عندما تنتقل المرأة من مرحلة سن الخصوبة الى مرحلة عدم القدرة على الإنجاب، يقال إنها تمر في أزمة منتصف العمر المعروفة بسن اليأس، إذ ان المبيض يعلن «إفلاسه» ويتوقف عن إنتاج البيوض وإفراز هرمون الأنوثة الإستروجين. وتصاحب هذه المرحلة عوارض شتى تتباين من امرأة الى اخرى. ولكن ماذا عن الرجال؟ فهل يمرون هم ايضاً بأزمة منتصف العمر، كما هي الحال عند النساء؟ في السطور الآتية ضوء على هذا الموضوع.
بدأ سن اليأس عند الرجل يفرض نفسه في السنوات الأخيرة بعدما كان حتى عهد قريب جداً من المنسيات في الوسط الطبي، ولكن شتان ما بين سن اليأس عند النساء وذاك الذي يحدث عند الرجال، فسن اليأس عند المرأة مباغت ويعلن عن نفسه في شكل واضح وصريح بانقطاع الدورة الشهرية وتوقف إفراز هرمون الإستروجين، اما عند الرجال فالأمر يختلف كلياً، فمرحلة سن اليأس عندهم قد تكون غامضة، ولا تتم بالطريقة الواضحة التي تعيشها المرأة بيولوجياً، فالذكور يدخلون هذه المرحلة تدريجاً، ثم انها لا تشاهد عند الجميع، ولكن إذا صدقنا بعض الدراسات فإن غالبيتهم يعيشونها، وإن تباينت عوارضها بين رجل وآخر.
ما هي مظاهر سن اليأس عند الرجال؟ ان عوارض سن اليأس ترتبط بالانحسار التدريجي الذي يطرأ على هرمون التيستوستيرون. فقد كشفت الدراسات العلمية ان هذا الهرمون ينخفض تدريجاً في جسم الرجل اعتباراً من سن الأربعين وبنسبة تراوح بين 1 و2 في المئة سنوياً، لكن هذا الانحسار الهرموني لا ينطبق على جميع الرجال. وإذا أخذنا بالنتائج البحثية والميدانية، فإن نقص التيستوستيرون، موجود فعلاً عند 25 في المئة من الذكور من سن الستين وحتى الثمانين، وهذا النقص يترجم على أرض الواقع بالعوارض الآتية:
- ضعف الانتصاب.
- ضعف الرغبة الجنسية.
- التعب والشعور بالخيبة والكآبة والقلق والغضب.
- المزاج العكر والتهيجات ونوبات التعرق.
- ضعف القوى العضلية وأوجاع في الظهر.
- عدم الشعور بالاستقرار النفسي والصحي.
- شرود الفكر وفقدان الذاكرة.
- السمنة وبروز الكرش.
وقبل ان يعاني الرجل في شكل واضح من العوارض المذكورة، فإن بوادر وإشارات قد تظهر هنا وهناك، يثير وجودها الشكوك بأن صاحبها في طريقه الى مرحلة سن اليأس، إذ يبدأ يتحسس تجاه أي انتقاد يوجه إليه، ويهتم كثيراً بمظهره وهندامه وشعره في شكل مبالغ فيه، وسط دهشة الزوجة العاجزة عن فهم ما يجرى لزوجها.
ومتى دخل الرجل مرحلة سن اليأس الفعلية فإن عوارضها تشق طريقها الى كيانه، وأكثر ما يقصم ظهر الرجل في هذه المرحلة ضعف الأداء الجنسي الذي تختلف تداعياته من رجل الى آخر، وفقاً للبيئة الاجتماعية والثقافية والحياتية. وعبثاً يحاول البعض التغلب على هذا «العطل» الطارئ فيجد ضالته في تعاطي الأدوية، كالفياغرا مثلاً، في حين ينساق آخرون وراء إعلانات تشدهم إليها، من اجل استعادة رجولتهم الضائعة، ولكن للأسف فإن مثل هذه التصرفات سرعان ما يتبين بطلانها فيقع الراكضون خلفها في مطبات أشد وأدهى مما كانوا هم فيها، وقد يصل الأمر ببعضهم الى اتهام شريكات حياتهم بأنهن السبب في معاناتهم.
