وسط الحراك السياسي والحرية والديمقراطية الذين تشهدهم مصر الآن. ترتفع أصوات كثيرة ترفض الاستقرار الذي عشنا فيه طويلاً. ويذهبون إلي أبعد مدي فيزعمون إنه جمود.. يطالبون بفتح الباب دون قيود أمام كل مصري للترشيح لرئاسة الجمهورية. مع أن معظم دول العالم ترفض أن يخوض مستقل انتخابات الرئاسة فيها!.. البعض تصور أن الحراك السياسي معناه رفض كل شيء. وأن الديموقراطية ترادف سقوط النظام وأنه لا معني للاستقرار طالما أن الأحوال الاقتصادية صعبة. وظروف المعيشة تكاد تحاصر الناس في أرزاقهم..
غير أن المتأمل لواقع المنطقة سيدرك من فوره أن هناك نعمة من الله علي هذا البلد الأمين وهي أنه ليس هناك تهديد عسكري أو اقتصادي ضدنا من أي طرف. كما أنه لا يعاني من مقاطعة أو حصار أو تلويح باستخدام القوة أو حتي تحرش رغم محاولات كثيرة لجرنا إلي توترات..
البعض يري في معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل ضعفاً وقيداً علي سياستها الخارجية. بينما يراها كثير من العقلاء أنها حافظت علي هذا البلد في مرحلة الإصلاح السياسي والاقتصادي التي قادها الرئيس مبارك بسلاسة وأمان.. لولا هذه المعاهدة لما حصلت أي صحيفة أو فضائية علي حق النقد في أعلي مستوياته. اللهم إلا إذا انقسمت مصر إلي شيع وطوائف وصار لكل منها ميليشيا وفضائية وصحف ونواب مثلما هو الحال في لبنان أو العراق..
الاستقرار الذي لا يعجب كثيرين يحسدنا عليه أشقاء في دول عربية مجاورة.. مثلاً رغم أن جميع المؤشرات والدلائل حتي الآن تؤكد أن سوريا لم تقم بنقل صواريخ سكود إلي الأراضي اللبنانية بعد. لكن دمشق وبيروت أصبحتا مهددتين والعالم كله يعرف أن إيران لن تغني عنهما شيئاً إذا خاضت إسرائيل حرباً ضدهما..
للأسف تم توجيه رسائل تحذير لدمشق أنها إذا شحنت الصواريخ للبنان فإن تل أبيب ستقصفها كما سبق وفعلت مع شحنة الأسلحة الإيرانية لغزة. حيث دمرتها في صحراء السودان. ولم تفعل طهران شيئاً لانتهاك سيادة دولة عربية..
لقد أرسلت هيلاري كلينتون رسالة لنبيه بري حليف حزب الله تبلغه فيها أنه إذا وصلت الأسلحة للبنان فلن نستطيع منع إسرائيل من شن هجوم علي لبنان أو سوريا..
قد يقول البعض إن إسرائيل لن تجرؤ علي ضرب دمشق وبيروت لأن أمريكا توافق علي التدخل السوري في لبنان مقابل أن تتخلي سوريا عن حزب الله.. ويزعمون أن إيران لا تمانع أن يتقلص نفوذ حزب الله في بيروت ويسلم كل شيء لسوريا إذا ما تركت أمريكا العراق لإيران..
من ناحية أخري السودان مهدد بانفصال الجنوب وإقامة دولة زنجية في الجنوب..
عظمة السياسة التي يتبعها الرئيس مبارك أنها لا تعرف الاستقطابات أو التحالفات.. ليس فيها مثلثات أو مربعات.. منطقتنا "زئبقية" تجد فيها من ينحاز لإيران ومن يخشي غدرها.. لكن المهم أن مصر بعيدة عن هذه الأمواج التي يريدون جرنا إليها..
مصر لم تتخل عن مساندة الفلسطينيين ورغم خلافها السياسي مع حماس فإنها هي التي ساهمت في إصدار قرار مجلس الأمن 1860 لوقف العدوان الإسرائيلي علي غزة. وهي التي دعت لإعادة الإعمار في مبادرة إنسانية من شرم الشيخ في يناير 2009 وهي التي تسعي للمصالحة الفلسطينية دونما غرض أو استقطاب أو تحالف.. كل هذا دون أن تكون بالضرورة مشتبكة في حرب مع إسرائيل.. مصر أرسلت سفيرها مرة أخري للعراق رغم مقتل سفيرها الأول الفقيد إيهاب الشريف لأنها تؤمن بضرورة الإبقاء علي عروبة العراق ووحدة أراضيه وهي تتحرك لمساعدة الاقتصاد العراقي في جميع المجالات.. وهناك تدعيم للعلاقات الاقتصادية مع أمريكا والاتحاد الأوروبي والمحافظة علي علاقات تعاون مع دول حوض النيل رغم اختلافات الرؤي من خلال عدد من المبادرات مثل: النيباد والكوميسا ومجلس السلم والأمن الأفريقي.. وغير ذلك من مبادرات التعاون مع دول القارة..
إن مصر القوية الآمنة مع حسني مبارك لا تتنازل عن كرامتها ولا تضحي بسيادتها ولا ترحم من يفكر في تهديدها وهي في هذا كله لا تجعجع أو ترفع شعارات مستهلكة أو غير ذلك مما يستهوي أصحاب المراهقات السياسية والحناجر الزاعقة والقبضات الملوحة.. مصر لن تتنازل عن قوتها وأمنها واستقرارها جرياً وراء الزيف ودعاوي التغيير التي يبدو أنها تلبس ثوباً قشيباً يخدع الناظرين. بينما تخفي خلف زينتها القبح والفوضي والانقسام..
كل عام ومصر قوية وآمنة.. وكل عام ورئيسها يحتل مكانه في قلوب المصريين وفي التاريخ المنصف المحايد الذي سيذكر يوما ما فعله هذا القائد والزعيم للحفاظ علي بلده وسيادته ووحدته وقوة جيشه..