| التتار وحلم غزو العالم - من الصعود إلى السقوط ! | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ايام زمان المـديـر العـــام
17/5/2009 : 17/05/2009
| موضوع: التتار وحلم غزو العالم - من الصعود إلى السقوط ! الأربعاء مايو 25 2011, 09:44 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم __________ * مقدمة:
لم تتعرض دولة الإسلام لأوقات عصيبة وعواصف منذرة ورياح مرعب مثلما تعرضت له في القرن السابع الهجري حيث دمرت جيوش التتار بقيادة " جنكيز خان " حواضر الإسلام الكبرى في المشرق الإسلامي وسفكت دماء المسلمين وأتت علي معالم الحضارة والمدنية ولم تستطع قوة إسلامية أن توقف الزحف الكاسح للجيوش التترية وانهارت الجيوش الإسلامية وتوات هزائمها وتتابع سقوط الدول والمدن الإسلامية كأوراق الشجر في موسم الخريف وأطمع ضعف المسلمين وخور عزائمهم المغول في أن يتطلعوا إلي مواصلة الزحف تجاه الغرب وإسقاط الخلافة العباسية وتقويض دعائمها ؛ ولم تكن الخلافة العباسية في وقت من الأوقات أضعف مما كانت عليه وقت الغزو المغولي ؛ فخرج " هولاكو " القائد التتري الهمجي علي رأس جيش عرمرم وأجتاح بغداد وقتل الخليفة " المستعصم " وأستباح بغداد أربعين يوما فقضي فيها علي الأخضر واليابس فقتل من بغداد وحدها مليوني فرد مسلم من رجال وأطفال ونساء وشيوخ ؛ ثم تجاوزوها إلي ما بعدها فاجتاحوا الشام بجميع مدنها وفعلوا فيها مثلما فعلوا في غيرها إلي أن وصلوا إلي حدود مصر وكان الله قد وكل عليها عبدا من عبيدة يأتمر بأمره وينهى بنهيه فجمع المسلمين علي كلمة التوحيد والجهاد وخرجوا لملاقاة التتار في الموقعة المشهورة " عين جالوت " فطحنوا التتار طحنا وركبوا أكتافهم وأخذوا يطاردون الفلول المنهزمة فحرروا الشام وبغداد ؛ وانحسرت بعدها إمبراطورية التتار ولم يقم لهم بعدها قائمة ....................... وانتهت بذلك هذه الدولة التي قامت علي جماجم المسلمين ودمائهم .
ونحن هنا نسرد قصة التتار منذ بدايتهم إلي معركة عين جالوت
__________________________________________________ ______
ولكي نتعرف علي قصة هؤلاء الهمج لابد أن نلقي نظرة علي أحوال العالم في ذلك الوقت. ** حالة العالم قبل ظهور قوة التتار :- في هذه الأثناء لو ألقينا نظرة إلي الكرة الأرضية لوجدنا أن هناك قوتان مؤثرتان في العالم وهما : 1- قوة المسلمين 2- قوة الصليبيين أولا: قوة المسلمين :- المساحات الإسلامية في ذلك الوقت كانت تقترب من نصف مساحات الأراضي المعمورة في العالم ؛ وحدودها كانت تبدأ من غرب الصين وتمتد عبر أسيا وأفريقيا لتصل إلي غرب أوروبا في بلاد الأندلس ؛ وكان يسود العالم الإسلامي في تلك الأثناء رغم كبر مساحته وكثرة أناسه وكثرة موارده الفقر والتدهور الكبير في الحالة السياسية لمعظم الأقطار الإسلامية ؛ والغريب أن هذا التدهور كان بعد سنوات قليلة من أواخر القرن السادس الهجري حيث كانت أمة المسلمين قوية منتصرة متوحدة . * كيان العالم الإسلامي في ذلك الوقت :- 1- الخلافة العباسية :- نشأت بعد سقوط الدولة الأموية سنة 132ه – وكانت عاصمتها بغداد وأصبحت الخلافة العباسية بحلول القرن السابع الهجري ضعيفة جدا حتى أصبحت لا تسيطر حقيقة إلا على وسط وجنوب العراق فقط ؛ فأصبحت الخلافة في ذلك الزمان صورة خلافة فهي حقيقة لم تصبح خلافة لأن كل الأقطار الإسلامية أصبحت لها حكام منفصلين عن الخلافة انفصالا تاما ؛ واليك هذه الدول : 2- مصر والشام والحجاز واليمن :- وكانت هذه الأقطار تحت حكم الأيوبيين ورثة صلاح الدين الأيوبي- رحمه الله- 3- بلاد المغرب والأندلس :- كانت هذه البلاد تحت حكم دولة الموحدين والتي كانت في هذه الأثناء قد أصبحت ضعيفة وفي أواخر عهدها . 4- دولة خوارزم :- كانت تحكم تقريبا كل الشرق الإسلامي فهي دولة مترامية الأطراف تمتد حدودها من غرب الصين شرقا إلي أجزاء كبيرة من إيران غربا ؛ وكانت هذه الدولة علي خلاف طويل وعقيم مع الخلافة العباسية . 5- الهند :- وكانت في ذلك الوقت تقع تحت حكم الغوريين المسلمين وكانت أيضا علي خلاف مع الخوارزميين . 6- غرب فارس :- كان هذا الجزء من فارس (إيران حاليا ) تحت حكم الطائفة الإسماعيلية الشيعية *** من هي الطائفة الإسماعيلية ؟ هي طائفة من طوائف الشيعة وكانت شديدة الخبث فهي من أخبث طوائف الشيعة علي الإطلاق ؛ ولهم مخالفات عديدة في العقيدة جعلت كثيرا من العلماء يخرجونهم من الإسلام تماما ؛ فكانوا يخلطون الدين بالفلسفة وهم أصلا من أبناء المجوس وأظهروا الإسلام وأبطنوا المجوسية ؛ وتئولوا آيات القرآن علي أهوائهم وأنكروا كثيرا من فرائض الإسلام ؛ ومن أهم مطالبهم الملك والسلطان لذلك كانوا يهتمون بأمور السلاح والقتال وبناء القلاع والحصون . 7- منطقة الأناضول ( تركيا حاليا ) :- وكانت تحت حكم السلاجقه الروم وأصولهم ترجع إلي الأتراك المسلمين .
*** ونلاحظ في هذه الفترة أنه أنتشر بها المؤامرات وتعددت فيها الحروب بين المسلمين وإخوانهم في الدين وكثرت المعاصي والذنوب ؛ وعم الترف والركون إلي الدنيا وهانت الكبائر تماما علي قلوب الناس حتى كثر سماع أن هذا ظلم هذا وأن هذا قتل هذا وأن هذا سفك دم هذا ؛ وقد علم يقينا أن من كان على هذه الحالة لابد من استبداله وأصبح العالم الإسلامي في ذلك الوقت ينتظر وقوع كارثة تقضي على كل هؤلاء الضعفاء في كل هذه الأقطار وليأتي بعد ذلك جيل من المسلمين يغير الوضع – بمشية الله – ويعيد للإسلام هيبته وللخلافة قوتها ومجدها كانت هذه هي حالة الأمة الإسلامية في نهاية القرن السادس الهجري وبداية القرن السابع
ثانيا : قوة الصليبيين :- 1- غرب أوروبا :- كان المركز الرئيسي للصليبيين في هذه الأثناء في غرب أوروبا ؛ وأنشغل الأوروبيين في ذلك الوقت بحروبهم المستمرة مع المسلمين ؛ فكان نصارى انجلترا وفرنسا وألمانيا وايطاليا يقومون بالحملات الصليبية المتتالية المشهورة علي بلاد الشام ومصر ؛ وكان نصارى أسبانيا والبرتغال ومعهم فرنسا في حروب مستمرة مع المسلمين في الأندلس . 2- الإمبراطورية البيزنطية :- كانت هذه الإمبراطورية تحكم شرق أوروبا وكانت في هذه الأثناء في حالة من الضعف الذي لا يسمح لها بدخول حروب مع المسلمين رغم ضعفهم أيضا .
3- مملكة أرمينيا :- وهي تقع في شمال فارس وغرب الأناضول ؛ وكانت في حروب مستمرة مع المسلمين وبالأخص السلاجقه الأتراك في الأناضول . 4- مملكة الكرج ( جورجيا حاليا ) :- وهذه المملكة أيضا لم تتوقف الحروب بينها وبين المسلمين وبالأخص الدولة الخوارزمية. 5- الأمارات الصليبية :- الموجودة في الشام وفلسطين وتركيا ( الأناضول ) وكانت هذه الأمارات تحتل مناطق إسلامية ذات أهمية كبيرة ؛ وكان أشهر هذه الأمارات ( أنطا كيا – طرابلس – بيروت – وغيرها ........ ) ** من هم التتار ؟ ظهرت قوة التتار في عام 603ه – وكان ظهور هذه الدولة أول ما ظهرت في " منغوليا " بشمال الصين وكان أول زعمائها هو " جنكيز خان " وهو ليس الاسم الحقيقي لذلك القائد وإنما هي كلمة تعني باللغة المنغولية " قاهر العالم " أو " ملك ملوك العالم " وأسمه الحقيقي هو " تيموجين " وكان ذلك الرجل سفاحا وسفاكا للدماء وكان قائدا عسكريا شديد البأس وكانت له القدرة علي تجميع الناس حوله وبدأ في التوسع تدريجيا في المناطق المحيطة به وسرعان ماأتسعت مملكته حتى بلغت حدودها من كوريا شرقا إلى حدود الدولة الخوارزمية الإسلامية غربا ومن سهول سيبريا شمالا إلي بحر الصين جنوبا وفي سنوات قليلة أصبح يضم في طياته دولة الصين بكاملها ( 9مليون كيلومتر مربع ) -منغوليا – فيتنام – كوريا – كمبوديا – تايلاند – أجزاء من سيبريا . وأسم التتار أو المغول : يطلق على الأقوام الذين نشأوا في شمال الصين في صحراء تسمى بصحراء ( جوبي ) بمنغوليا . *** ما الفرق بين التتار والمغول ؟ التتار هم أصل القبائل بهذه المنطقة بمنغوليا وخرج من التتار قبائل أخرى كثيرة منها قبيلة المغول وقبائل الترك والسلاجقه وغيرها ......... ؛ وعندما سيطر المغول على هذه المنطقة بقيادة جنكيز خان أطلق أسم المغول على هذه القبائل كلها . *** ماهى ديانتهم ؟ كان لهم ديانة غريبة جدا وهي خليط من أديان مختلفة جمعها جنكيز خان من شرائع الإسلام والمسيحية والبوذية وأختلق لهم أشياء أخري ؛ وأخرج لهم في النهاية كتابا جعله كالدستور للتتار ويسمى هذا الكتاب بأسم " الياسق " أو " الياسج " أو " الياسا " وأصبح ذلك هو دستور دولة التتار وعقيدتهم .
