عندما يحرقون القرآن فحتما سيحرقون الإنسان
--------------------------------------------------------------------------------
عندما يحرقون القرآن فحتما سيحرقون الإنسان
للتطرف سمات واحدة وإن تعددت وجوهه، فالمتطرف يسبغ الفضائل على ذاته ويجرد الآخر تماما منها. وبما أن الآخر شر مطلق، فمن حق الخير المطلق ـ الذات ـ الحكم عليه بالقتل المعنوي وإبادة أفكاره وحرقها، انتهاء بالتصفية الجسدية واجتثاث الأرواح. وللتطرف اليوم أياديه الأخطبوطية في كل مكان، وللمتطرفين تواجد وحضور في كل الثقافات والأديان، بل لعل عالم ما بعد 11 سبتمبر بيئة خصبة لتكاثر التطرف والمتطرفين على اختلاف أطيافهم. في سابقة تطرف خطيرة جدا يمكن وصفها بالإرهاب الفكري، دعا (تيري جونز) راعي ومالك كنيسة في منطقة غاينسفيل بفلوريدا إلى حرق القرآن الكريم في ذكرى 11 سبتمبر القادم في محاولة منه لجعل هذا اليوم يوما عالميا لحرق القرآن! الإعلان الذي أصدرته كنيسة تيري جونز، والمصحوب بصفحة على الفيس بوك تحذر من الإسلام وتصفه بالشر المطلق، يحمل دلالات خطيرة بل وكارثية، كونه يصدر من مؤسسة دينية مسيحية لا بد أن لها جمهورها العريض المنساق خلف ما تقدمه لهم على أنه حقيقة مطلقة. ناهيك طبعا عما ولده مجرد التصريح بهذا الإعلان المستفز عن حرق القرآن من مشاعر غاضبة عند المسلمين، فكيف لو تم التنفيذ فعلا؟! وما الذي يمكن أن يتوالد عنه من ردود أفعال كارثية؟!
العجيب أن هذا التصريح المريع لم يثر عند بعض الأقلام في عالمنا العربي السعيد إلا المزيد والمزيد من جلد الذات، وكيل الاتهامات للعرب والمسلمين الذين لم يستطيعوا تبييض صورة الإسلام من الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر! متناسين التطرف على الجهة المقابلة والمتولد من سياسية فسطاطي جورج بوش للخير والشر، وما أتبعه من فوضى خلاقة وحروب ومآس تمت كلها تحت مظلة الحرب على الإرهاب! متغافلين أيضا عن انتهاك الحريات والأجواء الاستخبارتية التجسسية التي خلقتها سياسات الحرب على الإرهاب في أمريكا، والتي حولتها إلى ما يشبه ما تنبأ به (جورج أوريل) في روايته 1984، وما خلفته هذه الأجواء من خوف مبالغ فيه وأفكار نمطية مسيئة للإسلام. فضلا عما تقوم به المؤسسات الإعلامية المتطرفة من تشويه مدروس وماكر لصورة الإسلام، وربطه بالإرهاب تلميحا تارة وتصريحا تارة أخرى.
وفيما تنبري هذه الأقلام العربية لتقطيع ذاتها لتصبح ملكية أكثر من الملك، تخرج أصوات غربية شريفة -على خلفية هذا الحدث- تدعو الغرب ليتحمل مسؤوليته في البحث عن الحقيقة والتعرف على الدين الإسلامي خاصة أن المعرفة اليوم يمكن استدعاؤها بضغطة زر. وها هو البروفيسور الأمريكي (جوان كول) المتخصص في الدراسات الشرق أوسطية بجامعة ميشجن يدعو الأمريكيين لقراءة القرآن في سياقه، ويقترح عليهم عددا من الكتب عن الإسلام وتفسير القرآن، ويسهب في الحديث عن التسامح والتعددية في الأندلس واحتواء الإسلام للمسيحيين واليهود الذين عاشوا تحت مظلته في سلام وأمان.
يستشهد (كول) بعبارة للشاعر الألماني (هنرك هين) يقول فيها: عندما يحرقون الكتب فهم حتما سيحرقون الإنسان. ويرى أن الترياق الشافي للكراهية والجهل هو المعرفة والقراءة، ومقاومة حرق الكتب تكون بنشر الكتب وقراءتها وهضم أفكارها.
أمل زاهد