»كذبت ثمود وعاد بالقارعة، فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية«
الحاقة
بعث الله سبحانه وتعالي صالح عليه السلام إلي قبيلة ثمود، ليثنيهم عن عبادة الأصنام، وعبادة الله الواحد الأحد.. فآمن به البعض وكفر بدعوته البعض الآخر، وطلبوا منه معجزة حتي يصدقوا دعوته، ويؤمنوا بما يدعو إليه، وعندما جاءتهم آية من الله بصدق رسالته، إذا بهم يديرون ظهورهم له ولدعوته، ويتهمونه بالكذب.
وثمود تقع بين الحجاز والشام إلي وادي القري وهذه المدائن. مدائن صالح مازالت آثارها موجودة إلي اليوم.
لقد أنعم الله علي أهل ثمود بكثير من النعم، وكانوا ينحتون بيوتهم في صخور الجبال، وكانت لهم مراع كثيرة وحدائق، ومع ذلك جحدوا نعم الله وعبدوا أصناما لاتنفع ولاتضر، وجاءهم نبيهم صالح عليه السلام يدعوهم إلي الايمان بالله، وشكره علي ما أنعم عليهم من النعم والحياة الرغدة الناعمة، ولكنهم جحدوا أنعم الله عليهم وظلوا في جهالتهم عن الحق، يبغون الضلال ويبتعدون عن الهدي.
»وإلي ثمود أخاهم صالحا قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من آله غيره، هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها، فاستغفروه ثم توبو إليه إن ربي قريب مجيب«.
لكن قوم ثمود لم يذعنوا إلي الحق، وظلوا مع ضلالهم، بل حاولوا قتل نبي الله صالح ولكنهم خشوا أن يثأر له رهطه.
: قالوا: ياصالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا أن نبعد ما يعبد آباؤنا، وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب«.
ورد عليه نبي الله صالح:
: قال: ياقوم، أرأيتم ان كنت علي بينة من ربي وأتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله ان عصيته، فما تزيدونني غير تخسير..«
وقرروا وضع نبي الله صالح في اختبار. طلبوا منه أن يخرج من بين صخور الجبل ناقة يتبعها ابن لها، يسير معها أينما تسير؟!
وراحوا يتضاحكون وهم موقنون أنه لن تحدث المعجزة، وبالتالي سوف يثنون نبي الله صالح عن دعوته التي يدعو إليها بالإيمان بالله
سبحانه وتعالي.
وقبل صالح التحدي..
ودعا لله أن يستجيب ويرسل الناقة آية وبرهانا علي صدقه.
>>>
وتجمعت القبيلة ذات يوم حدده صالح عليه السلام، ليروا المعجزة، ويروا ناقة ضخمة تخرج من بين صخور الجبل.. وكانت الناقة عشراء، ثم ما لبث أن وضعت وليدها الذي كان يشبهها.. وأمام هذه المعجزة آمن البعض وظل البعض الآخر علي كفره.. غير منصتين إلي نداء صالح:
» يا قوم: اعبدوا الله ما لكم من آله غيره« وقال لهم نبي الله صالح: ان الناقة يوم للشراب، ولهم يوم.. وأن يتركوا الناقة وفسيلها ترعي في أرض الله، ولا يتعرض لها ولوليدها أحد وقال لهم:
» لقد جاءتكم بينة من ربكم، هذه ناقة الله لكم آية، فذروها تأكل في أرض الله ولاتمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم، واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا، فاذكروا آلاء الله ولاتعثوا في الأرض مفسدين«.
>>>
ومرت أيام وليال..
وإذا بهؤلاء الكافرين يتنكرون لما رأوا من أمر هذه المعجزة.. معجزة أن تخرج ناقة من وسط الصخور ويكون لها شرابها وترعي في أرض كما تشاء، وقرروا أن يعقروا الناقة!!
>>>
كانت هناك من بين أصحاب الثراء امرأتان.. أحدهما اسمها ٠صدوق) والأخري اسمها عنيزة، حقدا علي الناقة وأرادا التخلص منها، فأغروا واحدا اسمه (مصدع) وآخر اسمه (قدار).. وانضم إليهما سفهاء آخرون لتفنيذ مؤامرة قتل الناقة وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولايصلحون«.
وتحققت المؤامرة.. قتل (مصدع) الناقة..! وقتل قدار (فسيلها).. » كذبت ثمود بطغواها، إذ انبعث اشقاها، فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها«.