امام هذا الوضع، ما هو الحل؟ الحل يكمن في استشارة الطبيب المختص بدلاً من اللجوء الى مغامرات قد لا تجلب لأصحابها إلا نتائج عكسية، فتراجع الأداء الجنسي قد يكون صفارة الإنذار لبدء مرحلة سن اليأس عند الجنس الخشن. ان البحث عن سبب الضعف الجنسي يشكل الخطوة الأولى على الطريق الصحيح، حتى ولو كان هذا الضعف بسيطاً، لأن العلاج في هذه المرحلة يعطي نتائج مرضية تسمح لصاحبها بالحفاظ على قدرته الجنسية، أما الإهمال في التعاطي مع هذه الحال فيقود حتماً الى سوء المآل، لأن العلاج يصبح أصعب وأطول، ونتائجه قد تكون غير مرضية، هذا إن لم تكن مخزية.
كيف يشخص سن اليأس لدى الرجال؟ يعتمد التشخيص بالدرجة الأولى على قياس مستوى هرمون التيستوستيرون في الدم، وبناء عليه، وعلى العوارض التي يشكو منها الشخص، تُقوّم الحالة الصحية لمعرفة مدى الحاجة الى المعالجة الهرمونية التي تعوض المريض ما نقصه من هرمون الذكورة. وتقوم المعالجة على إعطاء حقن أو أقراص أو لصقات تحتوي على الهرمون المذكور.
لكن هل المعالجة الهرمونية هي البديل الآمن؟
المعروف ان المعالجة الهرمونية البديلة عند الجنس اللطيف، أثارت الكثير من اللغط، نظراً الى ما تسببه من مضاعفة أخطار الإصابة بسرطان الثدي، خصوصاً عند النساء اللواتي أصبن سابقاً بهذا السرطان، وأفادت دراسة بريطانية ان عودة الورم الخبيث حدثت في مدة قصيرة لم تتجاوز السنتين، فهل الأمر ذاته قابل الحدوث عند معشر الرجال الذين يتناولون العلاج الهرموني البديل بالتيستوستيرون؟
في الواقع هناك جدل كبير في الأوساط الطبية حول السؤال المطروح، وقمة هذا الجدل وصلت الى ذروتها في المؤتمر العالمي الأخير لجمعية جراحة المسالك البولية والتناسلية الذي عقد في مدينة أتلانتا الأميركية، إذ اندلع جدال حام بين الباحث الدكتور كانينغهام، والباحث الدكتور غوي. فالأول عارض بقوة المعالجة الهرمونية بالتيستوستيرون، لأنها بحسب رأيه المدعوم بمعطيات عالمية، تطلق عقال خلايا السرطان الكامنة في البروستاتة، فتكبر وتنمو وتغزو، لتفتك بصاحبها لاحقاً، وأن هذه الخلايا الورمية الكامنة موجودة عند 3 في المئة من الرجال بين سن العشرين والأربعين، لتصل الى 5 في المئة عند الفئة العمرية 40- 50 سنة، لتقفز الى 12 في المئة في عمر الستين، وإلى 40 في المئة في الثمانين، والى 55 في المئة بعد ذلك.
اما الباحث غوي، فهو على نقيض كانينغهام، إذ يوصي بالمعالجة الهرمونية الذكرية، لأنها وفقاً للمعطيات التي قدمها، لا تنتج عنها اختلاطات تذكر، لا بل حذر غوي من إهمال علاج نقص هرمون التيستوستيرون، لأن النقص يزيد من احتمال حدوث سرطان البروستاتة ويرفع من درجة خبثه، ويعرض المصاب لاحتمال حدوث مضاعفات عدة من بينها الفالج وهشاشة (ترقق) العظام.
على أي حال، ان العلاج بالهرمون الذكري يحتاج اولاً الى اجراء التحريات السريرية والمخبرية لمعرفة مدى استفادة المريض منها، لأن الغاية الأساسية للعلاج هي تحسين العوارض السريرية وخفض المخاطر الصحية، وطبعاً لا بد قبل المباشرة في أخذ الشوط العلاجي من التأكد حتماً من عدم إصابة المريض بسرطان البروستاتة. وعلى الطبيب المعالج ان يلفت نظر المصاب الى احتمال بروز عوارض جانبية عند اعتماد العلاج الهرموني، وإلى ضرورة المتابعة الدورية الصارمة لمراقبة البروستاتة عن كثب، ومعايرة مستوى الهرمون في الدم، وقياس شحوم الدم وعدد كرياته ومراقبة انزيمات الكبد.
وفي الختام لا بد من التنويه بأن هناك من لا يؤمن ابداً بوجود ازمة منتصف العمر عند الرجال، ومن هؤلاء باحثة بريطانية مشهورة في علم النفس فهي تؤكد ان سن اليأس لدى الذكور خرافة روجت لها شركات الدواء لتسويق منتجاتها.
[center][b]