كشف المكائد في تفسير "سورة النصر"
بسم الله الرحمن الرحيم
"إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً".
خلاصة أقوال المفسرين:
إذا جاء نصر الله- على أعدائك والفتح- فتح مكة، فيدخل الناس أفواجاً في دين الإسلام- بشر الله نبيه (ص) بفتح مكة، وتحققت البشارة وفيها معجزة لأنها إخبار بالغيب.
أقول: هناك مؤامرة واضحة الخطوط رسمت خطوطها بعيد وفاة الرسول (ص)على هذه السورة ومدلولاتها الشمولية وإليك الأدلة التاريخية واللغوية على ذلك:
أ. التناقض في أقوال المفسرين في نفس التفسير لكل واحد منهم، إذ ذكر كل منهم قضيتين في تمام التناقض بشأن هذه السورة:
الأولى: أنها بشارة بفتح مكة وإخبار بغيب قد تحقق.
الثانية: أنها نزلت بعد فتح مكة بأكثر من سنة! وهو مثبت في كثير من المصاحف.
فكيف تكون البشارة متأخرة عن البشرى بأكثر من سنة؟ ولا تختلف التفاسير المختصرة التي توضع في هامش المصحف عن ذلك، وهو من أعجب وأغرب حالات الذهول عن الحقائق.. ففي أعلى السورة وفي جميع المصاحف الحديثة والقديمة مكتوبة العبارات التالية:
"سورة النصر ثلاث آيات مدنية نزلت بعد التوبة" مصحف عثماني حديث.
"سورة النصر ثلاث آيات نزلت بعد التوبة مكية" مصحف عثماني قديم.
"سورة النصر ثلاثة آيات وهي آخر السور نزولاً" مصحف عثماني/بيروت.
ومع ذلك يكتب المفسرون بجانب ذلك وعلى نفس الصفحة إنه بشارة بفتح مكة! وإن هذه البشارة قد تحققت! وقد أوضحنا لك بإيجاز ما تضمنته سورة التوبة وأنها نزلت بعد فتح مكة بأكثر من سنة.
ب. إن أهمية السور عند الله واحدة، بغض النظر عن طولها، فالسور القصار تتضمن رموزاً وعلوماً كالسور الطوال.ولا أدل على ذلك من هذه السورة إذ نزلت بعد التوبة الطويلة، فقد كان بإمكان الوحي درج الآيات الثلاث مع التوبة وينتهي الأمر فلماذا جعلها سورة مستقلة؟ ذلك لأنها نزلت بعد التوبة التي هي الإعلان الأخير والبيان الختامي للرسالة كما أسلفناه والتي جاءت لكشف أفواج المنافقين بعد فتح مكة والتي أتفق الجميع على أنها الوحيدة التي أعلنت بنودها في الكعبة عند الحج الأكبر.
سورة النصر هي فعلاً بشارة بفتح ولكنه ليس فتح مكة الماضي بل فتح جديد لم يحدث بعد لتطمين النبي (ص) عل رسالته ودينه وللتعويض عما أصابه من ألم وانزعاج بعد فتح مكة ونزول سورة التوبة (الكاشفة والفاضحة) لأفواج المنافقين حسب تسميات السلف لها.
ج. الثابت أنها نازلة بعد فتح مكة فكيف يكون الخطاب والأخبار بصيغة المستقبل
"إذا جاء نصر الله والفتح"، فمن المؤكد أن النصر والفتح لم يكن آتيا ًوقت نزولها فكيف أصبحت تدل على الفتح القديم لمكة؟.
د. ذكرت بعض المصاحف أنها مكية، ويستحيل أن تكون مكية قبل الهجرة فلا بد أن تكون مكية بعد الفتح وعليه لا يمكن أن يكون الإخبار بعبارة إذا جاء نصر الله والفتح بصيغة المستقبل! منطبقة على فتح قديم؟.
هـ. الخطابات القرآنية عامة وشاملة لكل زمان ومكان وإذا كانت تشير إلى فتح مكة الماضي فالمفروض استخدام صيغة مثل "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً" 1/الفتح. بالزمن الماضي. لكن الأغرب من ذلك أن آية الفتح هذه فسرت هي الأخرى بفتح مكة رغم إنها نازلة قبل الفتح وبصيغة الماضي!؟.
قالوا: "إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً" هو وعد بفتح مكة والتعبير الماضي لتحققه وقيل هو الحكم وقيل هو صلح الحديبية! انتهى.
فانظروا كيف قلبوا الأمور كلها بالمقلوب،فصيغة سورة النصر المستقبلية تتحدث عن الماضي وصيغة آية الفتح التي بالماضي تتحدث عن المستقبل- ليجمعوا كل آيات الفتح حول فتح مكة الذي فتح (أبواباً للمنافقين).. فلا فتح بعده ولا فتح قبله!!
و. لم يفرح النبي (ص) بفتح مكة ولم يكن مسروراً به أعظم من سروره بفتوح أخرى أعظم منه، كما هو المأثور من أقواله في فتح خبير وفتح حصون اليهود التي لم يأمل حتى المسلمون بفتحها وجلاء اليهود.