لقد حزن نبي الله صالح لما حدث، وأيقن أن قومه سوف يصيبهم غضب الله.. فقال لثمود:
»تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب« لقد أبلغتكم رسالة ربي، ونصحت لكم ولكن لاتحبون الناصحين«.
>>>
وقد خشي القوم من نبوءة صالح، وتعاهد بعضهم علي الخلاص منه، وقتله وتقاسموا بالله لنبيتنه وأهله، ثم لنقولن لوليه: ما شهدنا مهلك أهله وإنما لصادقون، ومكروا مكرا، ومكرنا مكرا وهم لايشعرون«.
ومضت الأيام الثلاثة التي قال لهم صالح أنه سوف يأتي لهم عذاب الله بعدها، وأن عليهم انتظار الهلاك..
وجاء وعد الله
وهكلت ثمود ولم يعد لهم ولديارهم أثر. بينما ذهب صالح عليه السلام إلي حرم الله فأقام به حتي مات كما يقول ابن كثير..
>>>
يقول عبدالوهاب النجار:
»... أما صالح والذين آمنوا معه فقد نجوا مما حاق بقومهم من العذاب الذي أدركم بعد ثلاثة أيام من جريمتهم، فتولي عنهم وقال ياقوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لاتحبون الناصحين.ويشبه قوله هذا في حكاية لقومه بعد هلاكهم ما يكون من الواحد منا إذا هلك له انسان متصل به، وقد حذره ذلك السبب الذي هلك به بأن يقول له ألم أحذرك مما وقعت فيه؟ وذلك ما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لأهل بدر أصحاب القليب إذ قال لهم:
»يافلان بن فلان وفلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا«.
وقد قالوا أن الله أحياهم حتي أسمعهم، قال العلماء ومثل هذا إنما خص الله به أنبياءه.
وقد قال بعض المفسرين:
»إن صالحا والذين آمنوا معه ذهبوا بعد هلاك قومهم إلي ناحية الرملة من فلسطين، ويقول أهل حضرموت أنهم ذهبوا إلي حضرموت وأقاموا بها لأن أصلهم من تلك الناحية أو هي فصيلة من أطواف الأحقاف وهناك قبر يزعمون أنه لصالح.
وقال آخرون:
: إنهم أقاموا في ديارهم بعد هلاك قومهم.
وآخرون أنهم ذهبوا إلي مكة وأقاموا بها إلي أن ماتوا وقبورهم غربي الكعبة.
وأقرب الأقوال عندي إلي التصديق أنهم ذهبوا إلي الرملة وتواحي فلسطين لأنها أقرب بلاد الخصب إليهم.. والعربي إنما يطلب الكلأ لرعي ماشيته والأرض ذات الماء.
وفي الألوسي أن الذين نجوا مع صالح كانوا مائة وعشرين، أما الهالكون فكانوا أهل خمسة آلاف بيت«.
>>>
ومضت سنوات طويلة
ونسي الناس ما جري لثمود وأهل ثمود.. نسوا ما حاق بهؤلاء الذين كفروا بأنعم الله، وجحدوا ما جاء به صالح عليه السلام، وعاد الظلام ينشر رداءه علي الناس، فنسوا دعوات الأنبياء، ونسوا أن يعبدوا خالق الأرض والسماء، وخالق كل الكائنات، وعادوا إلي ضلالهم القديم، وابتدأت عقيدتهم تنحرف نحو الضلال.. لقد نسوا شريعة السماء وغرقوا في أوهامهم ومعتقداتهم المنحرفة، وكان لابد أن يعيد الله سبحانه وتعالي لهم رشدهم.. وليعرفوا أن المعبود الحق هو الله وليس سواه، وأن الشرك وعبادة الأصنام أوهام من صنع الانسان.. وأن طريق السلامة هو ما جاء به الوحي وما نزل به من هداية الله لعبيده.. فقد اتسعت رقعة الدنيا.. وتكونت ممالك وشعوب مختلفة، وتفرقت علي الأرض جموع البشر في مختلف البقاع.. وقد ضلت هذه الشعوب طريقها، وكان لابد من توجيهها إلي الصواب.. وكانت دعوة ابراهيم عليه السلام.
مراجع
ـ القرآن الكريم
ـ تفسير ابن كثير
ـ قصص الأنبياء عبدالوهاب النجار
ـ تفسير الشيخ محمد متولي الشعراوي