فاضلة عمارة.. وزيرة فرنسية مسلمة مثيرة للجدل

17/5/2009

أثارت الوزير الفرنسية جزائرية الأصل فاضلة عمارة أجواء من الجدل لدى الأوساط السياسية والثقافية في باريس، منذ أول يوم وطأت فيه قدميها قصر الاليزيه، وارتبط اسمها بعدد ليس بالقليل من الإشكاليات داخل وخارج فرنسا، إلى أن وصفتها صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية بـ "المرأة البلدوزر"، على خلفية مواقفها السياسية والاجتماعية المتعصبة، التي كان آخرها رفضها ارتداء الحجاب والنقاب في دور التعليم الفرنسية رغم أنها تدين بالإسلام.

أصابت الدهشة الجماهير الفرنسية، عندما باغت نيكولا ساركوزي الجميع بتعيينه عمارة "43 عاماً في حينه" وزير دولة لسياسة المدينة، فكان الكل على قناعة بأنها امرأة صعبة المراس، إلا أن المقربين من قصر الاليزيه، ظنوا أنه يميل إلى تجديد سياسته من خلال وضع عناصر يسارية داخل حكومته اليمينية، وكان أول صدام بين ساركوزي ووزيرته الشابة نسبياً موضوع المهاجرين، فكانت ترفض موجات الهجرة ومنها العربية المسلمة إلى بلادها، ونادت قبل ذلك من خلال المنظمات والجمعيات، التي ترأستها قبل توليها الحقيبة الوزارية، وعارضت في الوقت ذاته سياسة ساركوزي، الرامية إلى تحليل الحامض النووي لكل شخص يطلب الهجرة إلى فرنسا، لمعرفة ما إذا كان ينتمي بصلة قرابة للمهاجرين القدامى في هذا البلد من عدمه.

ميول يسارية

رغم أن فاضلة عمارة تدين بالإسلام، إلا أن ميولها اليسارية وأيدلوجيتها تختلف نسبياً مع المبادئ التقليدية لديانتها، فلم يكن سراً رغبتها في إدراج تدريس الكارثة النازية "الهولوكوست" في مقررات دور التعليم الفرنسية بمراحلها المختلفة في الوقت الذي عارض فيه الرئيس الفرنسي نفسه ذلك، ولم يكن خافياً أيضاً إعلان وقوفها إلى جانب السياسة الإسرائيلية، وإشارتها خلال زيارة قامت بها مع وفد نسائي فرنسي للدولة العبرية، أنها لم تلتمس أي تفرقة عنصرية في إسرائيل سواء بين عرب 48 واليهود، أو بين اليهود والشعب الفلسطيني، واصفة إسرائيل بأنها دولة ديموقراطية من الطراز الأول، كما صبت جام غضبها على الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد، ورفضت الدعوات التي تنطلق الفينة تلو الأخرى من طهران ضد إسرائيل.

ويبدو وفقاً لدوائر سياسية في باريس، أن هذه المعطيات ساهمت في إقبال الرئيس الفرنسي على تعيينها وزيرة في حكومته، فالرئيس الشاب حرص على تطبيق سياسته سواء الداخلية أو الخارجية، من خلال الاعتماد على كوادر مؤمنة بأهدافها، وبات جلياً أن عمارة كانت اللبنة الأولى لإرساء وتدعيم هذه السياسة، وذلك على الرغم من إعلانها أنها لن تضع لسانها في فمها، فما تشعر به تقوله على الفور، ولا تفكر في الكلمات إلا بعد انطلاقها من فيها، ولا تتورع أن تسُب سياسة الحكومة إذا شعرت أنها حادت عن الدور المنوط بها، ولعل ذلك هو ما جعل عدد ليس بالقليل من قيادات قصر الاليزيه يطالب بإقصائها من منصبها، وعدم إشراكها في أي دور سياسي رسمي حتى ولو كان هامشياً.

