كاتب مصري : قادة مصر يعيشون في شرم الشيخ واسرائيل تحميهم
كل صغير أو كبير في مصر يرى أن مقر الحكم الرئيسي الآن في شرم الشيخ، فالرئيس المصري لا يكاد يغادرها إلى العاصمة القاهرة إلا في حالات استثنائية، فالخطب التي توجه إلى الشعب توجه من مقر شرم الشيخ، والاستقبالات جميعها تتم هناك، والمؤتمرات الدولية التي يدعو إليها الرئيس تقام هناك، بل إن الوزارة والوزراء وغيرهم من قيادات الدولة عليهم التوجه إلى شرم الشيخ للقاء الرئيس.
في ضوء ذلك يكون تشبيه المفكر المصري طارق البشري شرم الشيخ بالإمارة، أمر له مبرراته خاصة إذا اجتمعت لها مداخيلها الاقتصادية المستقلة لتتشابه إلى حد ما مع مداخل إمارات الخليج العربي، حيث يتم تمويلها من دخل الغاز والبترول ودخل قناة السويس وعوائد المصريين المقيمين بالخارج والسياحة.
وقد رأى البشري أن هذه الإمارة انسلخت عن الدولة الأم، وأخذت اسمها ووصفها القانوني ومركزها الدولي. وقال في كتابه "مصر بين العصيان والتفكك" الصادر هذا الأسبوع عن دار الشروق بالقاهرة "إن أي دولة منسلخة تختلف نظرتها إلى أمنها القومي عن النظرية السائدة لدى الدول الأم، بل هي تكون ضد هذه النظرية، لذلك فإن الجزء المنسلخ يعتبر الدول الأم عدوه الأول والأكبر ومصدر الخطر الدائم عليه، ومتى تعين العدو الأول، فقد تعين أيضا الحليف الأول وهو عدو العدو".
وأضاف البشري أن "الإمارة المنسلخة في هذا التصور لا تجد حليفا لها إلا من كان يخشاه الوطن الأم ويعتبره خصما له وخطرا عليه، من هنا نفهم الموقف الأخير الذي كشفت عنه أحداث غزة الأخيرة في كانون الأول 2008، كما نفهم هذه السياسة التي قامت، وهي سياسة تمارس وتطبق ضمنا وعلانية وسرا وجهرا، وهي أن ثمة تحالفا استراتيجيا يقوم بين الحكومة الحاضرة والولايات المتحدة الأميركية، وليس من الممكن فهم هذه السياسة إذا نظرنا إلى الأمر بوصفه علاقة بين مصر والولايات المتحدة الأميركية، لأن الولايات المتحدة ومعها إسرائيل شنت على هذه المنطقة من الحروب، ولا تزال تفعل، ما يجعلنا نراها عدوانا مستمرا من الجانب الأميركي الصهيوني علينا".
إمارة شرم الشيخ منزوعة السلاح المصري، فهي تقع في الجزء الشرقي من سيناء، وهذا الجزء بنص الاتفاقية المصرية الإسرائيلية، منزوع السلاح، وليس تحت سيطرة القوات المسلحة المصرية "فمحظور على مصر بموجب هذه الاتفاقية أن تتواجد فيها قوة من قوات مصر المسلحة، وهذا يعني أن أقرب القوات المسلحة لشرم الشيخ بحكم الوجود وبحكم إمكان الوجود الدولي المتاح هي القوات الإسرائيلية برا وبحرا وجوا"!
وفي هذا الإطار نفسه يلحظ البشري "أن نظام الحكم في الدولة بما يعقد من حلف استراتيجي مع العدو الاستراتيجي يكون قد سلم قيادة الدولة لهذا العدو الحليف، ويكون قد تنازل عن سيادة الدولة وعن وظيفتها التاريخية، ويكون قد أفقد بلاده استقلالها، مما يجعل آلة الدولة تتحرك إلى ما يحقق الإضرار الوطني بدلا من الصالح الوطني، وبما يجعلها تحقق الصالح الأجنبي وتنصاع له وتعبر عنه وتحميه ضد معارضة شعبها ومقاومته".
ويلفت البشري إلى أن علم الاستبداد والطغيان في مصر قد اكتشف اكتشافات عجيبة واخترع مخترعات أعجب تضمن له هيمنة على كل شيء. يقول عن هذه الاكتشافات والمخترعات "هو لكي يمارس نشاطه من دون أن يعد ذلك عدوانا على الحقوق أو انتهاكا للحريات أو مخالفة للقوانين، أصدر من القوانين واتبع من السياسات ما يجعل الأصل هو المنع، وليس الأصل هو الإباحة، فالصحف الأصل ألا تصدر إلا بموافقته، ثم يسمح بها في الواقع دون ترخيص، فإن أراد منعها طبق عليها القانون، والأحزاب الأصل أنها ممنوعة ثم يسمح بأنشطة فعلية فإن خالفت هواه طبق عليها القانون ووقفها، والأنشطة التي تجري يتركها تجري وهي غير مشروعة، فإن خالفت هواه أعمل القانون على أي نشاط. بالمثل اصطنع هذا الصنيع مع رجال الدولة في مستوياتها العليا، فجعل القانون الأصل فيه التأقيت، والأصل هو عدم الوجود، ثم يكون الوجود صادرا عن سماح بمشيئته".
ويؤكد البشري أن المستبد يلزم نفسه باستبداده بأكثر مما يلزم الآخرين به، فما من مستبد إلا ويكون أسير استبداده، فلا يستطيع أن يخرج منه لأنه لا يتصور نفسه كأحد الناس، ولأنه لا يدري ما يفعل به عندئذ، و"لم نعرف مستبدا أنهى استبداده بإرادته، ولا عرفنا مستبدا جدد نظامه بإرادته، ولا عرفنا فسادا انتهى من تلقاء نفسه، ولابد من قوة تفعل ذلك من خارج أركانه الرئيسية المشخصنة، والتي تمثل فعاليات الوضع القائم وأركانه، أي قوة من خارج الأطر التنظيمية التي أحاط بها النظام القائم نفسه باسم القانونية والشرعية