*** ما هي طبيعة حروبهم ؟ حروب التتار كانت تتميز بأشياء خاصة تميزهم دائما عن غيرهم ومن أهم هذه الأشياء : 1- سرعة انتشار رهيبة 2- أعداد هائلة من البشر 3- نظام محكم وترتيب دقيق 4- تحمل الظروف القاسية من ( حر أو برد أو صحراء أو أدغال ) بمعني أنهم يقاتلون في كل مكان . 5- قيادة عسكرية بارعة جدا 6- من أهم مميزاتهم وهي صفة يتصفون بها عن غيرهم أنهم بلا قلب فحروبهم كلها كانت حروب تخريب غير طبيعية فكانوا يبيدون ابادة جماعية لأهل المدن من أطفال ونساء وكهول لا يفرقون بين مدني وعسكري الكل عندهم سواء لا يفرقون بين ظالم ومظلوم وكانوا كما قيل " أن قصدهم هو أفناء النوع وابادة العالم لاقصد الملك أو السلطان " 7- رفض قبول الآخر والسير على مبدأ القطب الأوحد وليس هناك مجالا للتعامل مع دول أخرى محيطة . والغريب أنهم كانوا يدعون أنهم ما جاءوا إلى هذه البلاد إلا ليقيموا الدين ولينشروا العدل وليخلصوا البلاد من الضالمين . 8- كانوا لاعهد لهم مطلقا لا أيسر عندهم من نقض العهود وإخلاف المواثيق . هذه كانت السمات التي اتصف الجيش التتري وهي صفات تتكرر كثيرا في كل جيش لم يضع في حسبانه قوانين السماء وشريعة الله – عز وجل . ** ملخص القوى الموجودة على الساحة في أوائل القرن السابع الهجري ؛كانت ثلاث قوى رئيسية : 1- المسلمين 2- الصليبيين 3- التتار *** الحقد الصليبي للمسلمين :- أرسل الصليبيين وفدا رفيع المستوى من أوروبا إلي منغوليا ؛ مسافة تزيد علي ( 12 ألف كم) ذهابا فقط ؛ ليحفزوا التتار على غزو البلاد الإسلامية وإسقاط الخلافة العباسية وعلى اقتحام بغداد درة العالم الإسلامي في ذلك الوقت ؛ وأنهم سيساعدونهم على حرب المسلمين وسيكونوا بمثابة أعينهم في هذه المناطق ؛ وبذلك تم إغراء التتار إغراء كاملا وحدث ماتوقعة الصليبيين ؛ فقد سال لعاب التتار على أملاك الخلافة العباسية وقرروا فعلا غزو هذه البلاد الواسعة الغنية بالثروات والمليئة بالخيرات وبدأ التتار يفكرون جديا في غزو العالم الإسلامي وبدأوا يخططون بحماسة شديدة لإسقاط الخلافة العباسية ودخول بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية . | |
|
| |
ايام زمان المـديـر العـــام
17/5/2009 : 17/05/2009
| موضوع: رد: التتار وحلم غزو العالم - من الصعود إلى السقوط ! الأربعاء مايو 25 2011, 09:45 | |
| ***خطة جنكيز خان لغزو العالم الإسلامي :- عندما قرر جنكيز خان غزو العالم الإسلامي فكر في أن يتمركز في منطقة أفغانستان وأوزبكستان لعدة أسباب مهمة وهي : 1- كبر المسافة بين الصين والعراق ولابد من جود قواعد إمداد ثابتة للجيوش التترية في منطقة متوسطة بين العراق والصين . 2- ولأن هذه المنطقة والتي تعرف بمنطقة " القوقاز " غنية بالثروات الزراعية والاقتصادية في هذه الأثناء . 3- تكتيكيا لا يستطيع جنكيز خان لأن يحارب العراق وفي ظهره شعوب مسلمة قد تحاربة أو تقطع عليه خطوط الإمداد . ولهذه الأسباب قرر جنكيز خان خوض حروب متتالية مع هذه المنطقة الشرقية من الدولة الإسلامية والتي تعرف بالدولة " الخوارزمية " واتي تضم في طياتها عدة أقاليم إسلامية غاية في الأهمية وكان هناك بين الدولة الخوارزمية ودولة التتار معاهدات واتفاقيات على عدم الاعتداء من أي من الدولتين على الأخرى ؛ ولكي تكون الحرب مقنعة بين الطرفين فلابد من وجود سبب يدعو إلي هذه الحرب . *** السبب الذي أدي إلي نشوب الحرب بين الطرفين :- بحث جنكيز خان عن سبب مناسب لدخول هذه الحرب ولكنه لم يجد السبب المقنع للحرب وسبحان الله – حدث أمر مفاجئ بغير إعداد مسبق من جنكيز خان يصلح لأن يكون سببا لهذه الحرب وبالفعل اتخذه جنكيز خان كذريعة لدخول هذه الحرب التي ستقضي تماما علي الدولة الخوارزمية وهذا السبب هو " أن مجموعة من التجار المغول ذهبوا إلي مدينة إسلامية تسمى ( أوترار ) وهي تقع في شرق المملكة الخوارزمية على حدود دولة التتار فلما رآهم حاكم المدينة المسلم أمر بقتلهم جميعا " . *** اختلاف المؤرخون في سبب قتلهم : 1- منهم من قال ك أن هؤلاء ما كانوا إلا جواسيس أرسلهم جنكيز خان للتجسس على الدولة الخوارزمية أو لاستفزازها ولذلك قتلهم حاكم المدينة . 2- ومنهم من قال : أن هذا كان عمدا من حاكم " أوترار " كنوع من الرد على عمليات السلب والنهب التي قام بها التتار في بلاد ما وراء النهر وهي بلاد تابعة للخوارزميين . 3- ومنهم من قال : أن هذا كان فعلا متعمدا من حاكم " أوترار " يقصد بذلك أن يستثير التتار للحرب ليدخل بعد ذلك " خوارزم شاة " هذه المنطقة وهي منطقة " تركمنستان " وكانت ضمن أملاك التتار . 4- ومنهم من قال : أن جنكيز خان أرسل بعضا من رجاله إلي أرض المسلمين ليقتلوا تجار التتار هناك حتى يكون ذلك سببا في غزو بلاد العالم الإسلامي . 5- ومنهم من قال : أن حاكم " أوترار " طمع في أموال التجار فقتلهم لأجل هذا .
*** تطور الأوضاع بعد هذه الحادثة :- عندما وصل نبأ مقتل التجار إلى جنكيز خان أرسل إلي " محمد بن خوارزم شاه " زعيم الدولة الخوارزمية الكبرى يطلب منه تسليم القتلة إليه حتى يحاكمهم بنفسه ولكن محمد بن خوارزم اعتبر ذلك تعديا على سيادة البلاد المسلمة فهو لا يسلم مجرما مسلما ليحاكم في بلدة أخرى بشريعة أخرى إنما قال " أنه سيحاكمهم في بلاده فأن ثبت بعد التحقيق أنهم مخطئون عاقبهم في بلاده بالقانون السائد فيها وهو الشريعة الإسلامية " ؛ ولكن جنكيز خان لم يقتنع بذلك الكلام أو بمعنى آخر لم يرغب في الاقتناع بذلك الكلام وعنها وجد جنكيز خان العلة المناسبة للهجوم على العالم الإسلامي وعنها وجد جنكيز خان العلة المناسبة للهجوم على العالم الإسلامي وبعدها بدأ الإعصار التتري الرهيب على العالم الإسلامي فبدأت الهجمة التتريه الأولى على دولة خوارزم شاه . *** بداية الإعصار :- جاء جنكيز خان بجيشه الكبير لغزو بلاد الخوارزميين فخرج له محمد بن خوارزم وذلك في سنة 616_ وذلك بعد ثلاثة عشر عاما فقط من قيام دولة التتار ؛ والتقى الجيشان في موقعه رهيبة في شرق الدولة الخوارزمية شرق نهر " سيحوون " وهو ما يعرف الآن باسم نهر " سريداريا " في دولة كزخستان المسلمة واستمرت المعركة لمدة أربعة أيام متصلة وقتل من الفريقين خلقا كثيرا ؛ فأستشهد من المسلمين في هذه الموقعة عشرون ألفا وقتل من التتار أضعاف ذلك ؛ ثم تحاجز الفريقان بعدها وأنسحب محمد بن خوارزم بجيشه من أرض المعركة لأنه وجد أن أعداد التتار هائلة ولا قبل له بها فأنسحب ليحصن المدن الكبرى في مملكته وعلى رأسها العاصمة " أورجاندا " وأنشغل في تحضير وتجهيز الجيوش من أطراف مملكته ومع اهتمام محمد بن خوارزم بتحصين المدن الكبرى إلا أنه ترك الجزء الشرقي من مملكته بدون حماية كافيه ؛ ولكن هذا الخطأ لم يكن بمثابة خطأ تكتيكي من محمد بن خوارزم ولكن كان خطأ قلبي فقد اهتم بتأمين نفسه وأملاكه وأمواله وأسرته وتهاون في تأمين شعبه ؛ حافظ على كنوزه وكنوز آباءه ولكنه أهمل تماما الحفاظ على مقدرات وأملاك شعبه ؛ وعادة لا يصمد أمثال هؤلاء القواد أمام الأزمات التي تعصف بأمتهم وعادة ما تسقط الشعوب التي تقبل بهذه الأوضاع المقلوبة دون إصلاح *** اجتياح بخاري :- جهز جنكيز خان جيشه من جديد وأسرع في اختراق كل إقليم كازاخستان الكبير فمساحته تبلغ حوالي ( 3مليون كم ) تقريبا ؛ فقطع كل إقليم كازاخستان دون مقاومه تذكر حتى وصل إلى مدينة بخاري المسلمة وهي بلدة الأمام الجليل والمحدث العظيم الأمام البخاري رحمه الله – وهي تقع الآن في دولة أوزبكستان ؛ فحاصر جنكيز خان بخاري في سنة 616 – ثم طلب من أهلها التسليم على أن يعطيهم الأمان ؛ وكان محمد بن خوارزم في هذه الأثناء بعيدا جدا عن بخارى فاحتار أهل بخارى ماذا يفعلون ؟ فظهر في المدينة رأيان : * الرأي الأول : قال أصحابة نقاتل التتار وندافع عن مدينتنا . * " " الثاني : قال أصحابة نأخذ بالأمان ونفتح الأبواب للتتار لتجنب القتل . وهكذا انقسم أهل البلاد إلي فريقين ؛ فريق من المجاهدين قرر القتال وهؤلاء اعتصموا بالقلعة الكبيرة بالمدينة وأنضم إليهم فقهاء المدينة وعلماؤها ؛ وفريق آخر من المستسلمين وهذا هو الفريق الأعظم والأغلب في هذه المدينة وقرروا فعلا فتح أبواب المدينة والاعتماد على أمان التتار ففتحوا أبواب المدينة للتتار ودخل جنكيز خان المدينة الكبيرة وأعطى أهلها الأمان فعلا في أول الأمر خديعة لهم وذلك حتى يتمكن من السيطرة على المجاهدين بالقلعة الكبيرة في داخل المدينة ؛ وبدأ في حصار القلعة بل وأمر أهل المدينة من المسلمين أن يساعدوه في ردم الخنادق حول القلعة ليسهل فتحها والغريب في ذلك الأمر أنهم أطاعوه في ذلك ؛ وهكذا حوصرت القلعة عشرة أيام ثم فتحت عنوه ولما دخلها جنكيز خان لعنه الله – قتل كل من في القلعة من المجاهدين ولم يبق بالمدينة مجاهدين وهنا بدأ جنكيز خان في خيانة عهده فسأل أهل المدينة عن كنوزها وأموالها وأصطفى كل ذلك لنفسه ؛ ثم أحل المدينة لجنوده ففعلوا فيها مالا يتخيله عقل ؛ وأنظر ما قاله بن كثير في كتابه البداية والنهاية عن هذا المشهد " فقتلوا من أهلها خلقا لا يعلمه إلا الله عز وجل – وأسرو الذرية والنساء وفعلوا مع النساء الفواحش بحضرة أهلهن فارتكبوا الزنا مع البنت في حضرة أبيها ومع الزوجة في حضرة زوجها فمن المسلمين من قاتل دون حريمه حتى قتل ومنهم من أسر فعذب بأنواع العذاب وكثر البكاء والضجيج في البلد من النساء والأطفال والرجال ثم أشعل النار في دور بخارى ومدارسها ومساجدها فاحترقت المدينة تماما حتى صارت خاوية على عروشها " وهكذا هلكت بخارى في عام 616 – وكان هلاكها البداية وليس النهاية ؛ بداية الطوفان التتري الذي اجتاح العالم الإسلامي بأسره . *** دخول عام 617 :- ويبدأ عام 617- بأحداث أكثر إيلاما وكان هذا العام من أبشع السنوات التي مرت على المسلمين منذ بعثة النبي (ص) والى يومنا هذا ؛ ففي هذه السنة علا نجم التتار واجتاحوا البلاد الإسلامية الواحدة تلو الأخرى وفعلوا بها الأفاعيل . .***ابن الأثير وما قاله عن التتار :- ونقدم على هذه الأحداث ما قاله المحدث الجليل ابن الأثير في كتابه" الكامل في التاريخ " فقد قال " لقد بقيت عدة سنوات معرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها كارها لذكرها فأنا أقدم إليه رجلا وأواخر أخرى فمن ذا الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك فيا ليت أمي لم تلدني ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا إلا أنه حثني جماعة من الأصدقاء على تسطير هذا ثم رأيت أن ترك هذا لم يجدي نفعا " . فبدأ يكتب الذكريات المريرة والأحداث المؤلمة فيقول في مقدمة القصة " هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التي عقمت الأيام والليالي عن مثلها عمت الخلائق وخصت المسلمين ولو قال قائل ( إن العالم منذ خلق الله – سبحانه وتعالى – آدم إلى الآن لم تبتلى بمثلها) لكان صادقا فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها ومن أعظم ما يذكرون من الحوادث ما فعله " بختنصر " ببني إسرائيل من القتل وتخريب البيت المقدس وما البيت المقدس إلى ماخرب هؤلاء الملاعين من البلاد التي كانت المدينة منها أضعاف البيت المقدس وما بنوا إسرائيل إلى من قتلوا فإن أهل مدينة واحدة ممن قتلوا أكثر من بني إسرائيل ؛ ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا إلا يأجوج ومأجوج ؛ وأما الدجال فإنه يبقي على من اتبعه ويهلك من خالفه أما هؤلاء لم يبقوا على أحد بل قتلوا النساء والأطفال والرجال وشقوا بطون الحوامل وقتلوا الأجنة في بطون أمهاتهن – فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " . كانت هذه هي المقدمة التي كتبها ابن أثير في بداية كتابة " الكامل في التاريخ " والذي كان يتحدث عن التتار وكان هو شاهد عيان على ذلك فقد كان معاصرا للأحداث في ذلك الوقت ماذا حدث في سنة 617 ؟ ** اجتياح سمر قند ؟ بعد أن دمر التتار مدينة " بخاري " وأهلكوا أهلها وحرقوا ديارها ومدارسها ومساجدها انتقلوا إلى المدينة المجاورة وهي " سمر قند " وهي مدينة توجد في دولة " أوزبكستان " حاليا ؛ واصطحبوا في طريقهم مجموعة كبيرة من أسرى المسلمين من بخاري ؛ وكما يقول ابن الأثير " فساروا بهم على أقبح صورة فكل من أعيا وعجز عن المشي قتل " . والحكمة من اصطحاب التتار الأسارى المسلمين معهم إلى " سمر قند " كان له أكثر من هدف من جراء ذلك مع الأخذ في الاعتبار أن هذه كانت سنة من سنن التتار في كل تنقل لهم من مدينة إلى مدينة . أهدافهم من اصطحاب الأسرى المسلمين معهم :- 1- كانوا يعطون كل عشرة أسرى علما من أعلام التتار ليرفعوه فإذا رآهم أحد من بعيد ظن أن المجموع كله من التتار فتكثر الأعداد في أعين أعدائهم بشكل لا يتخيل فلا يعتقدون مطلقا أنهم يقدرون على قتالهم فيستسلمون . 2- كانوا يجبرون الأسرى على أن يقاتلوا معهم ضد أعدائهم ومن رفض القتال أو لم يظهر فيه قوة قتلوه . 3- كانوا يتترسون بهم عند لقاء المسلمين فيضعون الأسرى في أول الصفوف كالدروع ويختبئون خلفهم فإذا أطلق العدو السهام على جيش التتار دخلت السهام في صدور الأسرى المسلمين والتتار يطلقون سهامهم من خلف صفوف الأسرى المسلمين . 4- كانوا يقتلونهم على أبواب المدن لبث الرعب في قلوب أعدائهم وإعلامهم أن هذا هو المصير الذي ينتظرهم إذا قاوموا . 5- كانوا يبادلون بهم الأسرى في حال أسر رجال منهم في القتال . ***الوضع في " سمر قند " قبل الاجتياح :- " سمر قند " مدينة من حواضر الإسلام ومن أغنى مدن المسلمين في ذلك الوقت ولها قلاع حصينة وأسوار عالية ولهذه القيمة الإستراتيجية والاقتصادية الكبيرة ترك فيها " محمد بن خوارزم " خمسين ألف جندي خوارزمي لحمايتها ؛ هذا بالإضافة إلى أهلها الذين يقدرون بمئات الآلاف .
