مصطفى فارس مشرف القسم الدينى
17/5/2009 : 13/05/2010 العمر : 49
| موضوع: الصلاة ( خشوع ،اخلاص، مساواة ،شفاء ) الثلاثاء يوليو 20 2010, 09:33 | |
| الصلاة (خشوع؛إخلاص؛علاج،مساواة؛شفاء}
{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} الأنعام 162 ما معنى الخشوع في الصلاة ؟ وما هي أهميته فيها ؟ وهل البكاء والنحيب والصراخ في الصلاة من ذلك ؟ الخشوع في اللغة : الانخفاض والذل والسكون كما قال الله تعالى : {وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ} سورة طه 108 أي : سكنت وذلت وخضعت ، وخشوع القلب : هو لينه ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره ، إذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء ؛ لأنها تابعة له كما قال : «أَلا وإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهيَ القَلْبُ» البخاري ومسلم فإذا خشع القلب خشع السمع والبصر والرأس والوجه وسائر الأعضاء وما ينشأ منها حتى الكلام ، لهذا كان النبي يقول في ركوعه في الصلاة : «خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي» وفي رواية : «وما استقل به قدمي» إن الخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن استحضر عظمة ملك الملوك وأنه يناجيه ؛ ويخشى أن يردها عليه ، فيفرغ قلبه لها ويشتغل بها عما عداها ، ويؤثرها على ما سواها فتكون راحته وقرة عينه ، كما قال رسول الله : « وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» وقال لبلال : «أرحنا بالصلاة» والخشوع روح الصلاة ومقصودها ولبها ؛ لأنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها وحضر قلبه فيها ؛ لما روى أبو داود وغيره مرفوعًا : «إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلَّا عُشْرُهَا تُسْعُهَا ثُمُنُهَا سُبُعُهَا سُدُسُهَا خُمُسُهَا رُبُعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا» وقال ابن عباس رضي الله عنهما : «ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها» . وقد علق الله فلاح المصلين بالخشوع في صلاتهم ، فدل على أن من لم يخشع في صلاته فليس من أهل الفلاح بذلك ، ولو أجزأت صلاته حكمًا ؛ لأن تعطيل القلب من عبودية الحضور والخشوع تعطيل لملك الأعضاء عن عبوديته ، وعزل له عنها ، فماذا تغني طاعة الرعية وعبوديتها وقد عزل ملكها وتعطل وهو القلب كما في الحديث المتقدم ذكره : «ألا وإن في الجسد مضغة.. إلخ» ولقول الله تعالى : {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ(4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5)} الماعون وإذا تكلف الإنسان تعاطي الخشوع في جوارحه وأطرافه مع فراغ قلبه من الخشوع وخلوه كان ذلك الخشوع نفاقا ، وهو الذي كان السلف يستعيذون منه كما قال بعضهم : استعيذوا بالله من خشوع النفاق ، قالوا : وما خشوع النفاق ؟ قال : ترى الجسد خاشعًا والقلب ليس بخاشع . ونظر عمر رضي الله عنه إلى شاب قد نكس رأسه فقال له : «يَا صَاحِبَ الرَّقَبَةِ ، ارْفَعْ رَقَبَتَكَ ، لَيْسَ الْخُشُوعُ فِي الرِّقَابِ ، إِنَّمَا الْخُشُوعُ فِي الْقُلُوبِ» . وأما النحيب والصراخ في الصلاة من غير خشية لله تعالى فإنه مبطل للصلاة ، وقد يفعل هذا بعض الناس في شهر رمضان عند دعاء ختم القرآن ، وكذلك عند دعاء القنوت في الصلاة ، وهذا لا يجوز ، إلا ما غلب على المصلي من بكاء ؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ : «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنْ الْبُكَاءِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ والله تعالى أعلم.
