يخلع خاتم الفضة من إصبعه ويلقيه في سلة المهملات .. فلم يعد في حاجه إلي الطهر الزائد ولا الدنس الزائد .. حاول محو الألوان من سريره التى اختلطت فيه الألوان .. فوجد صعوبة بالغة .. فهو يحترق كل يوم بأطياف تلك الألوان.
يعود لعادته الصباحية .. يمشي علي الكورنيش .. يقف أمام النهر .. يري صورته وقد ارتسمت علي صفحة الماء .. ثَبَتَ نظره عليها .. وجدها تهتز.. حاول أن يقف ثابتا ولكن الصورة أصرت علي الاهتزاز.. قرر أخيرا أن يلقي بنفسه في الماء لعله يطهر جسده مما علق به من ألوان .. أو لعل الصورة تعود ثابتة.