وفاء لذكري رجل كريم أخطأه التوفيق ولكنه قام وحده من غير معين بسلسلة من الأعمال التي تدل علي البطولة ، مبرهناً بذلك علي أنه يمكن استخدام طريق للبريد يخترق مصر وطريق للمواصلات بين نصفي العالم الشرقي والغربي ، وكان هو الرائد الأول للتجارة البحرية العظيمة التي تنقل عبر مصر وهي التجارة التي أكملتها القناة بين البحرين "
هذه العبارة أمر المهندس فردينان دي لسبس بكتابتها تحت تمثال نصفي أقامه لضابط إنجليزي اسمه " توماس واجورن" عند مدخل مدينة بورتوفيق وقد أوحي "دي لسبس " للجميع بأنه أقام هذا التمثال من " باب الوفاء " علي حد قوله ..
وبقراءة سريعة لسر هذا الإهتمام بـ " مجرد ضابط" في وقت لم يكن " دي لسبس " يسعي لمجرد ذكر أي فضل لأحد عليه، والحقيقة أن دور هذا الضابط رأي " دي لسبس " فيه أنه قدراً كبيراً من بذل الجهد الخارق الذي أدي لتوجيه الأنظار نحو أهمية إقامة طريق بري يوصل بين القاهرة والسويس وتسهيل طريق المواصلات بين إنجلترا وأهم مستعمراتها في الهند ..
ظل جهد ونشاط " توماس واجورن " ماثلاً في ذهن " دي لسبس " لا يغيب عنه فوضعه نصب عينيه لأن تنظيم وإقامة مثل هذا الطريق عبر الأراضي المصرية الذي تبنته إنجلترا فيما بعد للوصول إلي الهند من شأنه أن يعود بالنجاح علي المشروع الذي يسعي للقيام به وهو حفر قناة السويس .
بالطبع لم يقم دي لسبس هذا التمثال حباً ووفاءاً لهذا الضابط كما قال ولا هياماً منه في حب إنجلترا ، بل أقامه نفاقاً وزلفي لإنجلترا وكسباً لثقتها في محاولة من ـ المناور الكبير ـ " الذي يعرف جيداً من أين تؤكل الكتف " ولأنه أدرك منذ الوهلة الأولي أن إنجلترا هي العميلة الأولي لشركة القناة في وقت كان مركز الشركة فيه مزعزعاً ومستقبلها غامضاً .
وعلي الرغم من حالة الوفاء التي اعترت الرجل وجعلت منه متدلهاً في حب ضابط مثل " توماس واجورن " ودولة تملك من أوراق اللعبة الكثير إلا أنه لم يعترف بحق شعب أبي كالشعب المصري قدم كل غالٍ ونفيس من الأرواح وألأموال والجهود الجبارة ، ولم يسع للوفاء له بحق ..
ومن العجيب أن الرياح غالباً ماتأتي علي غير ماتشتهي السفن " الربان " فردينان دي لسبس الذي كان ينتظر عودة الأمبراطورة أوجيني بعد المشاركة في حفل الإفتتاح الأسطوري للقناة الذي أقامه خديو مصر اسماعيل باشا لتقوم علي إزاحة الستار عن هذا التمثال في يوم 21 من نوفمبر 1869م عقب وصولها للسويس ، ولكن أوجيني في اللحظة الأخيرة فضلت في اللحظة الأخيرة القيام بزيارة منطقة " عيون موسي" بقرب مدينة السويس وهناك تأخرت عن العودة حتي المساء فلم تستطع إزاحة الستار ، وبقي التمثال في موضعه ، ولم يعد أحد يعرف عنه أي شئ ..
ـــــــــــــــــــــــ