.
فى أحيان كثيرة أفكر رغم التعب الذى ألقاه فى مهنتى إلا أننى أحمد الله على ما
تمنحه لى من فرص لقاء شخصيات أتت إلى عالمنا لتثمره.. وتترك فيه آثارها.. أنا
مقتنعة بأنه لا أحد يمر مروراً عابراً فكل شخص مهم لمن هم حوله.. أبسط عامل أو فلاح
هو بالنسبة لأسرته العالم كله، ولو طلب منهم استبداله بأهم شخصية لرفضوا، يعنى قد
أكون عاطفية قليلاً فالبعض يرضون إذا كان هناك ثمن معقول والدليل من يبيع أولاده أو
يقتل أهله.. ولكن تبقى هذه الحوادث فى إطار الجرائم وترتكبها أقلية، لن أقول مندسة
لا تقلقوا، ولكن الحقيقة أن بعض الشخصيات لا تؤثر فيمن حولها فحسب بل تتحول إلى
أشعة نور تضىء وتدفئ وتسعد من حولها.. والله سبحانه وتعالى يوزع الرزق كيفما يشاء،
والموهبة رزق سواء كانت غناءً أو رسماً أو نحتاً أو تمثيلاً أو.. أو.. يعنى المواهب
أنواع.. وتوصيل المعلومة موهبة، يعنى لماذا يحب الطلبة مدرس ويستثقلون دم آخر؟ ..
والموهبة تطال أيضاً رجال الدين، يعنى ليس كل من ارتدى ملابس قسيس أو شيخ امتلك
الموهبة.. صحيح أن الملابس جزء من الكاريزما بالنسبة للشيوخ والقساوسة ولكن من غير
علم أولاً وموهبة ثانياً لما تحققت الكاريزما ولما نجح.. ومؤخراً وبحمد الله تيسر
لى لقاء الدكتور يوسف القرضاوى، ودون دخول فى تفاصيل ترتيب الحوار وكواليسه التى
جرت بينى وبين الزميل أمير لاشين فى الإعداد، فالحكاية يطول شرحها.. المهم أن الله
وفقنا بل واكتشفنا أن الدكتور كان مسافراً بعد اللقاء بساعات.. أى أننا لو تأخرنا
يوماً لما وفقنا.. ووصل الدكتور..
وتصادف اللقاء يوم عاشوراء فأصرت أمى على إرسال طبق عاشوراء للدكتور والفريق كى
يبقى بيننا وبينه بدلاً من عيش وملح عاشوراء وعاشوراء.. ورغم كبر سنه، فالشيخ قد
تجاوز الثمانين، إلا أنه كان حاضر الذهن جداً، لا يخطئ فى تاريخ أو حديث ويستحضر
الآيات القرآنية فى كل أمثلة يضربها.. شديد الحماس وهو يتحدث عن دورنا فى الدفاع عن
القدس، عيناه تلمعان بذكاء شديد.. قليل الابتسام إلا أنه عندما يبتسم يبتسم من قلبه
مثلما حدث بعد انتهاء اللقاء، عندما طلبت من زميل لنا تصويرنا فخرجت الصورة دون
فلاش فتساءلت إن كانت الصورة أمريكانى؟ يعنى فشنك.. فضحك.. أعجبه التعبير..
والدكتور القرضاوى من بين قلة وسيطة تنادى بدين معتدل لا يكفّر، بل مؤمن بحديث
الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن اختيار الأيسر دوما ما بين أمرين على عكس كثيرين
ينادون بالأحوط..
الشيخ القرضاوى هو من يؤكد أن أرض فلسطين هى قضية الأمة الإسلامية المركزية
والمصيرية، ويهاجم الذين يلهثون وراء المفاوضات قد تكون هناك نقطة وحيدة لن أقول
محل خلاف، فهو عالم جليل لا أجرؤ حتى على الاختلاف معه، ولكن وجهة نظرى هى مجرد رأى
شخصى.. ففى موضوع الشيعة وجهة نظرى بعيدة عن السياسة فأنا أؤمن بأن ما بيننا وبين
الشيعة خلافات بسيطة لا تدخل فى العقيدة الرئيسية.. فنحن جميعاً نؤمن بالله وبرسوله
عليه الصلاة والسلام، ما بعد ذلك ملك للفرد وعقيدته.. أما الدكتور القرضاوى فهو
يربط ما بين التشيع والشيعة، وعلى كلٍ فقد بدأ مؤخراً فى جهود التقريب بين المذاهب
وهو فى هذا الإطار وفى غيره يقوم بجهود شاقة على رجل فى سنه..
ولكن السؤال الآن: كم فى عالمنا العربى من أمثال الشيخ الجليل؟ هو نفسه قال عن
لقائه مع الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وهو عالم جليل آخر، إن عالمنا يعانى من
قلة عدد الدعاة المؤثرين، وإن أزمة التعليم قد طالت الأزهر أيضاً.. أطال الله فى
عمر القرضاوى فأمتنا بحاجة له ولأمثاله.