وقع الثعلب يوماً في فخ منصوب.. لم يكن منتبهاً لوجوده.. فأخذ يصرخ ويستغيث.. ولحسن حظه توافق وقوعه مع مرور ذئب في اللحظة ذاتها..
الثعلب: أرجوك يا أخي.. أنقذني.
ضحك الذئب: هل سمعت يوماً عن ذئب يمد يد العون لثعلب؟
الثعلب: كلنا أبناء الغابة.. وأولاد الغابة أخوه ولا شك.
الذئب: قانون الغابة لا يحتمل الأخوة.. إنه قانون القوة والتفرد بها.
الثعلب: يا أخي.. أنا في محنة.. وأقسم لك بكل مقدساتي إني سأرد صنيعك بأفضل منه.. وسأكون نعم الأخ والصديق.
صمت الذئب فترة متفرّساً في الثعلب وفجأة قال وهو يضحك:
-أعجبتني كلمة صديق هذه..! هل تقسم على أن تكون صديقاً وفيَّاً مؤثراً لصديقك على نفسك؟
-أقسم باللحم الطري الذي أكلت.. وبالدماء القانية التي شربت على أن أكون نِعمَ الصديق.. وستراني وقت المحنة والضيق.
عالج الذئب الفخ بأنيابه ومخالبه وساعد الثعلب على الخروج من محنته ثم مدَّ لـه يده القوية لتصافح يد الثعلب الجريحة..
كانت ضعيفة وقد شعر الذئب بذلك فضحك في سرّه سعيداً.
سارا متجاورين.. وفي كل خطوة كانا يرسمان قوانين الصداقة وأصولها.
الثعلب: الصديقان متساويان في الحقوق والواجبات..
-ونحن سنكون كذلك.
الثعلب: والصديق لا يخفي سرّاً عن صديقه ويؤثره على نفسه.
-لن أخفي سرّاً وستكون عندي قبل نفسي.
الثعلب: صديقي مَنْ يقاسمني همومي.. ويرمي بالعداوة مَنْ رماني.
-وأنا سأحمل همومك عنك.. وسأكون مخلبك الضارب في قلب أعداؤك.
-اتفقنا..؟
-اتفقنا على بركة الغابة وقوانينها..!
وبعد أن صاغا قانون اتفاقهما.. افترقا.. متصافحين.. متعاهدين، وقد فرح الذئب مرة ثانية عندما لامس يد الثعلب الجريحة..
كان ملك الغابة في ذلك الوقت يعاني من مرض نفسي فقد هجرته أنثاه وهو يحاول جمع شتات نفسه والسيطرة على الغابة من جديد.. لكنه وحتى لا يشعر أحد بضعفه كان يعمل على إرضاء الجميع ليضمن انتخابهم لـه في دورة تشريعية ثانية..
ذهب الذئب إليه.. قال: يا ملك الغابة! لقد أنقذت الثعلب من فخ كان الموت فيه محتماً وقد طلب صداقتي مقابل ذلك..
ضحك الأسد: ذئب وثعلب صديقان..
يا للعجب.. مستحيل.. لكن حسناً وليرحم الله أبناء الغابة..
ذهب الثعلب إليه وقال: أنقذت الذئب من محنة نفسية حقيقية كان يعاني من الإحباط والملل.. لذا عرضت عليه صداقتي متنازلاً عن كل الفروق التي بيننا.. فما رأيك..؟
قال الأسد بوقار: هنيئاً لك تواضعك أيُّها الثعلب (وبسره قال: كان الله بعون الغابة) ثم وبصوت مرفوع: ليبارك الله صداقتكما النادرة ولتكن مثالاً يحتذى به في مملكتي.
وفي اليوم التالي قال الثعلب: هيه أيها الصديق الحبيب لديَّ خطة رائعة.. لقد تعاهدنا على الصداقة.. ونحن قوة ضاربة معاً..
ما رأيك بتنفيذ خططي..؟
الذئب: وأنا لديَّ خطة.. ما رأيك أن نبدأ بأرض المزارع المتاخمة لحدود غابتنا.. إنه رجل بسيط ويملك ماشية تكفينا طعام شهر كامل وليس عنده سوى بضعة كلاب.
أعتقد أنك تقدر عليها..