الصلاة عمود الدين
مما اشتهر على لسان كل مسلم , ووقر في قلبه أن الصلاة (عمود الدين) , والحق أنها كذالك , فقد جعلت الحد الفاصل بين الاسلام وغير الاسلام , ولم يعطيها الاسلام هذه الصفة ويجعلها عمود الدين وذروة سنامه إلا لمكانتها السامية , وجلال قدرها وعظيم اهميتها عند الله ورسوله . فقد امرنا االله تبارك وتعالى بالمحافظة عليها فقال : {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} البقرة 238 وقال رسول الله : (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ الصَّلَاةُ ؛ قَالَ : يَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَزَّ لِمَلَائِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ : انْظُرُوا فِي صَلَاةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً ؛ وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ قَالَ أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى ذَاكُمْ) أبو داود والنسائي وابن ماجه وقد جعل الله الصلاة طريق الفوزوالفلاح والسعادة والنجاح في العاجل والاجل بقوله تعالى : {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ(1)الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ(2)} المؤمنون
التاثير النفسي للصلاة
الصلاة الكاملة المبنية على الخشوع والخضوع تنير القلب وتهذب النفس , وتعلم اداب العبودية , وواجبات الربوبية لله عز وجل بما تغرسه في قلب صاحبها من جلال الله وعظمته , وانها لتحلى المرء وتجمله بمكارم الاخلاق كالصدق والامانة ,القناعة ,والوفاء,والحلم , والتواضع ,والعدل ,والإحسان, وتسمو بصاحبها وتوجهه الى الله وحده فتكثر مراقبته لله .وخشية من الله .حتى تعلو بذالك همته , وتزكو نفسه فيبتعد ويسمو عن الكذب والخيانة والشر والغدر,والغضب الكبر , ويترفع عن البغى والعدوان والدناءة والفسوق , والعصيان ,فيحقق بذالك قول الله تبارك وتعالى في الصلاة : (اُتْلُ مَا أُوحِيَ إلَيْك مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلَاةَ إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} العنكبوت 45
في الصلاة شفاء القلوب
والصلاة :صورة وروح , فصورتها عبادة الأعضاء , وروحها عبادة القلب , وهي : رياضة بدنية , وروحية , يشرق قلب صاحبها ووجهه بالأنوار الإلهية , وتسمو بها روحه ؛ وهي : الصلة بين العبد وربه . وإقامتها من أكبر علامات الإيمان وأعظم شعائر الدين وأظهر ايات الشكر لله على نعمه التي لا تحصى , وإضاعتها انقطاع عن الله تعالى ,وحرمان من رحمته , وفيض نعمة نعمه وجزيل إحسانه , وجحود لفضله تعالى والائه . والصلاة الصحيحة هي الدواء الشافي من أمراض القلوب وفساد النفوس , النور المزيل لظلمات الذنوب والاثام . عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول : {أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ} قالوا : (لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ) قال : {فَكَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا}
الوحدة والمساواة في الصلاة
في الصلاة يتجلى العدل والمساواة ,فإذا نادى المنادي : (حي على الصلاة حي على الفلاح) فأنما يدعوا كل من يسمعه ممن تجب عليهم الصلاة وفيهم الغني والفقير , الكبير والصغير ,والامير والمأمور , فإذا اجتمعوا وقفوا صفا واحدا ,لا تمييز ولا تفريق , فالكل عباد الله .احتمعوا في صعيد واحد , ليذكروا الله ويخشعوا له في بيت من بيوت الله : {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} الجن 18 ووقفوا وراء إمام متجهين إلى قبلة واحدة , يعبدون ربا واحدا لا شريك له , خاشعين خاضعين , خائفين من عذاب الله طامعين في رحمته , فلا جرم أن تنزل عليهم الفيوضات الربانية وتحبط بهم الرحمات الإلهية . عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ : قال رَسُولَ اللَّهِ : (أَمَّا رَأْسُ الْأَمْرِ فَالْإِسْلَامُ مَنْ أَسْلَمَ سَلِمَ ، وَأَمَّا عَمُودُهُ فَالصَّلَاةُ ، وَأَمَّا ذِرْوَةُ سَنَامِهِ فَالْجِهَادُ) ان أَعْظَم الناس أَجرًا في الصَّلاةِ أَبْعَدُهُمْ إِليْها ممْشًى عن أَبي هريرةَ رضيَ اللَّه عنهُ أَنَّ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « مَنْ غَدا إِلى المسْجِدِ أَوْ رَاحَ ، أَعَدَّ اللَّه لهُ في الجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ » متفق عليه . وعنهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : «مَنْ تَطَهَّرَ في بَيْتِهِ ، ثُمَّ مَضى إِلى بيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ ، لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرائِضِ اللَّهِ كانَتْ خُطُواتُهُ إِحْدَاها تَحُطُّ خَطِيئَةً ، والأُخْرى تَرْفَعُ دَرَجَةً » رواه مسلم . وعن أُبَيِّ بن كعْبٍ رضيَ اللَّه