علاقات حميمة

تبلغ فضيلة عمارة من العمر 47 عاماً، وبحسب صحيفة "لبراسيون" الفرنسية تتمتع بعقلية متفتحة وضعتها، رغم صغر سنها وثقافتها المتواضعة، على رأس قائمة سيدات المجتمع الفرنسي، كما أنها تجمع بين متناقضات عدة في شخصيتها، ففي الوقت الذي تدين فيه بالإسلام تميل في نمط حياتها الشخصي والمهني إلى النهج العلماني، ويزيد من ذلك رفضها للهجة النصح والإرشاد، وتميل في أفكارها إلى نهج العقل والمنطق، الذي لا يقبل التأثر بالآخر، ولكن بشكل يبعد عن الاستبداد والديكتاتورية، ويبدو أن الفرنسيين يحبون ذلك إلى حد كبير، فبحسب نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته مجلة "لافوا" الفرنسية، لتحديد أفضل أعضاء الحكومة اليمينية الفرنسية، احتلت فاضلة عمارة المركز الرابع، وهو نفس المركز الذي وصل إليه وزير الخارجية الفرنسي بالغ الشعبية "برنار كوشنير" في الاستطلاع،

وعلى حد رأي المستطلعة آرائهم تتمتع عمارة بشخصية قيادية متطلعة إلى إجراء إصلاحات سياسية واجتماعية لم يسبقها إليها غيرها، كما وصفتها المجلة الفرنسية بأنها صاحبة النصيب الأكبر في تكوين علاقة حميمة بين الساسة في باريس ووسائل الإعلام المختلفة، وربما يعود ذلك إلى لباقتها وامتلاكها ثروة من المفردات اللغوية، التي لا تقل بأي حال عن أدباء وشعراء فرنسا المخضرمين.

صولات وجولات عدة قادتها فاضلة عمارة ضد الحكومة في باريس، خاصة في الوقت الذي تخالف فيه الوزيرة المتمردة - بحسب نعت مجلة "جالا" الفرنسية - النهج الذي وضعته الحكومة اليمينية خطاً عريضاً لسياستها منذ اليوم الأول لتشكيلها، ولا تتردد عمارة في أن تعلن ذلك أمام الجميع دون خوف أو مداهنة لأحد، وكانت العواصف التي تشنها على الحكومة بكرة وعشيا سبباً في مطالبة العديد من الكوادر السياسية بطردها من الحكومة، وحرمانها من الحقيبة الوزارية التي تمتلكها بتكليف من ساركوزي نفسه.

مواقف حادة

زاد موقف عمارة حدة وضراوة عندما اعتبرت أن النقد الذي تتلقاه من بعض أعضاء الحكومة، وساماً تضعه على صدرها لتتباهى به بين أقرانها، لدرجة أن العديد من الصحف الفرنسية وصفتها بأنها صاحبة الدور الأقوى تأثيراً على الرئيس ساركوزي، وجاء في صدر إحدى الصحف رسماً كاريكاتيرياً يعبر عن هذا التأثير، كما يعبر عن مطالبتها ساركوزي باحتياجات وزارتها بأسلوب فظ، يخلو من البروتوكولات والمقدمات المرعية عند الطلب إلى رئيس الدولة، وتقول العبارة المصاحبة للرسم الكاريكاتيري، الذي يجسد صورة لفاضلة عمارة والرئيس الفرنسي ما نصه :" هيا ساركوزي، لا تكن مماطلاً، أريد زيادة ميزانية وزارتي بنسبة 140%"، وعن ذلك وعن غيره من الأساليب المعروفة عنها تقول عمارة :" لا أحب المداهنة والنفاق، خاصة إذا كان ذلك على حساب المصلحة العامة، فإذا كانت الأمور على ما يرام، أكون رقيقة في أسلوبي ومعاملاتي مع الآخرين، حتى إذا اخطئوا في حقي، أما إذا كانت الأمور على غير ذلك، فلا يأمن احد عواقب تصرفاتي السلبية غير المحسوبة، قد أتسامح في حقي في كثير من الأحيان، إلا أنني لا أتسامح إذا كان هناك مس بالأخلاقيات والقواعد الأساسية للأداء الحكومي للدولة، بما يحول دون حقوق الآخرين".

ووفقاً لصحيفة "لوفيغارو" الفرنسية ولدت فاضلة عمارة قبل 47 عاماً في إحدى ضواحي منطقة "كلرمون- بران" الواقعة في وسط فرنسا، نشأت عمارة في أسرة تضم عدد كبير من الأبناء، وهم خمسة إناث وستة ذكور، هاجرت أسرتها من الجزائر إلى فرنسا بعد أن عانت ظروف معيشية عصيبة، صاغت مفرداتها الطبيعة البدوية والظروف القاحلة، كان والدها عامل بناء بسيط، كما كان يمارس نشاط التجارة في الأسواق نهاية الأسبوع، بحثاً عن دخل مادي أكبر يعينه على نفقات الأسرة، أما والدتها فكانت ربة منزل.