الثعلب: شهر.؟ لا.. لا. أريد أن أنفذ خطتي أولاً وأنتقم من الصياد الذي وضع الفخ لي..
الذئب: لكنك لا تعرفه..!
الثعلب: بلى.. إنه الصيّاد الذي يقطن في الطرف الشرقي من الغابة.
الذئب: وما الذي يجعلك متأكداً من ذلك؟
الثعلب: إحساسي.. ثم أن ما يملكه من حيوانات مصطادة تقتل جوعنا أشهراً طويلة لا شهراً واحداً كما تفكر أنت.
-يا صديقي. إن الصياد هذا يملك بندقية حديثة قد تقضي علينا معاً.. فلِمَ المغامرة؟
-أنت صديق جبان.. صداقتك لا تروق لي أنسيت أنك وعدت أن ترمي بالعداوة من رماني.. ثم إن ما سنغنمه منه يستحق المغامرة ولا تنسَ أننا سنقتسمه معاً أنا وأنت فقط.
-بالتساوي؟
-أجل ومن قال غير هذا..؟
-قد لا يروق لملك الغابة هذا الفعل..
-يا غبي ألم تدرك بعد أن ملكنا بحاجة إلى رضانا أكثر من حاجتنا لموافقته.. ثم إنّما نحن مَنْ عيناه ونحن مَنْ يقيله وقت اللزوم.
-الذئب: (وهو يلعق لسانه حالماً باللحم الطري) في هذا أنت محق لكن ما رأيك في أن نستعين في هجمتنا هذه بمَنْ نراه مناسباً من حيوانات الغابة ليساهم معنا في هذه الحفلة الانتقامية..؟
الثعلب: فكرة معقولة وإنْ كنت لا أحبذها كثيراً، فمن سيشارك لا بد أنْ يقاسم..؟!
الذئب: لا لن نعطي أحداً شيئاً فنحن أصحاب الفكرة.. ونحن المخططون لها..
الثعلب: تقصد أنْ تقول إني أنا صاحب الفكرة..؟ الذئب (وهو يزدرد لعابه) فكرتك فكرتي.. ألسنا صديقين؟
الثعلب: (وهو يتحسس يده المريضة): معك حق في هذه. أجل صدقت نحن صديقان لا شبيه لنا..!!
رفضت قوى التحالف الحيوانية.. المساهمة في الهجمة على الصياد وممتلكاته خوفاً من المغامرة..
لكن بعض الجرذان والحشرات الطفيلية قالت: إن تم وضع خطة ذكية تضمن سلامتنا.. خضنا المعركة معكم..
ولم يجرؤ أحد على الحديث عن الغنائم لأنهم مجرد حيوانات صغيرة..
الذئب: هل تعتقد أنهم لن يقاسموننا؟
الثعلب: أيها الأحمق يكفيهم فخراً أننا وافقنا على مشاركتهم معنا. إنهم سيدخلون التاريخ من أوسع أبوابه فقد حالفهم الحظ وكانوا حلفاء لأكبر قوى ضاربة في الغابة..
الذئب: معك حق.. ولا أعتقد أنه يضرنا أن نترك لهم روث الحيوانات وبقاياها..!
وضع الثعلب خطة ذكية وطلب من الجميع التقيد بها.. استطاع الصياد الفرار بعد الهجوم المحكم.. لكن كل ما اصطاده طوال عمره بقي غنيمة سهلة للمهاجمين.
بعد فترة قصيرة قال الثعلب: كان خطة ناجحة وذكية أليس كذلك؟
الذئب: قل كانت مخاطرة فقدت بسببها ساقي..
الثعلب: أنت مَنْ اندفع بسرعة عندما اشتم رائحة اللحم الطري..
الذئب: وأنت مَنْ تراجع إلى الخلف متعللاً بإصابة يدك..
ثم ولنفسه: "كنت أحسب هذا الأمر لي.. وإذ به عليّ".
الثعلب: المهم كلانا غنم طعاماً يكفيه شهوراً طويلة.
الذئب: لكن الصياد هرب وسيعود يوماً للانتقام..
الثعلب: ليهرب إنه لم يعد يشغلني الآن. ما يشغلني هو ذاك الصياد الذي يسكن الجزء الشمالي من الغابة فهو من وضع الفخ لي..