عنه قال : كانَ رجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ لا أَعْلم أَحدًا أَبْعدَ مِنَ المسْجِد مِنْهُ ، وَكَانَتْ لا تُخْطِئُهُ صَلاةٌ ، فَقيلَ له : لو اشتَريْتَ حِمَارًا لِتَرْكَبَهُ في الظَّلْمَاءِ وفي الرَّمْضَاءِ . قالَ : ما يَسُرُّني أَنَّ مَنْزلي إِلى جنْبِ المَسْجدِ ، إِنِّي أُريدُ أَنْ يُكتَب لي مَمْشاي إِلى المسْجِدِ ، وَرجُوعِي إِذا رَجَعْتُ إِلى أَهْلي . فقالَ رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «قَدْ جَمَع اللَّه لكَ ذَلكَ كُلَّه» رواه مسلم . وعن جابرٍ رضيَ اللَّه عنهُ قال : خَلَتِ البِقَاعُ حَوْلَ المسْجِد ، فَأَرادَ بَنُو سَلِمَةً أَنْ يْنتقلُوا قُرْبَ المَسْجِد ، فَبَلَغَ ذلكَ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقالَ لهم : «بَلَغَني أَنَّكُمْ تُريدُونَ أَن تَنْتَقِلُوا قُرْبَ المَسْجِد؟ قالوا : نعم يَا رَسولَ اللَّهِ قَدْ أَرَدنَا ذَلكَ ، فقالَ : «بَنِي سَلمَةَ ديارَكُمْ تُكْتَبْ آثارُكُمْ ، ديارَكُمْ تُكْتَبْ آثارُكُمْ» فقالوا : ما يَسُرُّنَا أَنَّا كُنَّا تَحَولْنَا} رواه مسلم وعنْ أَبي موسى رضيَ اللَّه عنه قالَ : قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «إِنَّ أَعْظَم الناس أَجرًا في الصَّلاةِ أَبْعَدُهُمْ إِليْها ممْشًى فَأَبْعَدُهُمْ . والَّذي يَنْتَظرُ الصَّلاةَ حتَّى يُصلِّيها مَعَ الإِمامِ أَعْظَمُ أَجراً مِنَ الذي يُصلِّيها ثُمَّ يَنَامُ» متفقٌ عليه وعن بُرَيدَةَ رضي اللَّه عنه عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : «بشِّروا المَشَائِينَ في الظُّلَمِ إِلى المسَاجِدِ بِالنور التَّامِّ يَوْمَ القِيامَةِ» رواه أبو داود والترمذي وعن أبي هريرةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ أَنَّ رسول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : «أَلا أَدُلُّكُمْ عَلى مَا يمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا ، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ قَالُوا : بَلى يا رسولَ اللَّهِ . قَالَ : «إِسْباغُ الْوُضُوءِ عَلى المَكَارِهِ ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلى المَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بعْد الصَّلاةِ ، فَذلِكُمُ الرِّباطُ ، فَذلكُمُ الرِّباطُ» رواه مسلم
عندما يهبك الله الهدى ويغرس فيك بتلات الدين .. فإنّه يحبك ! أفنحن نحب الله ؟! وإذا كنّا نحبّه فهل نحن مخلصون ! مخلصون في حبّه .. في طاعته .. في اتباع أوامره سبحانه .. في اجتناب نواهيه عزّ وجلّ .. {قُل إنِّي أمرتُ أن أعبُدَ الله مُخلِصًا له الدّين} الزمر 11
الإخلاص
انبِعاثُ القلبِ إلى جهة المطلوبِ التماسًا .. وإغماض عَين الفؤاد عنِ الالتِفاتِ إلا له .. سرٌ بين الخالقِ وعبده .
الإخلاص
إفرادُه وحده بِالقصد في كل تصرّف.. وتخليصُ النيّة مِن فسادها .. كان سفيان الثوري يقول : "ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نيتي لأنها تتقلب علي"
الإخلاص
ألّا تَرى عينك غيره .. ولا تطلبَ شهيدًا إلا هو .. وكفى بالله شهيدًا . {أَوَّلُ النَّاسِ يُقْضَى لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ؛ قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ : قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ ؛ قَالَ : كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِيُقَالَ فُلَانٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ؛ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ ؛ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ؛ قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؛ قَالَ : تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ ؛ قَالَ : كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ؛ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ ؛ وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ؛ فَقَالَ : مَا عَمِلْتَ فِيهَا ؛ قَالَ : مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ كَمَا أَرَدْتُ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ ؛ قَالَ : كَذَبْتَ وَلَكِنْ لِيُقَالَ إِنَّهُ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ؛ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ فَأُلْقِيَ فِي النَّارِ} رواه النسائي
يا رب أعذنا
إنّ الأعمال لا تتفاضل بصُوَرِها وعددها ، وإنّما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب ، فتكون صورة العَمَلَين واحدة وبينهما كما بين السماء والأرض .. فها هي الطّاعات بلا إخلاص ولا صدقٍ مع الله لا قيمة لها ولا ثواب فيها .. بل وأصحابها كُبّوا في جهنّم وأعمالهم عظام .