*** الاجتياح :- وصل جنكيز خان إلى المدينة وحاصرها من كل الجهات وكان من المفترض أن يخرج إليه الجيش الخوارزمي النظامي ؛ ولكن دب الرعب في قلوب الجيش المسلم وتعلقوا بالحياة فأبوا أن يخرجوا للدفاع عن المدينة المسلمة ؛ فاجتمع أهل المدينة وتباحثوا في الأمر ففشلوا تماما في إقناع الجيش الخوارزمي في الخروج للدفاع عنهم ؛ فقرر البعض من العامة أن يخرجوا فخرج سبعون ألف من أهل المدينة وخرج معهم أهل العلم والفقهاء خرجوا جميعا على أرجلهم دون خيول ولا دواب ولم يكن لديهم خبرة عسكرية تمكنهم من القتال ؛ فرأى التتار أهل " سمر قند " يخرجون إليهم فقرروا القيام بخدعة وهي الإنسحاب المتدرج من حول الأسوار في محاولة لسحب المجاهدين بعيدا عن مدينتهم فبدأوا في التراجع تدريجيا عن " سمر قند " وقد نصبوا الكمائن خلفهم وبالفعل نجحت خطة التتار ؛ وبأ المسلمون يطمعون فيهم حتى ابتعدوا تماما عن أسوار المدينة ؛ عنها أحاط بهم جيش التتار تماما وبدأت عملية تصفية لأفضل رجال " سمر قند " فقتل السبعون ألف مقاتل عن آخرهم ؛ وبعد إفناء الجيش المسلم عاد التتار إلى حصار المدينة مرة أخرى ؛ فأخذ الجيش الخوارزمي قرارا مخزيا وهو طلب الأمان من التتار على أن يفتحوا لهم أبواب المدينة دون مجهود ؛ فوافق التتار على إعطاء الأمان لهم ؛ ففتح الجيش الخوارزمي الأبواب وخرجوا إلى التتار مستسلمين فقال لهم التتار " سلموا إلينا أموالكم وسلاحكم ودوابكم ونحن نسيركم إلى مأمنكم" ففعلوا ما أمرهم به التتار فلما أخذ التتار أسلحتهم ودوابهم وضعوا السيف في الجنود الخوارزميين حتى أفنوهم عن آخرهم ؛ ودخل التتار المدينة وفعلوا بها مثلما فعلوا في بخاري فقتلوا أعدادا لاتحصى من الرجال والنساء والأطفال ونهبوا كل ثروات البلد وانتهكوا حرمات النساء ؛ وعذبوا الناس بأنواع العذاب المختلفة بحثا عن أموالهم وسبوا أعداد هائلة من النساء والأطفال ومن لم يصلح للسبي لكبر سنه أو لضعف جسده قتلوه ؛ وأحرقوا الجامع الكبير بالمدينة وتركوها خرابا ؛وأستقر بعد ذلك جنكيز خان في " سمر قند " لأنه أعجبته المدينة العملاقة التي لم يرى مثلها في حياته قبل ذلك . *** نهاية محمد بن خوارزم :- أرسل جنكيز خان عشرون ألفا من فرسانه يطلبون محمد بن خوارزم فقال لهم جنكيز خان " أطلبوا خوارزم شاه أينما كان ولو تعلق بالسماء " ؛ وكون جنكيز خان أرسل عشرين ألف جندي فقط لقتل محمد بن خوارزم فيه إشارة إلى استهزاء جنكيز خان بمحمد بن خوارزم وبأمته ؛ فهذا العدد لايقارن بالملايين المسلمة التي ستتحرك فيها هذه الفرقة التترية الصغيرة وتدخل في أعماق الملايين المسلمة | |
|
| |
ايام زمان المـديـر العـــام
17/5/2009 : 17/05/2009
| موضوع: رد: التتار وحلم غزو العالم - من الصعود إلى السقوط ! الأربعاء مايو 25 2011, 09:47 | |
| *** ما فعلته الفرقة التتريه:- انطلقت الفرقة التترية مباشرة باتجاه مدينة " أورجاندا " عاصمة الخوارزميين حيث يستقر محمد بن خوارزم ؛ وهي مدينة تقع على الشاطئ الغربي من نهر " جيحون " والذي يطلق عليه الآن نهر " أموداريا " فجاءت الفرقة التترية من الجانب الشرقي للنهر ففصل النهر بين الفريقين ؛ فأخذ التتار يعدون أحواضا خشبية كبيرة ثم ألبسوها جلود البقر حتى لايدخل فيها الماء ثم وضعوا فيها سلاحهم وعتادهم ومتعلقاتهم ثم أنزلوا الخيول الماء لأن الخيول تجيد السباحة ثم أمسكوا بأذناب الخيول ؛ وأخذت الخيول تسبح وهم يسبحون خلفها ويسحبون خلفهم الأحواض الخشبية بما فيها من سلاح وعتاد ؛ وبهذه الطريقة عبرت الفرقة التترية نهر " جيحون " وفوجئ المسلمون في " أورجاندا " بالتتار إلى جوارهم ومع أن أعداد المسلمين بالنسبة للتتار كانت كبيرة إلا أنهم قد ملئوا رعبا وخوفا من التتار وماكانوا متماسكين إلا لاعتقادهم أن النهر يفصل بينهم وبين التتار ؛ أما بعد أن أصبح التتار إلى جوارهم فلم يجدوا أمامهم إلا طريق واحد وهو الفرار ؛ وكما يقول ابن الأثير " ورحل خوارزم لايلوي على شئ في نفر من خاصته " . وأتجه محمد بن خوارزم في فراره من الفرقة التترية إلى مدينة "نيسابور " وهي إحدى مدن إيران حالياً ؛ فانتقل بذلك من دولة إلى دولة أخرى من أفغانستان إلى إيران ؛ أما الجنود النظاميون فقد تفرق كل منهم في جهة ؛ وأما التتار فما كانت لهم إلا مهمة واحدة وهي البحث عن محمد بن خوارزم وقتله ولذلك تركوا " أورجاندا " ولم يدخلوها وانطلقوا مباشرة في اتجاه " نيسابور " مخترقين الأراضي الإسلامية الواسعة في عمقها وهم لايزيدون على عشرين ألف مقاتل وجنكيز خان مازال مستقراً في " سمر قند " ؛ فكان بينهم وبين أقرب تجمع تتري مسافة كبيرة فكان من الممكن بسهولة أن تحاصر هذه الفرقة التترية في أي بقعة من بقاع العالم الإسلامي ؛ لكن الخوف من التتار جعل الناس يفرون منهم في كل اتجاه رعباً وحرصا على الحياة ؛ ولم يكن التتار في هذه المطاردة يتعرضون لسكان البلاد بالسلب أو النهب أو القتل لأن لهم هدف محدد لايريدون أن يضيعوا الوقت في القتل وجمع الغنائم إنما يريدون فقط اللحاق بالزعيم المسلم ومن ناحية أخرى فإن الناس لم يتعرضوا لهم لئلا يستثيروا حفيظتهم فيتعرضون لأذاهم ؛ وهكذا وصل التتار إلى منطقة قريبة من مدينة " نيسابور " في فترة وجيزة فلم يتمكن محمد بن خوارزم من جمع الأنصار والجنود ؛ فلما علم بقربهم منه فترك " نيسابور " واتجه إلى " مازن دران " وهي مدينة تقع في إيران حاليا فلما علم التتار بذلك لم يدخلوا " نيسابور " بل جاوزوها واتجهوا خلفه مباشرة فترك " مازن دران " إلى مدينة " الري " ثم إلى مدينة " همدان " والتتار في أثره ثم عاد إلى مدينة " مازن دران " مرة أخرى في فرار فاضح ثم اتجه بعد ذلك إلى مدينة " طبرستان " وهي مدينة على ساحل بحر " الخذف " وهو ما يعرف ببحر " قزوين " حاليا فوجد سفينة ركب فيها وهربت به في عمق البحر وجاء التتار ووقفوا على ساحل البحر ولم يجدوا ما يركبوه خلفه ؛ فنجحت خطة محمد بن خوارزم في فراره المخذي إلى جزيرة في وسط بحر قزوين وهناك رضي بالبقاء في قلعة قديمة كانت في هذه الجزيرة وعاش في فقر شديد وحياة صعبة وهو الملك الذي ملك بلاداً كبيرة وأموالاً لاتحصى ؛ولكن رضي بذلك لكي يفر من الموت وسبحان الله – ماهى إلا أيام ومات محمد بن خوارزم شاه في هذه الجزيرة النائية بداخل القلعة وحيداً طريداً شريداً فقيراً حتى أنهم لم يجدوا مايكفنوه فيه فكفنوه في فراشه الذي ينام عليه ؛ قال تعالى " أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة " .
*** سيرة " محمد بن خوارزم " وماقيل عنه :- - عندما تقرأ سيرة " محمد بن خوارزم " تجد أنك أمام رجل من عظماء المسلمين ؛ فإذا راجعت حياته الأخيرة وخاتمته تبين لك غير ذلك ؛ فيقول ابن الأثير في ذكر سيرته " وكانت مدة ملكه إحدى وعشرين سنة وشهوراً تقريباً ؛ وأتسع ملكه وعظم محله وأطاعه العالم بأسره وملك من حد العراق إلى تركمنستان ( في الصين حالياً ) وملك بلاد غزنة ( في أفغانستان حالياً ) وبعض الهند وسجستان وكرمان ( في باكستان حالياً ) وطبرستان وجرجان وبلاد الجبال وخرسان وبعض فارس ( في إيران حالياً ) . من هذه الفقرة يتبين لنا أنه كان عظيماً في ملكه فأستقر له الوضع في بلاد كبيرة مدة طويلة ؛ ومن هنا يظهر حسن إدارته لبلاده ؛ حتى أن ابن الأثير يقول " وكان صبوراً على التعب غير متنعم ولا مقبل على اللذات إنما همه في الملك وتدبيره وحفظه وحفظ رعاياه " ؛ وعندما تحدث عن حياته العلمية الشخصية قال " وكان فاضلاً عالماً بالفقة والحديث وغيرهما وكان مكرماً للعلماء محباً لهم محسناً إليهم وكان معظماً لأهل الدين مقبلاً عليهم متبركاً بهم " . ويقول ابن الأثير في نص آخر يفسر بوضوح سبب هذه الهزائم المتتالية والفرار الذي وقع على ذلك الإمام الفاضل فيقول " وكان محمد بن خوارزم وقد استولى على البلاد وقتل ملوكها وأفناهم وبقي هو وحده سلطان البلاد جميعها فلما انهزم من التتار لم يبق في البلاد من يمنعهم ولا من يحميه " فكان هذا هو السر في حياه هذا الرجل العالِم الذي اتسع سلطانه وذاع سيطه ثم مات في جزيرة في عمق البحر هرباً من التتار . *** ماذا فعلت الفرقة التترية بعد هروب محمد بن خوارزم ؟ كانت المسافة بين الفرقة التترية وبين القوى الرئيسية لجنكيز خان تزيد على 650كم ؛ ودبت الهزيمة النفسية في قلوب المسلمين فقبلوا أن يبقوا في قراهم ينتظرون الموت على يد الفرقة التترية ؛ فألقى الله الرعب في قلوبهم حتى كان المئة من المسلمين لا يقدرون على تترى واحد ** سقوط " مازن دران " :- عادت الفرقة التترية من شاطئ بحر قزوين إلى بلاد " مازن دران " فملكوها في أسرع وقت مع حصانتها وصعوبة الدخول إليها وامتناع قلاعها وهي من أشد بلاد المسلمين قوة ؛حتى أن المسلمين عندما ملكوا بلاد الأكاسرة ماستطاعوا أن يدخلوا " مازن دران " وذلك في زمان " عمر بن الخطاب " ولم تٌدخل إلا في زمان " سليمان بن عبد الملك " ؛ لكن التتار دخلوها بسرعة عجيبة لا لقوتهم وإنما لضعف نفوس أهلها ؛ وعندما دخلوها فعلوا بأهلها الأفاعيل من قتل وتعذيب وسبي ونهب وأحرقوا البلاد والعباد . ** سقوط " الري " :- اتجهت الفرقة التترية من " مازن دران " بعد أن ملكوها إلى مدينة " الري " ؛ وهم في طريقهم إلى " الري " وجدوا والده " محمد بن خوارزم " وزوجاته ومعهم الأموال الكثيرة والذخائر النفيسة التي لم يسمع بمثلها من قبل فأخذوا كل ذلك سبياً وغنية وأرسلوهم إلى جنكيز خان في " سمر قند " ثم وصلوا إلى " الري " فملكوها ونهبوها وسبوا الحريم واسترقوا الأطفال وفعلوا بها الويلات ؛ثم فعلوا مثل ذلك في القرى والمدن المحيطة بالمدينة ؛ فدخلوا على سبيل المثال مدينة " قزوين " فقتلوا من المسلمين فيها أربعون ألفاً والفرقة التترية لا تتجاوز العشرين ألف . ** سقوط " تبريز " :- اتجهت الفرقة التترية الصغيرة من مدينة " الري " إلى غرب بحر قزوين عند إقليم " أذربيجان" المسلم فمر التتار في طريقهم على مدينة " تبريز " وهي مدينة من مدن الإقليم ؛ فقرر حاكم المدينة المسلم ويدعى " أوزبك بن البهلوان " أن يصاح التتار على الأموال والثياب والدواب ولم يفكر مطلقاً في حربهم لأنه كان لا يفيق من شرب الخمر ليلاً أو نهاراً ؛ ورضي التتار بذلك لأن الشتاء القارس قد دخل على تلك المنطقة وهذه المدينة في منطقة باردة جداً . ** سقوط " أرمينيا وجورجيا " النصرانيتين :- ترك التتار " تبريز " ولكن إلى أجل واتجهوا إلى الساحل الغربي لبحر قزوين ؛ وبدأو في اجتياح الناحية الشرقية لأذربيجان متجهين ناحية الشمال ؛ وفي طريقهم اجتاحوا كلاً من " أرمينيا " و" جورجيا " فمملكة " أرمينيا " يسكنها الكثير من النصارى ؛ومملكة " جورجيا " يتجمع بها قبائل الكرج وهي قبائل نصرانية ووثنية ؛ فحدث قتال بين التتار وبين مملكتي أرمينيا وجورجيا وانتهى القتال بهزيمة المملكتين واجتياح التتار لهذه البلاد وضمها إلى أملاكهم . *** ماذا كان يفعل " جنكيز خان " في " سمر قند " :- بعد أن اطمئن جنكيز خان إلى هروب " محمد بن خوارزم " زعيم البلاد بدأ يبسط سيطرته على المناطق المحيطة ب " سمر قند " ؛ فوجد أن أعظم الأقاليم وأقواها في هذه المناطق هم إقليمي " خوارزم و خرسان " ؛ فإقليم " خرسان " هو إقليم شاسع به مدن كبيرة من أشهرها مدن " بلخ – مرو – نيسابور – هراه – غزنه " وهو يقع الآن في شرق إيران وشمال أفغانستان ؛ أما إقليم " خوارزم " فهو الإقليم الذي كان نواة الدولة الخوارزمية اشتهر بالقلاع الحصينة والثروة العددية والمواهب القتالية وهو يقع إلى الشمال الغربي من " سمر قند " ويمر به نهر " جيحون " وهو يقع الآن في دولتي " أوزبكستان وتركمانستان " ؛ فأراد جنكيز خان القيام بحرب معنوية تؤثر على نفسيات المسلمين قبل اجتياح هذه الأقاليم العملاقة ؛ فقرر البدأ بعمليات إباده وتدمير تبث الرعب في قلوب المسلمين في هاذين الإقليمين الكبيرين فأخرج من جيشه ثلاث فرق : الفرقة الأولى :لتدمير إقليم " فرغانه " وهو يقع في أوزبكستان حالياً على بعُد حوالي 500كم – شرق " سمر قند " . الفرقة الثانية : لتدمير مدينة " ترمز " وهي مدينة الإمام الترمزى – رحمه الله – وتبعُد حوالي 100كم – جنوب " سمر قند " . الفرقة الثالثة :لتدمير قلعة " قلادة " وهي من أحصن قلاع المسلمين على نهر " جيحون " . فقامت الفرق الثلاث بدورها التدميري كما أراد جنكيز خان ؛ فاستولت على كل هذه المناطق وقامت فيها بالقتل والأسر والسبي وانهب والتخريب ؛ فوصلت الرسالة التترية إلى كل الشعوب المحيطة فعمت الرهبة في أرجاء المنطقة ؛ وعندما عادت الفرق الثلاث من مهمتها بدأ جنكيز خان يعد للمهمة التالية وهي اجتياح إقليمي " خرسان وخوارزم " أولاً : اجتياح إقليم " خرسان " :- *** سقوط " بلخ " :- مدينة " بلخ " تقع في شمال أفغانستان حالياً ؛ وحدث فيها أمر هام فهذه المدينة تقع جنوب مدينة " ترمز " التي دمرتها الفرقة التترية ؛ فوصلت أخبار مدينة " ترمز " إلى أهل مدينة " بلخ" فأصيب الناس بالرعب الشديد من التتار ووصلت الجيوش التترية على أبواب مدينة " بلخ " فطلب أهلها منهم الأمان وعلى غير العادة قبل التتار أن يعطوهم الأمان الحقيقي ولم يتعرضوا لهم بالسب أو النهب أو القتل ؛ ولكن السبب في ذلك هو أن جنكيز خان أمر أهل " بلخ " أن يأتوا معه ليعاونوه في فتح مدينة مسلمة أخرى وهي مدينة " مرو " والغريب هو أن أهل " بلخ " أطاعوه وجاءوا معه لمحاربة أهل " مرو " والجميع من المسلمين ولكن الهزيمة النفسية جعلتهم ينصاعون لأوامر جنكيز خان ؛ وبذلك يكون جنكيز خان قد وفر قواته لمعارك أخرى وضرب المسلمين بعضهم ببعض . | |
|
| |
ايام زمان المـديـر العـــام
17/5/2009 : 17/05/2009
| موضوع: رد: التتار وحلم غزو العالم - من الصعود إلى السقوط ! الأربعاء مايو 25 2011, 09:49 | |
| *** سقوط " مرو " :- خرج الجيش المسلم من " بلخ " مع الجيش التتري لفتح " مرو " وهي من أكبر المدن في ذلك الوقت وهي تقع حالياً في دولة " تركمانستان " المسلمة على بعد حوالي 250كم – شرق مدينة " بلخ " الأفغانية ؛ فسار إليها جيش كبير من التتار على رأسه بعض أبناء جنكيز خان ومعهم الجيش المسلم الذي خرج معهم من " بلخ " وعلى أبواب " مرو " وجد التتار أن المسلمين قد جمعوا لهم خارج المدينة جيشاً يزيد على مائتي ألف مسلم فدارت موقعة لرهيبة بين الطرفين على أبواب " مرو " ودارت الدائرة على المسلمين وأنطلق التتار يذبحون في الجيش المسلم حتى قتلوا معظمهم وأسروا الباقي ولم يسلم إلا القليل ونهبوا الأموال والأسلحة والدواب من الجيش ؛ ويعلق ابن الأثير على هذه الواقعة فيقول " فلما وصلت التتار إليهم التقوا واقتتلوا فصبر المسلمون ولكن التتار لا يعرفون الهزيمة " ؛ فهزم المسلمون وفتح الطريق إلى المدينة ذات الأسوار العظيمة ؛ وكان بها من السكان ما يزيد على سبعمائة ألف مسلم من الرجال والنساء والأطفال ؛ فحاصر التتار المدينة ودب الرعب في قلوب أهلها بعد أن فني جيشهم أمام أعينهم ؛ ولم يفتح أهل " مرو " الأبواب للتتار لمدة أربعة أيام ولكن في اليوم الخامس أرسل قائد التتار رسالة إلى قائد مدينة " مرو" يقول فيها " لا تهلك نفسك وأهل البلد وأخرج إلينا نجعلك أمير هذه البلد ونرحل عنها " ؛ فصدق أمير المدينة ما قاله القائد التتري وخرج إليه فاستقبله القائد التتري استقبالا حافلاً واحترمه وقربه ؛ ثم قال له أخرج لنا أصحابك والمقربين ورؤساء القوم حتى ننظر من يصلح لخدمتنا فنعطيه العطايا ونقطع له الإقطاعيات ويكون معنا ؛فأرسل الأمير المخدوع إلى معاونيه وكبار وزرائه وجنده لحضور الاجتماع الهام مع ابن جنكيز خان ؛ فلما تمكن منهم التتار قبضوا عليهم جميعاً وقيدوهم بالحبال ثم طلبوا منهم أن يكتبوا قائمتين طويلتين : القائمة الأولى :تضم أسماء كبار التجار وأصحاب الأموال في المدينة . القائمة الثانية :أسماء أصحاب الحرف والصناع المهرة . ثم أمر بن جنكيز خان أن يأتي التتار بأهل المدينة أجمعين ؛ فخرج كل أهل المدينة حتى لم يعد بالمدينة أحد قط ؛ ثم جاءوا بكرسي من ذهب وجلس عليه ابن جنكيز خان وبدأ يصدر الأوامر : أولاً : إخراج أصحاب الحرف والصناع المهرة وإرسالهم إلى منغوليا للاستفادة من خبراتهم الصناعية هناك . ثانياً :إخراج أصحاب الأموال وتعذيبهم حتى يخبروا عن كل أموالهم ؛ ففعلوا ذلك ومنهم من كان يموت من شدة الضرب ولا يجد ما يكفي لفداء نفسه . ثالثاً :يأتوا بأمير البلاد وكبار القادة ورؤساء القوم فيقتلون جميعاً أمام عامة أهل المدينة. رابعاً :دخول المدينة وتفتيش البيوت بحثاً عن المتاع والذهب والفضة ؛ حتى إنهم نبشوا قبر السلطان " سنجر " أحد سلاطين خوارزم القدامى وأستمر هذا البحث لمدة ثلاثة أيام . خامساً :أمر ابن جنكيز خان أن يقتل أهل البلد أجمعين فبدأوا يقتلون طل أهل " مرو " فقالوا أن المدينة عصت علينا وقاومت ومن قاوم فهذا مصيره ؛ ويقول ابن الأثير في ذكر ذلك " وأمر ابن جنكيز خان بعد أن قتلوا جميعاً أن يقوم التتار بإحصاء القتلى فكانوا نحواً من سبعمائة ألف قتيل" ففنيت مدينة " مرو " عن آخرها واختفى ذكرها من التاريخ . ** سقوط " نيسابور " :- ثم جاوزوا مدينة " مرو " إلى مدينة " نيسابور " وهي مدينة كبيرة من مدن إقليم خرسان وتقع حالياً في الشمال