الذئب مستنكراً: ألم تقل إن مَنْ يسكن الشرق هو مَنْ وضع الفخ.
الثعلب: "متنحنحاً" في الحقيقة.. في الواقع.. لم أكن متأكداً..
الذئب: وأنت الآن متأكد..؟
-بالطبع فهذا الذي يقطن في الشمال يملك فخاخاً وشباكاً عديدة، لقد عاينت الأمر بنفسي..
الذئب: والأول..؟
-الأول لا يملك سوى البندقية وبضع طلقات نارية..
الذئب متهكماً: بندقية قديمة أطاحت بساقي..؟؟ وكادت تقضي عليَّ لولا تلك الحشرات التي سارعت لإنقاذي وملاحقته.
الثعلب: دعك من هذا الآن.. ودعنا نخطط لمهاجمة الثاني..
الذئب: يا صديقي دعنا نرتحْ قليلاً من جرّاء ما جرى.. ثم لدينا طعام يكفينا شهوراً طويلة.
الثعلب: يا ظل الصديق.. أنت لست طموحاً ولا مقداماً.. دائماً ترضى بالفتات ولا تواكب صديقك.
أيها الأبله.. إن تركنا الوقت يمضي.. سبقنا واتحد الصيادان ضدنا وهذا سيربك مجتمع الغابة الدولي وسيقوده للانهيار..
الذئب: لك ما تريد يا صديقي.. لكن هذه المرة بسبب قدمي.. ستكون أنت في المقدمة.
الثعلب: ونسيت يدي.؟. الذئب ضاحكاً: عرج الثعلب من يده..
الثعلب: هيّا.. ولا تكن قاسياً.. سنهجم معاً..
الذئب: دعنا نستعن بأقوياء الغابة..
الثعلب: ألا زلت تأمل خيراً من هؤلاء العجّز يا صديقي.. نحن معاً لن نحتجْ أحداً..
الذئب (مغلوباً على أمره): سينكرني أخوتي الذئاب لمصادقتك ولتفردي بالجري خلفك..!
في الهجوم الثاني.. اندفع الاثنان معاً. تغطّيهما الحشرات الطفيفة..
كانت معركة ضارية.. لكنها حسمت بسرعة لصالح قوى التحالف الشريرة..
وما إن جلسا لاقتسام الغنائم.. حتى أخذ الثعلب الجزء الأكبر ولم يترك للذئب سوى القليل.
عوى الذئب: احتجاجاً..
فصرخ الثعلب: أنا مَنْ خطط.. وأنا مَنْ اندفع.. أنت كنت متردداً والآخرون كل منهم رافض.. وفي الغنيمة تريد التساوي..؟
الذئب: لكنا صديقان وتعاهدنا على التساوي.
الثعلب: أجل هذا كان قبل أن نغنم هذه الغنائم كلها.
الذئب: يا صديقي.. لولا مساعدتي كنت الآن في عداد الأموات.
الثعلب: ولولا خططي لبقيت أنت تركض خلف الطرائد ولبقيت ظلاً للملك.. أنا مَنْ دفع بك إلى المقدمة..
الذئب: مقدمة كان من الممكن أن تكون روحي ثمناً لها..
الثعلب: لقد حميت ظهرك.. وكنت لك نعم العون. ثم إن ما أخذته من غنائم في المرة الماضية وما جنيته من شهرة بسببي.. تعادل كل ما آخذه أنا الآن..
الذئب: وعهدنا.
الثعلب (ضاحكاً): وهل سمعت يوماً عن ثعلب يرعى عهداً، عهدنا تعرفه أكثر مني.. قانون الغابة نحن مَنْ وضعناه معاً، عشيرتنا.. وعشيرتكم.. لكنك زيّنت لنفسك فوق استحقاقها عندما لامست ضعف يدي المجروحة. أوَ تظنني لم أفطن لذلك؟.
يدي الآن يا صديقي معافاة.. فهل ترغب في العراك لتعرف قانوني الجديد..
الذئب: ((وهو يعوي بصوت يشبه البكاء)):
لا.. لا أريد التجربة.. أنا منهك من حربين طاحنتين ولا أعرف إن تركتك ماذا سيحل بي من عشيرتي وأهلي لأني صادقت ثعلباً؟ ولا أعرف إن غامرت معك ثالثة إلى أين ستقودني يا صديقي..؟