من هم " أولاد الناس " ؟
=-=-=-=-=-=-=-=-=-
اشتهر مصطلح أولاد الناس في العصر المملوكي ، وقد أطلق هذا المصطلح علي أبناء المماليك الذين ولدوا علي أرض مصر ، ولم يجلبوا إليها مع النخاسين أو بيعوا في الأسواق ..
ومن هنا كانوا يحتلون مكانة أدني من مكانة المماليك ذاتهم ، فقد كانوا ينصرفون تماماً عن الحياة العسكرية والسياسية التي يعيش آباؤهم تحت ظلالها ومعهم غيرهم من المماليك ، ورغم اختيارهم للعيش في سلام ودعة إلا أن البعض منهم ساهم في الحياة الثقافية في تلك الأونة ، وقد بزغ من نجومهم الكثير من المؤرخين ذوي الشأن الكبير في الحياة المصرية ، منهم علي سبيل المثال :
ـ ابن أيبك الدوادار " أبو بكر بن عبد الله بن أيبك الدواداري وهو صاحب كتاب " الدرة الزكية في أخبار الدولة التركية " وهو الجزء الثامن من حوليته " كنز الدرر وجامع الغرر " ، وكتاب الدر الفاخر في سيرة الملك الناصر " وهو الجزء التاسع من كتاب " كنز الدرر وجامع الغرر ".
ـ خليل بن شاهين الظاهري " غرس الدين خليل بن شاهين الظاهري ـ ت 827هـ ـ وهو صاحب كتاب " زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك ـ طبع في باريس عام 1894م .
ـ صارم الدين بن دقماق " صارم الدين ابراهيم بن محمد بن أيدمر العملائي ـ ت 809 هـ ـ وهو صاحب كتاب الإنتصار لواسطة عقد الأمصار " نشر جزئيه الرابع والخامس " فولر " مطبعة بولاق 1314هـ .
ـ ابن تغري بردي " جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي الأتابكي ـ ت 874هـ ـ وهو صاحب كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ـ 16 جزءاً ـ وكتاب منتخبات من حوادث الدهور في مدي الأيام والشهور ـ أربعة أجزاء .
ـ ابن إياس " أبو البركات محمد بن أحمد بن إياس الحنفي المصري ـ ت 930هـ ـ صاحب كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور " وكتاب " نشق الأزهار في روض المعطار ".
وعن المكانة الإجتماعية لأولاد الناس تؤكد الحقائق بأن المماليك لم تكن لهم تلك الحياة الأسرية التي نعرفها بأن الأسرة هي كيان من كيانات المجتمع ولبنة من لبنات ذلك البناء الإجتماعي ، بل اعتمد وجودهم في الأساس علي قوتهم الذاتية ، فقد كان لكل أمير من أمرائهم عالمه الخاص ، يتجلي ذلك مثلا في المماليك الذين يتبعونه فهم سنده وعدته وعتاده في نفس الوقت استعداداً منه وتحسباً لأي صراع قد ينشأ مستقبلاً بينه وبين غيره من الأمراء ، ومن هنا كان الأمراء يبذلون قصاري جهودهم في سبيل العناية بمماليكهم ورعايتهم التامة علي اكمل وجه ، لدرجة أن الأمير قد لا يتناول طعامه دون دعوة مماليكه معه ، وكان يغضب ممن لا ياكل عنده منهم .
ومن هنا نجد أن بعض المماليك لم يكن لديهم الوقت الكافي لرعاية أبنائهم ، فينشأ هؤلاء الأبناء بين الحريم بعيدين تماماً عن الأجواء التي يعيش فيها الاباء ، وكان هناك تعبيراً دارجاً يطلق علي أصحاب هذه النشاة وهو يدل علي أنهم تربوا في " حجور النساء ".
أما عن كيفية تمضية " أولاد الناس " لأوقاتهم ، فقد كانوا يقضونها في ممارسة بعض الألعاب والرياضات كالفروسية ولعب الكرة ورمي الرمح والنشاب وما إلي ذلك ، أو يبدأون في الاختلاف إلي مجالس العلم كما كان بعضهم ينضم إلي الحلقة ليكون من جنود الجيش المملوكي .
وكانت لتلك الثروات التي يرثونها عن ذويهم أو الإقطاعات التي كان السلاطين يمنحونها لهم تكفل لهم العيش في رغد وهناء وحياة متنعمة ، ويمكن القول بأنهم من الطبقة الحاكمة وإن عاشوا علي الهامش منها .
ولكن ليست الحياة هي الرغد والدعة والهناء فقط ، فقد حدث أن تعرض " أولاد الناس " لعدة متاعب في خلال الفترات التي كانت دولة المماليك تعاني تدهوراً أو إضمحلالا ، فكما يذكر ابن الصيرفي ( علي بن داود الجوهري )في كتابه " إنباء الهصر بأناء العصر " بأن السلطان قايتباي في سنة 873هـ لم يستطع الإنفاق علي أصحاب الجوامك منهم فقد العزم علي اختبارهم بنفسه لإرسالهم في احدي الحملات أو مطالبتهم ببدل نقدي فامتنع البعض منهم وادعي علي حد قولهم بأن " غالبهم ما يملك عشاءه ، ولا فرساً يركبه ، ولا بدلة يلبسها ثانية غير ماهو لابسه إن لم يكن استعاره "..
ورمي البعض منهم بـ " جامكيته" أي تازل عن مكانته ووظيفته ولم يقبلوا من قايتباي ذلك ..
وسبحان من له الدوام ..