الغربي لدولة " إيران " ؛ فاتجه إليها التتار بعد أن تركوا خلفهم مدينة " مرو " وقد خربت تماماً ؛ فحاصروها خمسة أيام ومع أنه كان يوجد بالمدينة جمع كبير من الجنود المسلمين إلا أن أخبار " مرو " وصلت إليهم فدب الرعب والهلع في أوساط المسلمين فما استطاعوا أن يقاوموا التتار ؛ فدخل التتار المدينة وأخرجوا كل أهلها إلى الصحراء ؛ وجاء من أخبر ابن جنكيز خان أن بعضاً من سكان " مرو " قد سلِم من القتل لأنهم ضربوا بالسيوف ضربات غير قاتلة فظن التتار أنهم قد ماتوا فتركوهم فهربوا ؛ لذلك في " نيسابور " أمر ابن جنكيز خان بقتل كل رجال المدينة بلا استثناء وأن تقطع رؤوسهم لكي يتأكدوا من قتلهم ؛ ثم قاموا بسبي كل نساء المدينة وأقاموا بالمدينة خمسة عشر يوما يبحثون في الديار بحثاً عن الأموال والنفائس ؛ ثم تركوها كما يقول ابن الأثير " أثراً بعد عين " . ** سقوط " هراه " :- ثم اتجهوا إلى " هراه " في شمال أفغانستان فتوجه إليها ابن جنكيز خان بقواته المهولة ولم تسلم " هراه " من المصير الذي واجهته " مرو " و "نيسابور " فقتل كل من فيها من الرجال وسبى كل النساء وخربت المدينة كلها وأحرقت عن آخرها لكن أمير هذه المدينة وكان يدعى " ملك خان " أستطاع الهروب بفرقه من جيشه في اتجاه " غزنه " في أفغانستان بعيداً عن أرض القتال . بسقوط " هراه " يكون إقليم خرسان بكاملة قد سقط في أيدي التتار ولم يبقوا فيه على مدينة واحدة ؛ كل هذه الأحداث تمت في عام 617- وهذا من أعجب الأمور التي مرت في تاريخ الأرض مطلقاً . ثانياً : إقليم خوارزم :- من أشهر مدنه مدينة " خوارزم " مركز الخوارزميين وبها تجمع كبير من المسلمين وحصونها من أشد حصون المسلمين بأساً وقوة وهي تقع حالياً على الحدود بين " أوزبكستان " و" تركمانستان " تقع مباشرة على نهر " جيحون " وكانت تمثل للمسلمين أهمية إستراتيجية واقتصادية كبيرة . ** سقوط " خوارزم " :- لأهميتها الكبيرة وجه إليها جنكيز خان أعظم جيوشه وأكبرها ؛ فقام هذا الجيش بحصار المدينة خمسة أشهر كاملة ولم يتم له الفتح فطلبوا المدد من جنكيز خان فأمدهم بجند كثير وزحفوا على المدينة زحفاً متتابعاً وضغطوا عليها من جميع الجهات حتى استطاعوا أن يحدثوا ثغرة في الأسوار ؛ فدخلوا المدينة ودار قتال رهيب بين التتار والمسلمين داخل المدينة وفني من الفرقين خلق كثير إلا أ، السيطرة الميدانية كانت للتتار ثم تدفقت على المدينة جموع كثيرة من التتار فحلت الهزيمة الساحقة بالمسلمين ؛ ودار على أشدة فيهم وبدأ المسلمون في الهروب والاختفاء في السراديب والخنادق والديار ؛ فقام التتار بهد سد ضخم كان مبنياً على نهر " جيحون " ليمنع المياه من دخول المدينة ؛ فأطلق التتار طوفن من المياه الغزيرة على " خوارزم " فأغرقت المدينة بكاملها ودخل الماء في السراديب والخنادق والديار وتهدمت ديار المدينة بفعل الطوفان الهائل ؛ ولم يسلم من خوارزم أحد البتة وأصبحت المدينة العظيمة خراباً وتركها التتار وقد اختفت تماماً من على وجه الأرض وأصبح مكانها ماء نهر " جيحون " ؛ وهذا كما قال ابن الأثير " مالم يسمع به في قديم الزمان وحديثه اللهم إلا ما حدث مع قوم نوح – عليه السلام " . وكانت هذه الأحداث الدامية أيضاً في سنة 617- . بتدمير إقليمي خراسان وخوارزم يكون التتار قد سيطروا علي المناطق الشمالية والوسطي من دولة خوارزم الكبرى ووصلوا في تقدمهم إلي الغرب علي مقربة كبيرة من نهاية هذه الدولة على حدود العراق . *** جلال الدين بن خوارزم :- ولكنهم لم يقتربوا بعد من جنوب دولة خوارزم الكبرى الذى كان تحت سيطرة رجل يدعي " جلال الدين بن خوارزم شاه " ابن الزعيم محمد بن خوارزم شاه زعيم الدولة الخوارزمية ، وكان جنوب الدولة الخوارزمية يشمل وسط وجنوب أفغانستان وباكستان وكان يفصل بينه وبين الهند نهر السند وكان جلال الدين يتخذ من مدينة غزنة مقرا له وهي تقع الآن في أفغانستان علي بعد 150 كم من مدينة كابل وهى مدينة حصينة تقع وسط جبال " باروجا ميزوس " الأفغانية . ** موقعة " غزنة " :- عندما انتهى جنكيز خان من أمر الزعيم الرئيسي للبلاد "محمد بن خوارزم شاه " وأسقط دولته بهذا الشكل المريع بدأ يفكر في غزو وسط أفغانستان وجنوبها ، فهو يريد أن من أمر الابن " جلال الدين " الذى ورث الحكم بعد أبيه محمد بن خوارزم شاه ، فوجه جنكيز خان إلى غزنة وهي عاصمة ملك " جلال الدين " جيشاً كثيفا من التتار ، وبدأ جلال الدين بعد أن أصبح الوريث الشرعى للبلاد وبعد أن وصلته أخبار ما حدث فى شمال ووسط مملكة أبيه وما حدث لأبيه وكيف مات فى جزيرة نائية ،فجمع جيشاً كبيرا من بلاده وأنضم إليه أحد ملوك الأتراك المسلمين كان يدعى "سيف الدين بغراق " وكان شجاعاً مقداماً صاحب رأى ومكيدة وحرب وكان معه ثلاثون ألف جندي ثم أنضم إليه أيضا ستون ألفا من الجنود الخوارزمية الذين فروا من التتار أثناء غزوهم المدن الخوارزمية ، ثم أنضم إليه أيضا ملك خان و أمير هراة الذى فر منها بفرقة من جيشه ، فبلغ جيش جلال الدين عددا كبيرا ، فخرج بهذا الجيش إلى منطقة بجوار غزنة تدعى " بلق" وهى منطقة ذات طبيعة جبلية وعرة وتقع وسط الجبال العظيمة ، وانتظر جيش التتار هناك فى ذلك المكان الحصين ، وبعد قليل جاء جيش التتار فدار بين الجيشين معركة من أشرس المعارك فى هذه المنطقة وقاتل المسلمون قتال المستميت فهذه أطراف المملكة الخوارزمية فلو هزموا في هذه الموقعة فليس بعدها أملاك ، فكان لحمية المسلمين ولصعوبة الأرض والطبيعة الجبلية وكثرة أعداد المسلمين وشجاعة الفرقة التركية بقيادة سيف الدين بغراق والقيادة الميدانية لجلال الدين أثراً واضحا في ثبات المسلمين أمام جحافل التتار فاستمرت المعركة ثلاثة أيام ، ثم أنزل الله – عز وجل – نصره علي المسلمين وانهزم التتار للمرة الأولى فى بلاد المسلمين وكثر فيهم القتل ، وفر الباقون منهم إلى ملكهم جنكيز خان وكان فى ذلك الوقت قد ترك سمرقند وتمركز فى منطقة الطالقان فى شمال شرق أفغانستان ، وارتفعت معنويات المسلمين بعد هذه المعركة فقد كان قد وقر فى قلوب الكثيرين قبل المعركة أن التتار لا يهزمون ، ولكن هاهو إتحاد الجيوش الإسلامية في غزنة يؤتى ثماره فاتحدت فى هذه الموقعة جيوش جلال الدين مع بقايا جيوش أبيه مع الفرقة التركية بقيادة " سيف الدين بغراق " مع ملك خان أمير هراة واختاروا مكاناً مناسباً وأخذوا بالأسباب المتاحة فكان النصر .
** موقعة " كابل " :- وعندما اطمئن جلال الدين إلى جيشه أرسل رسالة إلى جنكيز خان في " الطالقان " يدعوه فيها إلى قتال جديد وهذه هي أول مره يشعر فيها جنكيز خان بالقلق فجهز جيشاً أكبر وأرسله مع أحد أبناءه لقتال جلال الدين وتجهز الجيش المسلم للموقعة الثانية مع التتار ؛ والتقى الجيشان في مدينة " كابُل " الأفغانية وهي مدينة حصينة تحاط من كل جهاتها تقريباً بالجبال ؛ فشمالها جبال " هندوكوش " الشاهقة وغربها جبال " باروبا ميزوس " وجنوبها وشرقها جبال " سليمان " ؛ فدارت موقعة كابل الكبيرة وكان القتال عنيفاً أشد ضراوة من موقعة غزنة وثبت المسلمون وحققوا نصراً غالياً ثانياً على التتار بل وأنقذوا عشرات الآلاف من المسلمين الأسرى من أيدي التتار ؛ وارتفعت معنويات المسلمين أكثر وفرح المسلمون بهذا النصر . ** الغنائم :- ثم تمكن المسلمون من شئ يعتبرة الكثيرون من الناس نعمة ولكن كثيراً ما يكون نقمة ألا وهو " الغنائم " الدنيا وكم أهلكت الدنيا من المسلمين ؛ روى البخاري ومسلم عن عمرو بن عوف ( رضي الله عنه ) قال ؛ قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) " فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم " ؛ وكانت قلوب المسلمين في هذه الحقبة من الزمان مريضة بمرض حب الدنيا إلا من رحم الله ؛ وكانت حروبهم حروب مادية ؛ حروب مصالح ؛ حروب أهواء ؛ ولم تكن حروباً في سبيل الله – عز وجل – لذلك كان لهم الانتصار مرة أو مرتين لحب البقاء والرغبة في الملك والخوف من الأسر ومن القتل فكانت لهم جولة أو جولتين ولكن ظهرت خبايا النفوس عند كثرة الأموال والغنائم ووقع المسلمون في الفتنة فاختلفوا على تقسيم الغنيمة ؛ فقام " سيف الدين بغراق " وقام " ملك خان " أمير هراه قام كل منهما نصيبه في الغنيمة وحدث الأختلاف وارتفعت الأصوات ثم ارتفعت السيوف ليقاتل المسلمون على تقسيم الغنيمة ؛ وجيوش التتار مازالت تملأ معظم مدن المسلمين ؛ وكان ممن قُتل أخ لسيف الدين بغراق فغضب غضباً شديداً وقرر الانسحاب من جيش جلال الدين ومعه ثلاثون ألف مقاتل ؛ فحدث ارتباك كبير في جيش المسلمين وحاول جلال الدين أن يُصلح الأمور فأسرع إلى سيف الدين بغراق ليرجوه أن يعود إلى صف المسلمين والمسلمون في حاجة إلى كل جندي وفي حاجة إلى كل طاقة ؛ وفوق هذا فإن الفرقة التركية التي انسحبت هي أقوى فرقة في جيش جلال الدين ؛ لكن سيف الدين بغراق أصر على الأنسحاب وأنسحب بالفعل وأنكسر جيش المسلمين انكسارا كبيراً فأنكسر انكساراً مادياً ومعنوياً ولم يفلح المسلمين في استثمار النصر الغالي الذي حققوه في " غزنه " و " كابل " ؛ روى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال؛ قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) " إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستحلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء *** فرار " جلال الدين " :- وبينما هم كذلك إذ جاء جنكيز خان بنفسه على رأس جيوشه ليرى ذلك المسلم الذي انتصر عليه مرتين في غزنة وكابل فدب الرعب والهلع في جيش المسلمين فقد قلت أعداد المسلمين وتحطمت معنوياتهم ؛ ورأى جلال الدين أن جيشه أصبح ضعيفاً فأخذ جيشه وبدأ يتجه جنوباً للهروب من جيش جنكيز خان أو على الأقل تجنب الحرب لكن جنكيز خان كان مصراً على الحرب ؛ وفعل جلال الدين مثل ما فعل أبوه من قبل فبدأ يتنقل من مدينة إلى مدينة ومن بلد إلى وبلد حتى وصل إلى حدود باكستان فاخترقها حتى وصل إلى نهر " السند " الذي يفصل بين باكستان والهند وهناك قرر العبور في نهر " السند " والدخول إلى أرض الهند مع أن علاقته بأهل الهند علاقة سيئة لكن كان أرحم عنده من لقاء جنكيز خان ولكن عند نهر السند لم يجد السفينة التي يعبر بها مثلما وجدها أبوه من قبل ؛ فأنتظر وفوجئ بعد قليل بجيش جنكيز خان من خلفه فلم يكن هناك بُد من القتال فنهر السند من خلفهم والسفن على مسافة بعيدة ؛ فدارت موقعة رهيبة بكل معاني الكلمة فكل المشاهدين لهذه الموقعة قال أن كل ماضي من الحروب كان لعباً بالنسبة إلى هذا القتال واستمرت الموقعة الرهيبة ثلاثة أيام متصلة واستحر القتل في الفريقين وكان ممن قتل في صفوف المسلمين الأمير " ملك خان " أمير هراه ؛ وفي اليوم الرابع انفصلت الجيوش لكثرة القتل وبدأ كل طرف يعيد حساباته ؛ وبينما هم في هذه الهدنة المؤقتة جاءت السفن إلى نهر السند فلم يضيع جلال الدين أي وقت في التفكير فأخذ القرار السريع في الهروب وقفز الزعيم المسلم إلى السفينة ومعه خاصته ومقربيه وعبروا نهر السند إلى بلاد الهند وتركوا التتار على الناحية الغربية للنهر . ** سقوط " غزنة " :- بعد ذلك انقلب جنكيز خان على بلاد المسلمين يصب عليها عظيم غضبة نتيجة الهزيمتين اللتان لحقتا بجيوشه من قبل ويفعل بها ما اعتاد التتار أن يفعلوه وأكثر ؛ وكانت أشد المدن معاناة مدينة " غزنة " عاصمة جلال الدين بن خوارزم وهي المدينة التي هُزم عندها قبل ذلك جيش جنكيز خان ؛ فقتل كل رجالها بلا استثناء وسبى كل الحريم وأحرق كل الديار وتركها كما يقول ابن الأثير " خاوية على عروشها كأن لم تغن بالأمس " وكان ممن أمسك به جنكيز خان من أهل المدينة أطفال جلال الدين بن خوارزم فأمر جنكيز خان بزبحهم جميعاً وهكذا ذاق جلال الدين من نفس المرارة التي ذاقها الملايين من شعبه ؛ روى البيهقي أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) قال " كن كما شئت فكما تدين تدان " ؛ وبذلك حقق جنكيز خان حلماً غالياً ما كان يتوقع أن يكون بهذه السهولة وهو احتلال أفغانستان . فلماذا يكون حلم جنكيز خان وأمثاله احتلال أفغانستان ؟ ولماذا يكون احتلال أفغانستان خطوة لسقوط الأمة الإسلامية ؟ " " " " " من أي محتل نذير خطر على الأمة الإسلامية بأسرها ؟
كل هذا لعدة أمور :- 1- للطبيعة الجبلية للدولة التي تجعل غزوها شبه مستحيل ؛ وبذلك فهي تمثل حاجزاً طبيعياً قوياً في وجه الغزاة ؛ هذا الحاجز يخفف الوضع على البلاد المجاورة لأفغانستان فإن سقطت أفغانستان كان سقوط هذه البلاد المجاورة محتملاً جداً وسيكون غزو أو مساومة باكستان وإيران والعراق أسهل كثيراً . 2- الموقع الإستراتيجي الهام لأفغانستان فهي تقع في موقع متوسط من أسيا ؛ فالذي يمتلك أفغانستان فكأنه ينظر بزاوية بدرجة 360 على المنطقة بأسرها ؛ فهو على بُعد خطوات من دول في غاية الأهمية ؛ فهو لا يراقب باكستان وإيران فقط ولكن يراقب أيضاً دولاً خطيرة في المنطقة مثل روسيا والهند ؛ وفوق ذلك هو قريب نسبياً من الصين فتصبح السيطرة على كامل آسيا بعد احتلال أفغانستان أمراً ممكناً . 3- الطبيعة الجبلية لأفغانستان أكسبت الشعب الأفغاني صلابة وقوة قد لا تتوفر في غيرها من البلاد إن سقط هؤلاء الأفغان فسقوط غيرهم سيكون أسهل بلا شك . 4- يتمتع سكان أفغانستان بنزعة إسلامية عالية وروح جهادية بارزة ومميزة وليس من السهل أن يقبلوا بالإحتلال وظهر ذلك جلياً في انتصارين متتاليين علي التتار فكل الجيوش الإسلامية قبل ذلك فشلت في حربها مع التتار وهذه أول مرة يهزم التتار هزيمتين متتاليتين وكان ذلك في أفغانستان فلو سقط هؤلاء القوم فهذا يعد نجاحاً كبيرا للقوي المعادية للمسلمين . بذلك يكون التتار قد وصلوا من الصين إلى كازاخستان ثم أوزبكستان ثم تركمنستان ثم أفغانستان ثم إيران ثم أذربيجان ثم أرمينيا وجورجيا واقتربوا جدا من العراق كل ذلك في سنة 617 ه ، ففي سنة واحدة اجتاح التتار هذا الجزء الشرقي من العالم الإسلامي | |
|
| |
ايام زمان المـديـر العـــام
17/5/2009 : 17/05/2009
| موضوع: رد: التتار وحلم غزو العالم - من الصعود إلى السقوط ! الأربعاء مايو 25 2011, 09:50 | |
| ** سقوط مراغة :- في بداية عام 618 ه دخل التتار مدينة مراغة المسلمة وهي تقع في إقليم أذربيجان ومن عجيب الأمور أن امرأة مسلمة كانت تحكم هذه المدينة ، حاصر التتار مراغة ونصبوا حولها المنجنيق وبدأ القتال من التتار للمسلمين بواسطة الأسري المسلمين الذين بدأو بفتح مراغة ، وبدأ الأسري المسلمين يقتلون إخوانهم المسلمين في مراغة طمعاً في قليل من الحياة ودخل التتار المدينة المسلمة في 4 صفر سنة 618 ه ووضعوا السيف في أهلها فقتل منهم كما يقول ابن الأثير ( ما يخرج عن الحد والإحصاء ) ونهبوا كل ما صلح نهبه وكل ما استطاعوا أن يحملوه والذي لم يستطيعوا حمله كانوا يجمعونه ويحرقونه فكانوا يأتون بالحرير الثمين كأمثال التلال فيحرقونه بالنار ، ويقول ابن الأثير ( إن المرأة من التتار كانت تدخل الدار فتقتل جماعة من أهل الدار رجالا ونساء وأطفالا ما يتحرك لها أحد ) وذكر أيضاً أنه قد سمع بنفسه من بعض أهل مراغة أن رجلا من التتر دخل درباً به مائة رجل مسلم فما زال يقتلهم واحداً تلوا الآخر حتى أفناهم جميعاً ولم يرفع إليه رجل واحد يده بسوء فوضعت الذلة علي الناس لا يدفعون عن أنفسهم قليل ولا كثير .
** الخليفة والتتار :- ثم بدأ التتار يفكرون جدياً في غزو مدينة " أربيل " التي تقع في شمال العراق فدب الرعب في المدينة وكذلك في مدينة " الموصل " التي تقع غرب أربيل ؛وفكر بعض أهل أربيل والموصل في الهروب من طريق التتار ؛ فخشي الخليفة العباسي " الناصر لدين الله " أن يعدل التتار عن أربيل ويتجهوا إلى بغداد فبدأ يفيق من ثباته العميق فبدأ يستفر الناس لملاقاة التتار في أربيل إذا وصلوا إليها ؛ فأعلن حالة الأستنفار العام في كل مدن العراق التي تقع تحت سيطرته فبدأ جيش الخلافة العباسية في التجهز وكان كل ما جمعه الخليفة من الإستنفار العام للمعركة ثمانمائة رجل فقط ولم يستطع قائد الجيش العباسي وكان يدعى " مظفر الدين " أن يلتقي بالتتار بهذا العدد الهزيل ؛ فعندما رأى أمامه جيش التتار وهم مئات الآلاف وهو لا يتعدى الثمانمائة رجل فانسحب من أمامهم ؛ ولكن –سبحان الله – فقد حدث أمر غريب وهو أن التتار شعروا أن هذا الأنسحاب خدعة وأن هذه الفرقة ما هي إلا مقدمة للجيش الإسلامي الكبير ؛ فلا يُعقل أن جيش الخلافة العباسية المرهوبة لا يزيد عن ثمانمائة جندي لذلك قرر التتار تجنب المعركة وانسحبوا بجيوشهم وآثروا أن يدخلوا مع الخلافة في صدام مباشر واستبدلوا ذلك بما يعرف بحرف الاستنزاف فسيقومون بضربات خاطفه موجعة للعراق ؛ سيحاصرون العراق حصاراً طويلاً مستمراً لإضعاف العراق ثم القيام بأحلاف واتفاقيات مع الدول والأمارات المجاورة للعراق لتسهيل الحرب ضد العراق في الوقت المناسب ؛ لذلك انسحب التتار ليطول عُمر العراق عدة سنوات أُخرى ** تبريز :- انسحب التتار من أربيل إلى مدينة " تبريز " وهي مدينة إيرانية وكان قائدها كما ذكر سابقاً يدعى " أوزبك بن البهلوان " الذي كان لا يفيق من شرب الخمر ؛ فعاد التتار إلى تبريز ليحاولوا مخالفة العهد الذي عقدوه مع أوزبك لكن فوجئ التتار بتغيير الحكم في المدينة وتولى قيادة البلاد رجلاً يدعى " شمس الدين الطغرائي " وكان رجلاً مجاهداً يفقه دينه ودنياه فقام – رحمه الله- يحمس الناس على الجهاد وعلى إعداد القوة ؛ وقوى قلوبهم على الأمتناع حذرهم من عاقبة التخاذل والتواني فعلمهم ما عرفوه نظرياً قبل ذلك ولم يطبقوه أبداً بصورة عملية في حياتهم فعلمهم أن الإنسان لا يموت قبل ميعاده أبداً وأن رزقه وأجله قد كتب له قبل أن يولد وأنهم مهما فعلوا للتتار فلن يتركوهم إلا إذا احتمى المسلمون وراء سيوفهم ودروعهم أما بغير قوة فلن يحمى حق على وجه الأرض ؛ فتركت الحمية في قلوب أهل تبريز فقاموا مع قائدهم البار يحصنون بلدهم ويصلحون الأسوار ويوسعون في الخندق ويجهزون السلاح ويضعون المتاريس ويرتبون الصفوف ؛ فتجهز القوم وللمرة الأولى منذ زمن للجهاد في سبيل الله فسمع التتار بأمر المدينة وسمعوا بحالة العصيان المدني فيها وحالة الأستنفار العام وسمعوا بدعوة التجهز للقتال في سبيل الله فسمعوا بكل ذلك فماذا فعل التتار ؟ فأخذ التتار قراراً عجيباً قرروا عدم دخول " تبريز " وعدم الدخول في قتال مع قوم قد رفعوا راية الجهاد في سبيل الله والقى الله – عز وجل – الرعب في قلوب التتار على كثرتهم من أهل تبريز على قلتهم ؛ الجهاد في سبيل الله فعل فعلته المتوقعة بل إن القوم لم يجاهدوا ولم يصلوا إلى مرحلة الجهاد لكن عقدوا النية الصادقة وأعدوا الإعداد المستطاع فتحقق الوعد الرباني الوعد الذي لا خلف له وهو وقوع الرهبة في قلوب الأعداء عند إعداد المسلمين قال تعالى " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل " ؛ فما حجم تبريز بالنسبة لجيوش التتار وما حجمها بالنسبة للمدن والدول الإسلامية التي سقطت ؛ قال تعالى " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل " فما النتيجة " ترهبون به عدوا الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شئ في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون " . كانت هذه صورة مشرقة في وسط هذا الركام المظلم ورحم الله " شمس الدين الطغرائي " الذي جدد الدين في هذه المدينة المسلمة وسبحان الله – نفس هذا الحدث تكرر مع مدينة " كنجه " فقد أعلنت أيضاً الجهاد في سبيل الله وأعدت العدة فلم يدخل إليها تتري واحد . ** سقوط " داغستان والشيشان " :- ترك التتار تبريز وكنجه واتجهوا إلى داغستان والشيشان وهما تقعان في شمال أذربيجان على ساحل بح قزوين فقام التتار كعادتهم بتدمير كل شئ في هذه البلاد وقتل معظم من وجدوه في طريقهم وكانت أشد المدن معاناة هي مدينة " شماخي " وهي تقع في دولة داغستان حالياً . ** الهجوم على " روسيا " :- ترك التتار هذه المنطقة وجاوزوها إلى ما بعدها وهي " روسيا " ؛ ودخل التتار أرض روسيا وكانت في ذلك يعيش فيها النصارى واستمر التتار في تقدمهم حتى وصلوا إلى حوض نهر " الفولجه " في روسيا وقاتلوا أهل هذه البلاد من النصارى وأثخنوا فيهم القتل وارتكبوا معهم من البشائع ما كانوا يرتكبونه مع المسلمين وبقوا تقريباً سنة 618 – في داخل أرض روسيا وهي أراض واسعة فسيطروا على الجنوب الغربي من أرض روسيا في هذه السنة . وفي سنة 619- حافظ التتار على أملاكهم ووتضوا ملكهم في هذه المناطق . ونراجع سريعاً أسماء الدول التي سقطت في أيدي التتار إلى هذه اللحظة من سنة 619 – وهي : كازاخستان – قرغيغستان – طاجكستان – أوزباكستان – تركمانستان – باكستان باستثناء المناطق الجنوبية منها والمعروفة بإقليم " كرمان " لم يصل إليه التتار بعد – أفغانستان – معظم إيران ماعدا الجزء الغربي منها الذي كان تحت سيطرة طائفة الإسماعيلية – أذربيجان – أرمينيا وجورجيا النصرانيتين – الجنوب الغربي من روسيا . دخول سنة 620:- بينما كان جنكيز خان يبسط سطوته على الدولة الخوارزمية وما حولها استمرت الحملات التترية على روسيا وانشغل التتار بحرب روسيا في سنة 620؛ لكن في هذه السنة نعلق فيها على أربعة أحداث فقط : 1- توغل التتار في بلاد روسيا وحققوا انتصارات عديدة لكن في نهاية المطاف توقفوا أمام طائفة تدعى طائفة " البلغار " وحدثت بينهم موقعة عظيمة هُزم