أكسبها ثقل معدتها كسلا ووخماً جعلاها تذهب في ارتخاءة جلبت إليها كل الذكريات المؤلمة .. توقفت بها عند يوم زفافها .. وانبهارها بهيئة عريسها الذي لم تجلس معه إلا مرات معدودة ..
فقد اتسمت العائلة بأكملها بمظهر الثراء الفاحش .. الذي يعمى العيون ويطلق العنان للخيال بحياة رغدة ..
رأته فقط يوم الاتفاق حينما دخلت خَجِلة كأي عروس .. لم تر منه إلا نظرات جائعة أثارت كوامن نفسها التى طالما هامت فيها مع فارس الاحلام.. مما جعلها تهرب لتلقي بالأحلام علي سريرها مع الجسد المحمل بالسعادة والأمنيات..
والمرة الثانية حين جاء العريس مع والديه حاملا "شبكة" لم تحلم بها.. وألبسها إياها في هدوء .. وريثما انتهى تعالت الزغاريد .. ولم يتفوه العريس إلا بكلمة مبروك.
وعللت أمه صمت ولدها بالخجل.. وأثنت علي تربيته المحافظة وخاصة انه ولد وحيد علي أربع بنات..
وكانت الزيارات القليلة زيارات صامته .. لم تر فيها منه إلا نظرات جائعة تزلزل كيانها وتبعث في نفسها دبيب يصيب كيانها الحالم بالعشق. . فتتوه بين أحلامها ويغيب تركيزها.
حتى جاء اليوم الموعود يوم الزفاف .. اليوم الذي يفزعها كلما تذكرته
فقد أصرت والدته أن يكون حفل الزفاف عائلي علي ان تعوضها برحلة شهر عسل في أفخم فنادق شرم الشيخ ..
وما إن أوصدت الأم الباب خلف العروسين حتى شعرت " نورا" برهبة شديدة لا تدري مصدرها .. حاولت ان تطمئن نفسها .. ربما هذه الرهبة نابعة مما سمعته من صويحباتها عن ليلة الدخلة .. وطارت الرهبة قليلا عندما تذكرت "قفشات" صويحباتها وغمزاتهن ولمزاتهن .. ثم استفاقت علي يدين غليظتين تمسك كتفيها بقوة.. فارتجفت أوصالها .. نظرت في عيني عريسها فوجدت شرراً يتطاير منهما وكأنه حيوان مفترس انقض علي فريسته.. حملها كقطة سيامية بين يديه ودار بها في أنحاء البيت الفخم وهو يزأر .. ثم ألقى بها أرضاً .. ففزعت وتألمت لعدم توقعها أن يحدث منه ذلك.. وفي لمح البصر .. ألقي هذا الوحش بجثته علي جسدها المسجى علي الأرض وأمطرها بالقبلات وهي تشعر باختناق شديد كتم صوتها نهائيا.. ثم خف جسده قليلا عنها .. وما إن وجدها تستعد للنهوض حتى زأر زأرة عالية هزت جسدها المرتعش .. ثم هوى علي أعلي صدرها ونشب أسنانه في لحمها الأبيض البض .. فصرخت صرخة هستيرية جعلته يجفل ويتراجع عنها.. ظلت تصرخ بجنون وتضرب علي الباب بكلتا يديها .. تستغيث بالعالم كله أن ينقذها من هذا الوحش.. حتى كسر الجيران الباب .. ليجدوا منظرا أغرب من الخيال..
العريس يضحك في هستيريا وقطعة من لحم العروس في فمه ..والدم يسيل منه .. والعروس مازالت بفستان الزفاف الأبيض .. الذي نقشه دمها بوردات حمراء.. وتكتم الدم بطرحة الزفاف وهي تصرخ صرخات تخلع القلب .. وما إن انفتح الباب حتى هرولت العروس بلا هدف خارج قفص الزوجية الذي حبسوها فيه مع هذا الوحش الآدمي
فالتقطها أحد الجيران وهي تترنح علي الدرج .. ولم تستفق إلا وهي في مستشفي وحولها أهلها .. والكل يبكى لحالها .. تسمع من حولها همس يتندر بحكايتها السوداء .. وزفافها الدامي ..
وهي تحاول ان تسد أذنيها عن همساتهم .. وتغلق عيونها عن كل الوجوه التي تحاول التلصص علي أزمتها وتعريتها من ازورارها .. فهي تريد الانفصام عن العالم بأثره .. فكانت تروح في غيبوبة لا يدري الأطباء سببها..
مرت عليها أيام لم تدر عددها .. فتحت عيونها في بطء فلم تجد في الحجرة سوى وجه والدتها الذي أنهكه البكاء .. ثم تركت جفونها للارتخاء مرة أخري .. فضمت الأم يد ابنتها في حنان ..فأسبلت " نورا" عيونها وفتحهما وكأنها تجاهد لفتح باب مدينة .. فضمتها الأم لتواسيها وتترجاها السماح .. أجهشت الاثنتان بالبكاء ..
فأقسمت الأم بأنها لن تترك حق ابنتها للضياع أبدا .. وأنها سوف تأخذ كل حقوقها كاملة من هؤلاء الغشاشين النصابين.. الذين ضللوهم ولم يفصحوا عن مرض ولدهم العقلي منذ البداية..
فقالت " نورا" في مرارة : ومَنْ سيعيد لي قطعة اللحم التي استقطعها ذلك المعتوه من جسدي .. مِنْ سيعيد إلي نفسي الأمان والطمأنينة ؟؟
*****