قال تعالى: "هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار" 2/الحشر.
ومع ذلك فقد أدرج ذكر هذه الفتوح في سور أخرى ولم تعط له سورة مستقلة- بل حاول الشراح التقليل من أهميته.
لقد أستمر أهل مكة في محاربة الرسالة مدة عشرين سنة كاملة يجمعون الجموع لحرب النبي (ص) بكافة الوسائل، وأراد الأنصار الانتقام منهم يوم الفتح فعفا عنهم النبي (ص) وأبدل القائد بولده وقال (ص): (إذ هبوا فأنتم الطلقاء) مما هو مفصل في التاريخ- فكيف يسميهم الله تعالى "أفواجاً" داخلين في دين الله ويسميهم الرسول "طلقاء" وكيف يمتدحهم الله ويذمهم رسوله وعلام إذن سورة التوبة وإعلان بنودها على رؤوسهم في الحج الأكبر؟
ز. الطبراني في معجمه الكبير ذكر حادثة نزول سورة النصر برقم 2676/جـ2 وفيه أنه لما أنزلت قال النبي (ص) "يا جبريل نفسي قد نعيت" فقال جبريل (ع): الآخرة خير لك من الأولى وساق الحديث بتمامه ثم قال: ثم مرض رسول الله (ص) من يومه فكان مريضاً ثمانية عشر يوماً يعوده الناس- ثم قبض".
يدل الحديث على أن سورة النصر هي آخر ما نزل من السور بينها وبين وفاته (ص) ثمانية عشر يوم لا غير، وفي ذلك دلالة قاطعة على أنها السورة المقابلة لسورة التوبة التي تتضمن الفتح العظيم والنصر الكبير على يد المهدي (ع) وهو ما لم يتحقق للآن.. فكانت أعظم بشارة للنبي (ص) بشره بفتح الأرض كلها ودخول الناس كافة إلى دينه.
ح. اعترض الصحابة على دخول عبد الله بن عباس على الخليفة عمر بن الخطاب وهو شاب وقالوا (في أولادنا من هو مثله) فأراد إثبات مقدرته العلمية فأجرى اختباراً بينه وبين الصحابة إذ سألهم عن سورة النصر فيم نزلت فقالوا: "الفتح فتح مكة ونعيت للنبي (ص) نفسه" وسأل ابن عباس فقال ليس كما قالوا، قال فما تقول قال: "نعيت للنبي نفسه والفتح فتح مكة"! وبذلك يفوز ابن عباس في الاختبار ويؤيده الخليفة. أورد ذلك الطبراني في المعجم الكبير.(1) لم يفعل ابن عباس شيئاً سوى أنه قلب الترتيب! بمعنى أن سورة النصر نزلت لتنعى النبي (ص) نفسه وتبشره بفتح مكة، وما دام النعي بعد الفتح القديم فلا بد من فتح جديد، وإلاّ يسقط موضوع المحاورة والاختبار عن كل اعتبار، ومن المعلوم أن جلساء الخليفة من قريش، لا يعجبهم تفسير كهذا. أورد ذلك الطبراني في معجمه الكبير وغيره(2).تشير هذه المروية إلى أهمية هذه السورة من جهة وإلى قدم المحاولات والمؤامرات لتحجيم معانيها الشمولية والعالمية وتضمنها الوعد الإلهي بهيمنة الدين على سائر الملل وفي كافة بقاع الأرض، ولذا تمكن الخليفة حينما صرح عدة مرات بشأن ابن عباس- تمكن من البرهنة على أعلميته، باستخدام ورقة بالغة الخطورة على أولئك الجلساء عنده.. فلم يكن ذلك في حقيقة الأمر برهاناً على الأعلمية بقدر ما هو تهديد واضح.. لأولئك الذين يعترضون على أمور تافهة في صلاحيات الخليفة هي ليست شيئاً مذكوراً تجاه الأمور البالغة الخطورة التي يتمكن الخليفة ساعة يشاء أن يكشفهم بها!.
الخطورة تكمن في معرفة القائد الذي يكون على يده الفتح والنصر الإلهي بعد أن أكد المفسر الشاب أن الفتح بعد النعي أي بعد وفاة صاحب الرسالة (ص). فهو اتهام واضح للجالسين أو الذين من بعدهم في دينهم بحيث يحتاج الأمر إلى فتح جديد!.
وما كان لابن عباس كما هو واضح أن يقلب المعادلة هكذا أمام من سماهم أشياخ بدر لو لم يتسلم من الخليفة الضوء الأخضر الذي عبر عنه تعبيراً في غاية الوضوح ورد في نص الطبراني وهو "فدعاهم ذات يوم ودعاني وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني.." بإمكاننا أن نضيف عبارة (ما يسؤوهم) بعد كلمة مني فيتم المعنى الذي ذكرناه.
لكن المؤامرة في الواقع لم تكن خاصة بسورة النصر والفتح فقط، بل طالت كل فتح مذكور في القرآن.. حيث جعلوا هذا المصطلح يعبر عن حادث يقع يوم القيامة.. فلننظر في آية الفتح التي في سورة السجدة