فيها التتار هزيمة منكرة وقتل منهم خلقاً كثيراً إلى حد أن التتار فقدوا السيطرة على معظم المناطق الغربية التي كانوا يحتلونها ففقدوا السيطرة على روسيا وجورجيا وأرمينيا والشيشان وداغستان وأذربيجان وشمال إيران هذا كله نتيجة هزيمة واحدة في روسيا وكانت هذه فرصة من السماء للمسلمين لكي يعيدوا ترتيب الأوراق وترتيب الصفوف وتجهيز العدة ليقابلوا التتار وهم في حالة إرتباك بعد هذه الهزيمة الكبيرة ؛ كان هذا هو المتوقع لكن لم يحدث شئ من هذا القبيل وما حدث هو أن أحد أمراء المسلمين في هذه المنطقة جمع عُدته وعتاده وهجم على قبائل الكرج في جورجيا ؛ وهذا الحدث يحتاج إلى وقفة فهذا حدث عجيب في هذا الوقت نعم بين الكرج والمسلمين حروب مستمرة إلا أنهم الآن في شبه هدنة غي رسمية فليس من الحكمة أبداً فتح جبهات جديدة على المسلمين في وجود العدو الأكبر لهم وهو التتار وبالأخص أن الكرج أيضا يعانون مما يعاني منه المسلمون فالكرج يكرهون التتار وأصيبوا كما أصيب المسلمون من التتار ؛ فكان المتوقع في ذلك الوقت من المسلمين إن كانوا يتحلون بالحكمة السياسية أن يتحالفوا بحذر مع الكرج ضد التتار أو على الأقل يحيدوا صفهم لكن يدخلوا في حرب مع الكرج يستنزفوا فيها قوة المسلمين وقوة الكرج في وجود القوة التترية الضخمة إلى جوارهم فهذا يعتبر من سوء الحكمة في تقدير الأمور ؛ ودارت الحرب بين الطرفين وفقد كل منهما عدداً كبيراً من القتلى والأهم من ذلك أنهم فقدوا الثقة وإمكانية التحالف ضد التتار ولم يستغل المسلمون موازين القوى في ذلك الوقت لصالحهم فكان هذا من أهم أسباب ضعفهم ؛ ثم سكنت الحرب وأُقيم الصلح من جديد بين الكرج والمسلمين لكن بعد فقد طاقة مهولة من الطرفين . 2- نتيجة هزيمة التتار في هذه المنطقة ظهر أحد أبناء " محمد بن خوارزم " غير جلال الدين يُدعى " غياث الدين بن محمد بن خوارزم " ؛ فقام غياث الدين هذا بجمع الرجال وأشغل الفراغ النسبي الذي خلفه التتار وتملك المنطقة وسيطر على معظم إيران من مدن الري واصبهان وغيرها ووصل في سيطرته إلى إقليم كرمان في باكستان وهذه المنطقة كما ذكرنا لم يصل إليها التتار وأصبحت سيطرة غياث الدين بن خوارزم على مناطق شمال وغرب وجنوب غيران أما المنطقة الشرقية فما زالت تحت الأحتلال التتري وهي إقليم خُرسان فالتتار ملاصقون تماماً لغياث الدين ؛ فكان المتوقع من الخليفة العباسي " الناصر لدين الله " في ذلك الوقت أن يساعد غياث الدين بن خوارزم لأنه يقف بينه وبين التتار فكان المتوقع أن يساعده إن لم يكن بدوافع الدين والأخوة والنصرة للمسلمين فليكن بسبب الأبعاد الإستراتيجية الهامة فهو يقف كحائط صد أمام الخلافة العباسية لكن الخليفة العباسي لم يدرك هذه الأبعاد وكان الناصر لدين الله كما يقول المؤرخون " رجلاً ظالماً مستبداً فرض المكوس والضرائب على كل شعبه فكل أزمة إقتصادية تحدث يفرض ضريبة جديدة فيحل الأزمة من قوت الشعب وكان مهتماً بالحفلات والملذات والصيد واللعب وعم الفساد في زمانه فارتفعت الأسعار وقلت المؤن والموارد ؛ فلم ينس الناصر لدين الله الخلافات القديمة مع الدولة الخوارزمية فهو يريد أن يفكك الدولة التي بدأت تنموا بجواره بقيادة غياث الدين فراسل خال غياث الدين وكلن يُدعى " إغان طائسي " وكان رجلاً كبير صاحب رأي في الحرب وكان أميراً في جيش غياث الدين فراسله الخليفة العباسي ووعده أن يساعده في حالة ما إذا انقلب على غياث الدين وأمده بالجند والسلاح والأفكار ولم يهمه مطلقاً الفتنة التي ستحدث في إيران إلى جواره تماماً وأعجبت الفكرة " إغان طائسي " وجمع الجند وبدا ينادي بالعصيان ضد غياث الدين وهو ابن أخته فحدث ما لم يُتوقع ؛ التقى إغان طائسي مع ابن أخته غياث الدين في موقعة فاصلة للسيطرة على إيران ودارت موقعة كبيرة وسقطت الأعداد الكثيرة من المسلمين قتلى بسيوف المسلمين وفي النهاية إنهزم إغان طائسي وهرب هو ومن معه بعد أن قُتل عدد كبير من جنده . 3- هذه الحادثة التي سنتحدث عنها ذكرها بن الأثير في كتابه وقدم لها عبارة فقال " حادثة غريبة لم يوجد مثلها " وهي أن مملكة الكرج النصرانية بعد أن أتمت صلحها مع المسلمين وصل إلي قمة الحكم فيها امرأة وكانت غير متزوجة فطلب منها الأمراء أن تتزوج رجلاً يدير عنها البلاد فوافقت وأرادت أن تتزوج من بيت يكون بيت ملك وشرف فلم تجد أي بيت في مملكتها فسمع بذلك أحد ملوك المسلمين يدعى " مغيث الدين بن طغرر شاه بن قلج أرسلان " من ملوك السلاجقة وكان يحكم منطقة الأناضول وكان له ابن كبير فأرسل إلى ملكة الكرج وطلب منها أن يزوجها لابنه فرفضت الملكة وقالت أنها لا تتزوج من رجل مسلم فلا يمكن أن يملك مملكة الكرج رجل مسلم فقال لهم :" إن ابني يتنصر ويتزوجها " ؛ فوافقوا على ذلك وتنصر الولد المسلم وتزوج ملكة الكرج وانتقل إلى مملكتهم ليكون حاكماً عليهم وبقي على نصرانيته ؛ وللعبرة أن هذا الولد مات على نصرانيته محبوساً في مملكة الكرج بعد أن عزلوه عن الحكم – فإنا لله وإنا إليه راجعون- . 4- هجم الجراد بكميات هائلة على أكثر أقاليم المسلمين فأهلك الكثير من الغلات والخُضر بالعراق والجزيرة والشام وفارس وغيرها . ** دخول سنة 621 :- نعلق فيها على ثلاثة أحداث فقط : 1- حدث بين " غياث الدين " الذي كان يحكم إيران في ذلك الوقت حدثت حدث بينه وبين أحد الأمراء في هذه المنطقة فتنة وهذا الأمير هو " سعد الدين دكنه " ودار بينهما قتال طويل حتى رضي الطرفان بتقسيم البلاد إلى نصفين شمالي وجنوبي فالجنوب به " سعد الدين دكنه " والشمال به " غياث الدين " . 2- دخل ثلاثة آلاف جندي تتري إلى إيران فوضعوا السيف في مدن ( الري – ساوا – قُم – قاشان – همدان ) ولم يُرفع في وجههم سيف . 3- قلت الأمطار في البلاد في هذه السنة فكانت الأمطار تجئ قليلة جداً وفي أوقات متفرقة وخرج عليهم الجراد للمرة الثانية ليأكل الزرع القليل الذي خرج في وجود المطر القليل وغلت الأسعار في العراق – الموصل – وسائر ديار الجزيرة وهي المنطقة الشمالية من العراق وسوريا | |
|
| |
ايام زمان المـديـر العـــام
17/5/2009 : 17/05/2009
| موضوع: رد: التتار وحلم غزو العالم - من الصعود إلى السقوط ! الأربعاء مايو 25 2011, 09:52 | |
| ** دخول سنة 622 و 623 :- 1- خفت في هاتين السنتين القبضة التترية على غرب الدولة الخوارزمية وغرب وشمال إيران ؛ واكتفوا ببعض الحملات المتباعدة واهتموا بتوطيد الملك في أركان الدولة الخوارزمية الشاسعة التي وقعت في أيديهم ؛ لكن حدث أمر جديد في هاتين السنتين فقد ظهر على مسرح الأحداث فجأة "جلال الدين بن محمد بن خوارزم شاه " الذي لم يستطع العيش في بلاد الهند بسبب علاقته السيئة مع الغوريين حكام الهند في هذه الفترة فعندما رأى أن الأوضاع قد استقرت نسبياً في إيران والتتار قد اكتفوا بتوطيد الملك في أركان الدولة الخوارزمية الشرقية رأى أن الوقت قد أصبح مناسباً فدخل أرض إيران يبحث عن ملكه الضائع وكان الذي يحكم إيران في ذلك الوقت هو أخوه "غياث الدين " في الشمال وسعد الدين دكنه في الجنوب ؛ فتحالف " جلال الدين بن محمد بن خوارزم " مع " سعد الدين دكنه " ضد أخيه " غياث الدين بن محمد بن خوارزم " وبدأ جلال الدين في غزو إقليم فارس ( إيران حالياً ) من الجنوب إلى الشمال ووصل إلى غرب إيران وسيطر على كل المنطقة الغربية من إيران ووجد جلال الدين نفسه قريباً من الخلافة العباسية في العراق فتذكر الخلافات القديمة بينه وبين الخلافة العباسية فقرر غزو الخلافة العباسية فدخل بجيشه البصر وحاصرها وأهلها من المسلمين فحاصرها شهرين فلم يستطع دخولها فتركها وأتجه إلى الشمال واقترب من بغداد فحاصرها فخشي الناصر لدين الله الخليفة العباسي على نفسه وعلى مدينة فحصن المدينة وجيش الجيوش لكن فعل فعلاً شنيعاً بشعاً لا يتخيل يقول ابن الأثير تعليقاً على هذا الفعل " فعل الذنب الذي يتصاغر إلى جواره كل الذنوب " أرسل إلى التتار يستعين بهم على حرب جلال الدين لكن التتار في ذلك الوقت كانوا منشغلين عن حرب جلال الدين ولم يأتوا لمساعدة الخليفة ولم يستطع جلال الدين دخول بغداد فتركها وانتقل إلى غيرها من البلاد ؛ وكانت حروبه هو ومن معه من الجنود الخوارزمية حروب شرسة مفسدة مع أن كل البلاد المغنومه بلاد إسلامية كان يفعل بهم الأفاعيل من قتل وسبي ونهب وتخريب ؛ فبلغ سلطان جلال الدين من جنوب فارس إلى الشمال الغربي لبحر قزوين وهي وإن كانت منطقة كبيرة إلا أن كلها قلاقل وأضطرابات بالإضافة إلى العداءات الكثيرة التي أورثها جلال الدين في قلوب كل سكان المنطقة. 2- في أو آخر عام 622- توفي الخليفة العباسي " الناصر لدين الله " الذي حكم البلاد لمدة 47سنة وتولى ابنه الحكم وهو " الظاهر بأمر الله " لكن كان الولد على النقيض تماماً من أبيه فكان رجلاً صالحاً تقياً أظهر من العدل والإحسان ما لم يسبق إلا عند القليل إلى حد أن ابن الأثير يقول " أنه لو قيل أنه لم يلي الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز مثله لكان القائل صادقاً " فرفع الضرائب الباهظة عن الناس وأعاد إليهم حقوقهم وأخرج المظلومين من السجون وتصدق على الفقراء حتى قيل في حقه " أنه كان غريباً تماماً على هذا الزمان الفاسد " ولقد قال ابن الأثير عنه " إني أخاف أن تقصر مدة خلافته لأن زماننا وأهله لا يستحقون خلافته " وصدق ظن ابن الأثير فلم يمر إلا تسعة أشهر فقط وتوفي الظاهر بأمر الله وقد ذكر الرواة أن الأسعار في أيامه رخصت جداً وتحسن الاقتصاد في العراق في تسعة أشهر فقط ؛ وتولى الحكم من بعده " المستنصر بالله " وفي هذه الأثناء كان جلال الدين مستمراً في حروبه في هذه المنطقة ضد المسلمين . ** دخول سنة 624 :- 1- أستمر جلال الدين في هذه السنة في حروبه ضد المسلمين ومما يذكر عنه أنه حاصر مدينة " أخلاط " في تركيا وهي مدينة مسلمة فقتل منها خلقاً كثيراً وامتدت أيدي الجنود الخوارزميين إلى كل شئ في المدينة بالسلب والنهب حتى سبوا الحريم المسلمين . 