جعبة الذكريات
الأيام تسير ببطء شديد .. واليوم ينبئ عن قدوم أيام قاسية البرودة ..
و مع أول خيط يدخل حجرته ينهض في همة كعادته.. وكأنه في حالة الاستعداد للتمارين العسكرية ولكن أعضائه تخونه ..
المفاصل تُصدر أصواتاً كفرقعة الذرة عند وضعها علي النار .. طقطقةَ مفاصله تُحدث ضجيجا نفسيا له ..
يناجى عظامه.. فترد عليه بمزيد من الطقطقات وكأنها تلومه علي السنوات الفائتة .. فقد أخذته حياة العسكرية من الاستمتاع بشبابه كباقي أقرانه..
ينظر من النافذة يري كلبه المفضل "توشي" يعيده إلي أيام كانت تعج بالنشاط والأفكار والمناورات .. كلبه الذي أحيل للمعاش هو الأخر وصار عجوزا بعد أن أبلي بلاءً حسنا في الخدمة..
يشير اللواء "رضوان" بإصبعه لكلبه .. فيهب "توشي" مسرعا برغم الوهن الذي أصابه .. فينفض أيام العمر التى أثقلت أعضائه .. ويجري إلي صديق عمره ليلبي النداء.. يقابله في لهفة العشاق .. ينظر اللواء إلي كلبه نظرة حنان ويُربت علي ظهره .. فتتقاذف الحكايات الطريفة لذهنه مع كلبه الوفيّ .. تذكر ذلك اليوم الذي كلفوا فيه "توشي" بزرع لغم في قاعدة من قواعد الأعداء .. فقد اشتهر "توشي " بالقيام بتلك العمليات بمهارة فائقة.. في ذلك اليوم لبس توشي الحزام الناسف وتتدرب علي فكه ببراعة.. وطريقة زرعه وتفجيره.. وعودته سالما دون أن يمسه سوء..
وفي مثل هذا الصباح البارد تم تكليف "توشي" بمهمة صعبة .. لزرع لغم في منطقة عسكرية هامه لدى العدو..
كان العدو متحفزا لإغراء توشي وضمه إليهم وإفشال الخطة..
خرج توشي بكل همه حاملا ذلك الحزام الناسف .. وكله ثقة في العودة بسلام .. فهو الخبير في هذا الشأن بلا منازع..
الكل ينتظر عودة البطل ولكن هذه المرة طال غياب "توشي" مما جعل الكل في حالة قلق عليه .. تأخذهم الوساوس بانفجار اللغم في توشي أو انه أُسر .. أو .. أو !!
غابت الشمس وتوشي لا خبر له!!
فكروا بأن يرسلوا كلبا آخر للبحث عنه ..
ولكن بعد قلق وحيرة لاح خياله من بعيد ..
اقترب .. اقترب
تهللت الأسارير وشقت الابتسامة الوجوه من الفرحة بعودة الكلب "توشي" وليس عودته وحده بل ومعه كلبة شهيرة .. من أجمل وأمهر الكلاب المدربة علي الأعمال الحربية ..
فقد تنبه الأعداء لتوشي بعد ان قام بعدة عمليات ناجحة ضدهم .. وقرروا أن يضموا ذلك الكلب الماهر إلي كلابهم المدربة .. فكروا بطريقتهم الدنيئة أن يصطادوه بإرسال كلبة من نفس فصيلته .. مدربة هي الأخرى بشكل جيد علي اصطياد الكلاب وإخضاعهم لإرادتها..
وفهم الجميع سبب غياب توشي .. وخطتهم التى أحبطها توشي بمهارة .. كما أدركوا ان توشي كان في محاورة ومداورة مع تلك الجميلة .. التى انتصر علي طغيانها .. وعاد بها منتصراً مظفراً.. بعد محاورة ومداورة بينه وبين كلبته الجميلة .. كادت أن تجذبه .. بإغراء المتمكن .. وتقوده إلي حيث تريد .. ولكنه أثناها عن عزمها .وجذبها بحنكة لتكون معه ..
هلل الجميع لقدوم توشي بعروسه الجميلة التى أصبحت هدية من الأعداء.. صفق الجميع فرحا به.. وأقاموا له عرساً تتحاكى به الأجيال .
ابتسم اللواء "رضوان" وكافأ كلبه الغالي مرة أخري بقُبلة رقيقة .. فهو الآن رفيق عمره .. وسر ابتسامته وجعبة ذكرياته ومصدر فخره.