منذ سنوات شبابها الأولى حرصت فاضلة على الخروج للشارع وتنظيم ندوات ووقفات احتجاجية للمطالبة بحقوق قرنائها من المهاجرين في فرنسا لم تحصل عمارة على شهادة علمية، كما أنها لم تنهي دراستها في المرحلة الثانوية، ولكنها أصبحت عضواً ناشطاً في جمعيات حقوق الإنسان، وخاضت نضالاً واسعاً ضد التمييز، والتفرقة العنصرية، ومعاداة السامية، وكافة صور التمييز، عندما بلغت السادسة عشر من عمرها قررت بلدية "كلرمون – بران" حلق رؤوس سكان المنطقة التي يعيش بها المهاجرين، مما اضطر عمارة إلى قيادة نضال ضد هذه التصرفات، وأضحت متحدثة باسم التنظيمات التي تُعقد من أجل هذا النضال.

جولة في 33 مدينة فرنسية

من رحم مؤتمر جامعة السوربون ولدت وثيقة "نساء المهاجرين" في فرنسا التي تضمنت مطالب عدة من المرشحين للانتخابات الرئاسية في باريس عام 2002، بعد هذا التاريخ بعام واحد تم قتل إحدى الفتيات المهاجرات المدعوة "سوهان بنزيان" على أيدي صديقها المتشدد، الأمر الذي شنت عمارة على إثره حرباً ضارية في كل المناطق التي يقيم بها مهاجرون من أصول مختلفة، مما جعلها تقوم بجولة نسائية طافت فيها فرنسا تحت شعار "لسنا زناة، أو خاضعات"، وقد انطلقت جولة عمارة من منطقة "فيتري سون ساين"، وهي المنطقة ذاتها التي تم فيها حرق جسمان الفتاة القتيلة بغرفة قمامة في أحد المباني، واستمرت تلك الجولة خمسة أسابيع ومرت بـ 23 مدينة فرنسية وانتهت في العاصمة باريس.

وخلال التظاهرة التي جرت في تلك المدينة، وحضرها ما يربو عن خمسين ألف شخص، ونظراً للصدى الواسع الذي حققته الجولة وشعارها الذي تردد على كل لسان، تم إقامة منظمة نسائية تحمل هذا الشعار، كمؤسسة ورئيسة لمنظمة "لسنا زناة أو خاضعات" أصبحت عمارة رمزاً يشار إليه بالبنان في جميع أنحاء فرنسا، على الرغم من أنها لم تكمل دراستها، لم يقف صعود نجمها عند هذا الحد، ففي عام 2004 ضمها رئيس الوزراء الفرنسي "جان فيير رافران" كعضو في اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان، وفي حزيران عام 2007 ضمّها الرئيس ساركوزي للحكومة الفرنسية.
من نافذة غرفة مكتبها المتسعة يمكن رؤية برج ايفل بكامل ارتفاعه، خلفية مكتبها مزينة بصورة زيتية ضخمة معلقة على الحائط، تجسد خارطة الكرة الأرضية، التي يعود تاريخها إلى أزمان متباعدة، وعلى الرغم من أن أسرتها هاجرت إلى فرنسا في الستينيات من القرن الماضي، إلا أن والدها ووالدتها لم يحصلا حتى الآن على بطاقة مواطنة فرنسية، غير أن لغة وحديث عمارة باللهجة الفرنسية الدارجة يثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أنها تمكنت من الاندماج مع أبناء هذا البلد، وأنها باتت إحدى أبناؤه حتى إذا لم يحصل والداها على الهوية الفرنسية إلى الآن.

17/5/2009

اشكرك اخ سامى

على الخبر

واتمنى لك دوام التوفيق

عصاااام

17/5/2009

اشكرك اخى عصام

Suspension
samy khashaba

فاضلة عمارة.. وزيرة فرنسية مسلمة مثيرة للجدل 28k3ry1

samy