فيا رحيم ارزقنا الإخلاص
ونعود لنقطة البدء ..
الله يحبّنا فقد أودع بنا الإخلاص سِلاحًا غُيّب في زمنٍ نحن أحوج فيه إلى القوّة .. سلاحٌ للمؤمنين يَقيهم الهمّ والحزن واليأس والضياع والضعف والخيبة .. مفتاح لسعادة روحيّة وراحةٍ نفسية .. {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } الفتح 18 لقد علم الله ما في قلوبهم من الإخلاص .. وصدق النية والوفاء .. فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً .. طمأنينة تغشّاهم .. وثباتًا على ما هم عليه من دينهم . وقد ضرب الله مثلاً لحال المُوحّدين المخلصين ، وبيّن سبحانه كيف يُثمر الإخلاص في نفوسهم اطمئناناً وسكينة وراحة ،
تخيّل أن هناك عبدين الأوّل .. له سيّد واحدٌ عرف ما يرضيه وما يسخِطه .. فجَعل همّه كلّه إرضاء سيّده واتّباع ما يحبّ .. والثّاني .. يملكه شُركاء متشاكسون .. كلّ واحدٍ يأمرُ بِخلافِ ما يطلبُ الآخر .. فتأكله الحَيرة ؛ أيُرضِي ذا أم ذاك ؟ فهل يستَويان ؟ ألهما نفسُ الرّاحةِ والطَمأنينة في أبدانهم . أتُظِلّ قلبيهِما نفس السكينة !! كلّا وربّي .. فأوّلٌ سعِيدٌ ، وثانٍ مشَتّت شاقٍ .. لا يستَويان . {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلاً فيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لهَ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} الزمر 29 ولله المثلُ الأعلَى ؛ فَكلما قلّ الإخلاص في القلب قلّت السكينة وضاعتِ الطمأنِينة فتضيعُ القلُوب وسطَ الظلام مهرْولةً وراء الدنيا ترضى عن ربها إن وهبت وتسخط بالعدم . قال ابن القيم : "الإخلاص والتوحيد شجرة في القلب ؛ فروعها الأعمال ، وثمرها طِـيب الحياة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة ، وكما أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك . والشرك والكذب والرياء شجرة في القلب؛ ثمرها في الدنيا الخوف والهمّ والغمّ وضيق الصدر وظلمة القلب، وثمرها في الآخرة الزقوم والعذاب المقيم .."
الإخلاص فرجٌ ونجاةٌ من الفواحش
{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} يوسف 24 ثمرةٌ مِن الثّمرات .. نزول الفرجِ مِن عِنده .. والنّجاةُ مِن الكرب والشّدة ! أنجاه الله من كيد امرأة العزيز .. لأنّه كان مخلِصًا !
الإخلاصُ قوةُ هِمّةٍ
{وَاذْكُرْ في الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً} مريم 51 ألك أن تنظُر إلى سيدنا موسى عليه السّلام كيف رفعَ الله قدره وأعلى مرتبته فجعله كليمه .. لأنّه كان مُخلصًا .. فذا الذي يطلبُ رِضا الله لنْ تقِف به همّتُه لهدفٍ دنيويّ من مالٍ وشهرةٍ ومكانة ! ولن ينكسِر مجدافُه أمام العقَبات ؛ لأنّه ينظُرُ لِما هُو أبعد مِن الدنيا ؛ فهو يرى الله ؛ فَيُنسيه ذاكَ رُؤيَة غَير النّور ؛ كيف لا وهو يطمعُ بثَواب هناك .. ثوابٍ لا ينقطِع .
أتريد أن تحبّ الله ؟
رَبّ ذاتَك على الإخلاص ؛ قم بجَوف ليلٍ ركعاتٍ لا يعلمُها إلّا هُو ؛ أخفِ عن شِمالك ما أنفقته يِمينك ؛ كنْ في حركَتِك وسكُونِك ، في سِرّك وعَلانيّتك لله ، لا تُحدّثك نفسٌ ولا هَوى ولا دنيا . وبإذن الله تحقق المقصد الأسمَى والمُراد الأعلَى . واعلم أنّ الله يحبّك فلا تكن أعمى.. وأَوْجِد حبّه بالإخلاص له . رَزقَنِي الله وإيّاكُم الإخلاص !
ليس أشقى من المرائي في عبادته ، لا هو انصرف إلى الدنيا فأصاب من زينتها ، ولا هو ينجو في الآخرة فيكون مع أهل جنتها
| |
|