ما من رجل واحد أو امرأة ، ممن يعملون من قريب أو بعيد في ذلك العالم السري إلا ويعرف أسمها وتاريخها ...حتى السينما خلدتها في أفلام تحمل اسمها نالت شهرة واسعة وحققت أرباحا مدهشة ...
إنها أشهر جاسوسة عرفها التاريخ .
إنها ( ماتاهاري ) و ( ماتاهاري) هذه راقصة هولندية إندونيسية ...
ولدت في جزيرة ( جاوة ) من أب هولندي وأم إندونيسية ومع مولدها في دقائق الفجر الأولى أطلقت عليها أمها اسم ( ماتاهاري) الذي يعني بالإندونيسية نجمة الصباح .
ولتضيف نجمة الصباح هذه إلى ثقافتها الهولندية- الإندونيسية نمطا جديدا تلقت تعليمها في أحد المعابد الهندية حيث تعلمت الرقص الهندوسي الإيقاعي الذي كان له أبلغ الأثر في عملها فيما بعد ...
وتزوجت ( ماتاهاري) وهي بعد في السابعة عشرة من عمرها من ضابط هولندي سكير أذاقها الأمرين قبل أن يفر ذات صباح مصطحبا ابنتها الوحيدة دون عودة .
وانهارت ( ماتاهاري ) وظلت تبحث عن ابنتها وتنتظر عودتها لسنوات وأخيرا قررت الرحيل بدورها فانتقلت للعيش في ( باريس ) وهي في الثامنة والعشرين من عمرها .
وفي باريس بدأت ماتاهاري مرحلة جديدة من حياتها فاحترفت الرقص في الملاهي الليلية ، وبلغت حدا لا بأس به من الشهرة جعل المشاهير يتهافتون عليها ويحيطون بها في كل ليلة بعد أن تنتهي في رقصاتها ... ولم يكن من الممكن أن تترك المخابرات الألمانية هذه الفرصة من يدها .. وفي ليلة من ليالي ( ماتاهاري ) التقى بها ضابط ألماني وسيم من ضباط المخابرات الألمانية ، وتحدث إليها على نحو مباشر وعرض عليها العمل لحساب ( ألمانيا ) التي تستعد لخوض الحرب العالمية الأولى ولا أحد يدري لماذا قبلت ماتاهاري العمل لحساب الألمان
أهو انتماء فكري إلى الحضارة الألمانية أم بغض للفرنسيين الذين يتعاملون معها كراقصة ملهى
أم أنه حب المغامرة والإثارة .
لا أحد يدري .
المهم أن ماتاهاري وافقت على العمل لحساب الألمان وبدأت في توطيد علاقاتها بالمسئولين الفرنسيين ، وكبار قادة الجيش وبدأت المعلومات العسكرية تتسرب إلى الألمان على نحو أقلق رجال الأمن الفرنسيين ، ودفعهم للبحث عن سر تسربها ....
وأحاطت الشبهات بـ ( ماتاهاري ) .. كانت أكثر المقربات للمسئولين ورجال الجيش ، والدبلوماسيين الفرنسيين ، ولكن كل هؤلاء أكدوا أن علاقاتهم بها لم تتطرق أبدا إلى الأسرار السياسية أو العسكرية ..
ولكن شكوك رجال الأمن لم تبتعد عن ماتاهاري ...وفي إصرار راح طاقم أمن فرنسي كامل يراقب ( ماتاهاري ) ليلا و نهارا ،على أمل العثور على دليل إدانة واحد ، يتيح لهم إلقاء القبض عليها ومحاكمتها ...
ولكن شيئا من هذا لم يحدث .
لقد ظلت ماتاهاري على علاقاتها بالجميع ، دون أن ترتكب خطأ واحدا أو تترك خلفها دليلا – ولو بسيطا – في حين استمر تسرب الأسرار العسكرية بلا انقطاع ....
وهنا قفزت إلى ذهن أحد رجال الأمن فكرة .
لم لا تكون ( ماتا ) قد استغلت علاقاتها بالدبلوماسيين ، وراحت تنقل رسائلها إلى الألمان عبر الحقائب الدبلوماسية التي لا يجوز اعتراضها أو تفتيشها .
وكانت فكرة لا بأس بها بالفعل ... فكرة تستحق أن توضع موضع التنفيذ وعلى الرغم من أنه لا يجوز اعتراض الحقائب الدبلوماسية أو فحصها وتفتيشها فقد نجح رجال الأمن الفرنسيين في التقاط خطابات باسم ( ماتاهاري ) من إحدى الحقائب الدبلوماسية ، وراحوا يفحصونها ، ويمحصونها ، ويدرسونها بكل دقة ، وعلى الرغم من هذا لم يعثروا على دليل واحد .
كانت ماتاهاري تستخدم أسلوب شفرة شديدة التعقيد في مراسلة عملاء ألمانيا خارج فرنسا .
أسلوب يصعب إن لم يكن من المستحيل فك رموزه وحله ...
وثارت ثائرة رجال الأمن عند هذه النقطة
ودب الخلاف والشقاق بينهم
كان بعضهم يرى ضرورة إلقاء القبض على ماتاهاري قبل أن تنقل إلى الألمان أسرار مخيفة قد تؤدي إلى هزيمة فرنسا في حين يرى البعض الآخر أن إلقاء القبض عليها دون دليل ينذرها بشكوكهم دون أن يكفي لإدانتها .ولأن الجو كان مشحونا بالتوتر في هذه الأيام فقد تغلب صوت الحذر على صوت العقل ......وتم إلقاء القبض على ماتاهاري عام 1916 م ومحاكمتها بتهمة الجاسوسية .
ولكن القصة لم تنتهي بعد ..والممتع بعد أن القوا الفرنسيين القبض عليها حدث ما توقعه الطرف الثاني تماما ...لقد أنكرت ماتاهاري التهمة بشدة ، واستنكرتها وراحت تدافع عن نفسها في حرارة وتؤكد ولاءها لـ فرنسا واستعدادها للعمل من أجلها ...وبدلا من أن تنتهي المحاكمة بإدانة ماتاهاري بتهمة الجاسوسية انتهت باتفاق بينها وبين الفرنسيين ، للعمل لحسابهم والحصول على أية معلومات سرية لهم ، نظرا لعلاقاتها القوية بعدد من العسكريين والسياسيين الألمان .والعجيب أن الفرنسيين وافقوا على هذا ، وأرسلوا ماتاهاري بالفعل إلى مهمة سرية في ( بلجيكا ) حيث التقت ببعض العملاء السريين الفرنسيين هناك وقدمت لهم العديد من الخدمات النافعة ...ونقلت ماتا بالفعل عددا من الأسرار الألمانية للفرنسيين .... ولكن الألمان ردوا الصاع صاعين لعميلتهم السابقة ...لقد أرسلوا لها خطابات شفرية ، مستخدمين شفرة يفهمها الفرنسيون جيدا مما جعل الفرنسيون يلقون القبض على ماتا مرة ثانية .... بتهمة التجسس مع وجود الخطابات كدليل هذه المرة هذه لسان الألمان طبعا ومرة أخرى تمت محاكمة ( ماتاهاري ) في باريس ....وفي هذه المرة لم تنجح ماتا في ٌإقناع الفرنسيين ببرءاتها فصدر الحكم بإعدامها .... و تم تنفيذ الحكم في ماتاهاري .