2- وفي هذا العام حدث أمر هام هو وفاة القائد التتري المجرم السفاح " جنكيز خان " لعنه الله- وعمره 72 عاماً ملأ هذه الأعوام بالدماء والسلب والنهب والقتل فأقام مملكة واسعة من كوريا في الشرق إلى فارس في الغرب بنيت هذه المملكة على جماجم البشر ومعظمهم من المسلمين ؛ وبموته هدأت الأمور نسبياً في المنطقة واحتفظ التتار بما ملكوه من بلاد المسلمين إلى وسط إيران تقريباً وجلال الدين يبسط سيطرته على المناطق الغربية من إيران والمناطق الغربية من بحر قزوين ؛ وتوقف القتال وكأن كل فريق رضي بما يملك واستقرت الأمور من سنة 624- عند وفاة جنكيز خان إلي سنة 627- . ** دخول سنة 626:- في هذا العام وأثناء فترة الهدوء النسبي حدث أمر هلم وهو تسليم بيت المقدس الذي حرره " صلاح الدين " رحمه الله- قبل ذلك بأربعين سنة إلى الصليبيين صلحاً لأن أمراء الشام اتفقوا علي إعطاء بيت المقدس للصليبيين ليساعدوهم في غزو مصر . ** دخول سنة 628 :- انتهت فيها فترة الهدوء النسبي فهذه السنة تحمل هجمة تترية جديدة على العالم الإسلامي ؛ استقر مُلك التتار في منغوليا ومات جنكيز خان منذ أربعة سنوات وتولى القيادة من بعده زعيم تتري جديد يُدعى " أوكي تاي " خاقان جديد للدولة التترية ؛ نظم هذا الخاقان أمور الدولة التترية في الأربع سنوات الماضية في منطقة الصين ومنغوليا وبدأ يفكر من جديد في اجتياح العالم الإسلامي بل وفكر في استكمال الحروب داخل روسيا ويدخل أوروبا وقرر عدم الهجوم على الخلافة العباسية في ذلك الوقت تقييم أوضاع العالم ككل حتى سنة 639 :- 1- وصلت حدود دولة التتار في هذه السنة من كوريا شرقا إلى بولندا غرباً ومن سيبريا شمالاً إلى بحر الصين جنوباً فأصبحت قوة التتار في ذلك الوقت هي القوة الأولى في العالم بلا منازع . 2- تولى قيادة التتار بعد " أوكي تاي " إبنه " كيوك بن أوكي تاي " وكان له الرأي في تثبيت الأقدام في البلاد المفتوحة ؛ ولم يكن لديه سياسة توسعية كأبيه فأوقف الفتوحات في أوروبا والعالم الإسلامي . 3- ابتلع التتار في فتوحاتهم السابقة النصف الشرقي للأمة الإسلامية وضموا معظم الأقاليم الإسلامية في آسيا إلى دولتهم فقضوا على معظم مظاهر الحضارة في هذه المناطق كما قضوا على أي نوع من المقاومة في هذه المناطق الواسعة . 4- ظل القسم الأوسط من العالم الإسلامي وهو يبدأ من العراق إلى مصر مفرقاً ومشتتاً وانشغل حُكام هذه المناطق بالصراعات الداخلية بينهم وأزداد تفككهم بصورة كبيرة كذلك كان القسم الغربي من العالم الإسلامي الذي يضم كلاً من ليبياً وتونس والجزائر والمغرب وغرب أفريقيا وكان أيضاً هذا القسم مفككاً تماماً بعد سقوط دولة الموحدين . 5- ذاق الأوروبيين النصارى من ويلات التتار كما ذاق المسلمون وذبح منهم مئات الآلاف أو الملايين ودُمرت كنائسهم وأحرقت مدنهم وهددوا تهديداً كبيراً خوفا من أن يصل التتار إلى روما عُقر دار الكاثوليكية في أوروبا . 6- مع أن النصارى رأوا أفعال التتار إلا أن الملوك النصارى في أوروبا الغربية في ( فرنسا- إنجلترا – إيطاليا – ألمانيا ) فكانوا يرون أن هذه مرحلة مؤقتة سوف تقف أما حروب النصارى الصليبيين ضد المسلمين فكانت في رأيهم حروب دائمة لا تنتهي ومن ثم اعتقد ملوك الصليبيين أنهم لابد أن يتعاونوا تعاوناً تعاوناً كاملاً مع التتار ضد المسلمين بالرغم من كل الأعداد الهائلة من النصارى التي ذبحت على أيدي التتار . * فلماذا يعتقد الصليبيين أن حرب المسلمين دائمة وحرب التتار مؤقتة ؟ - لأن حرب الصليبيين مع المسلمين حرب عقائدية فالعداء بين المسلمين والصليبيين على أساس ديني فالصراع بينهما أبدي ؛ فالنصارى لن ينهوا القتال إلا بدخول إحدى الطائفتين في الأخرى كما يقول الله –غز وجل – في كتابه الكريم " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم " - أما حروب التتار فهي لم تكن حروب عقائدية أبداً فعقيدة التتار كانت عقيدة مشوهة باهتة مجموعة من أديان شتى فلم يُسمع عن قائد تتري واحد حاول أن ينشر هذه العقيدة في البلاد المفتوحة إنما كان كل هدف التتار هو الإباده والتشريد وجمع المال وسبي النساء والأطفال وإلى ذلك من أمور التخريب ومن كانت هذه صفته فلم يُكتب له الإستمرار أبداً لذلك على الغم من الصدمات التي تلقتها أوروبا على يد التتار إلا أن أوروبا استمرت في تكثيف الجهود لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع التتار . 7- بدأ يحدث تغير عقائدي في الجيش التتري بعد حملات التتار في أوروبا وذلك بزواج عدد كبير من قادة التتار من فتيات نصرانيات أوروبيات وبذلك بدأت الديانة النصرانية تتغلغل نسبياً في الجيش المغولي وهذا ساعد على إمكانية التعاون التتري الصليبي فيما بعد وأن يجتمع الحقد التتري مع الحقد الصليبي على إسقاط الخلافة العباسية واجتياح الشام . 8- استمرت الحروب الصليبية الأوروبية على المسلمين في مصر والشام فلم تنقطع مع كل هذه المجازر التترية في أوروبا ؛ فلم تنقطع المجازر الصليبية في بلاد الشام ومصر وكانت مصر وبلاد الشام في ذلك الوقت تحت حكم الأيوبيين ودار الصراع بينهم على حكم هذه المقاطعات وأصبح المسلمون يقعون في مثلث خطير فالصليبيين من ناحية والتتار من ناحية أخرى وزعماء المسلمين من ناحية ثالثة . 9- في عام 640- توفي المستنصر بالله الخليفة العباسي وتولى الخلافة " المستعصم بالله " ابن المستنصر بالله وكان عمره آن ذاك 30 عاماً وستسقط الخلافة العباسية في زمانه . 10- لم يبق فاصل بين التتار والخلافة العباسية في العراق إلا شريط ضيق في غرب إقليم فارس وكانت تعيش في طائفة الإسماعيلية الشيعية . ** ما حدث من سنة 639- إلى سنة 649 :- بعد تولية " كيوك بن أوكي تاي " خاقاناً جديداً للتتار فقرر أن يوقف الحملات التترية التوسعية وقرر أن يتفرغ لتثبيت الأقدام في أجزاء المملكة الواسعة وحكم التتار من سنة 639- إلى سنة 646- فلمدة سبع سنوات لم يدخل التتار في هذه السنوات أي بلد جديد ؛ فرأى الصليبيون في غرب أوروبا هذا النهج غير التوسعي لدى " كيوك " فتجددت الآمال في التعاون معهم ضد المسلمين فأرسل البابا " إنوسنت الرابع " سفارة صليبية إلى منغوليا في سنة 643- والمسافة بين روما وقرقورم 12ألف كم مربع ذهاباً فقط ؛ فأرسل إليه رسالة يعرض عليه فيها التوحد لحرب المسلمين في مصر والشام ولم يكن من أهداف هذه السفارة أن ترفع الظلم عن نصارى أوروبا وروسيا لأن معظم البلاد التي وقعت في أيدي التتار في أوروبا وروسيا كانوا من النصارى الأرثوذكس ؛ فوصل الوفد الصليبي إلى قرقورم وسلم رسالة البابا إلى خاقان التتار ؛ فوجد أن البابا بالإضافة إلى طلبة توحيد العمل العسكري ضد المسلمين فهو يدعوه إلى اعتناق النصرانية فاعتبر خاقان التتار ذلك تعدياً خطيراً من البابا فكيف يطلب من خاقان التتار أعظم دولة على وجه الأرض في ذلك الزمن أن يغير من ديانته مع أن الديانة النصرانية بدأت تتغلغل في البلاط المغولي لكن هذا تعدياً كبيراً على خاقان التتار فرفض السفارة الصليبية إلا بشرط واحد فقط وهو أن يجتمع أمراء الغرب الأوروبي جميعاً ليأتوا إلى منغوليا لتقديم قروب الولاء والطاعة للخاقان التتري بالطبع رفض ملوك أوروبا هذا الشرط وبذلك فشلت السفارة الأوروبية الأولى ؛ فلم ييأس البابا " أنوسنت الرابع " وأخذ يبحث في قواد الجيش التتري في مناطق العالم المختلفة على من عنده الرغبة والحمية في غزو العالم الإسلامي فوجد ضالته في قائد المنطقة الغربية لدولة التتار الذي كان يتمركز في منطقة "أذربيجان وفارس " وهو القائد التتري الكبير " بيجو " وهو من أشهر قواد التتار وفي سنة 645- وبعد السفارة الأولى بعامين أرسل البابا رسالة جديدة إلى " بيجو " في فارس وكان هذا القائد لديه حب ورغبه شديدة في العدوان والهجوم وكانت رغبته الشديدة في التوسع في أراضي المسلمين فوجدت السفارة ترحيباً كبيراً من بيجو وتوقع أن هجوم الصليبيين على مصر والشام سوف يشغل المسلمين في هذه المناطق عن الدفاع عن الخلافة العباسية وبذلك يستطيع أن يتقدم في داخل أراضي العراق ؛ لكن بيجو لم يكن لدية الصلاحيات الكافية لإجراء المعاهدات والمفاوضات مع البابا وغيره فأرسل إلى كيوك وكان مصمماً على عدم التوسع ومصر على قدوم ملوك أوروبا إلى قورقورم لتقديم قروب الولاء والطاعة ففشلت هذه السفارة الثانية . وفي ذلك الوقت كان " لويس التاسع " ملك فرنسا كان يجهز الحملة الصليبية المشهورة على مصر والمعروفة بالحملة الصليبية السابعة وكان يتمركز في جزيرة قبرص لتجميع الجيوش الفرنسية وغيرها لغزو مصر ؛ وفي سنة 646- وبعد سنة من السفارة الصليبية إلى بيجو فكر لويس التاسع في أن الأمل لم ينقطع بعد في التعاون مع التتار فأرسل سفارة صليبية ثالثة من قبرص إلى منغوليا لمحاولة إقناع التتار بالتعاون من جديد وزود هذه السفارة بالهدايا الثمينة وغيرها لكن وصلت هذه السفارة إلى " قورقورم " العاصمة التترية فوجدت أن الخاقان التتري " كيوك " قد مات وأولاده صغار لا يستطيعون تولي مقاليد الحكم فتولت الحكم أرملته أم أولاده الثلاثة الصغار وكانت تُدعى " إغول قينيش " فتولت الوصاية على أولادها وبالتالي تولت حكم التتار من سنة 646- إلى سنة 649- ؛ فتوجهت سفارة لويس التاسع إلى ملكة التتار فاستقبلتهم الملكة بحفاوة لكن إعتذرت عن إمكانية التعاون معاً لأنها مشغولة بالمشاكل الضخمة التي طرأت في المملكة التترية الضخمة نتيجة موت " كيوك " بالإضافة إلى أن عامة قواد الجيوش التترية لم يكونوا يقبلوا ببساطة على حكم امرأة لدولة التتار فهي دولة تعتمد في أساسهاً على البطش والإجرام والقوة والأوضاع كانت غير مستقرة في منغوليا وغيرها من البلاد فالمطلوب أن يتولى القيادة رجل حازم ؛ فردت السفارة وعادت السفارة الصليبية الثالثة دون نتيجة لكن مع ذلك لويس التاسع أصر على الحرب وغزا بالفعل مصر ونزل إلى دمياط سنة 647- واحتلها وبدأت الحملة الصليبية السابعة على مصر وكان لها آثار كبيرة ؛ الأوضاع في منغوليا لم تكن مستقرة ولم يقبل التتار تولية امرأة عليهم ومن ثم اجتمع المجلس الوطني للتتار واختار في سنة 649- خاقاناً جديداً للتتار وهو " منكو خان " وهذا الإختيار أدى إلى تحول كبير في سياسة التتار وبداية تغيير جذري في المناطق المحيطة بهم وكانت لهذا الخاقان الجديد سياسة توسعية كبيرة شبيه بسياسة جنكيز خان المؤسس الأول لدولة التتار وشبيه أيضاً بسياسة أوكي تاي الذي فتحت أوروبا في عهده لذلك عندما تسلم مقاليد الحكم فكر في إسقاط الخلافة العباسية واجتياح الشام ومصر وإفريقيا فكان لدية أحلام توسعية في كل مكان على وجه الأرض وللأسف فإن حكام المسلمين في هذه الأثناء لم يكونوا على مستوى الأحداث ونسوا تماماً أمر التتار بسبب توقف التوسعات التترية لمدة عشرة سنوات فنسي الناس هذا الأمر بل ونسي الحكام والعلماء المسلمين أن الجزء الشرقي من العالم الإسلامي في أيدي التتار ونسوا أن التتار قد أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من الخلافة العباسية والشام ومصر والحجاز إلى حد أن المؤرخين الذين يؤرخون لهذه الفترة لا يذكرون مطلقاً إي شئ عن التتار ؛ وعلى سبيل المثال ففي البداية والنهاية لابن كثير وهو كما نعرف لم يعاصر هذه الحقبة من الزمان بل نقل عن المؤرخين الذين كانوا معاصرين لهذه الأحداث فلم يذكروا في هذه الفترة شيئاً عن التتار مطلقاً ففي البداية والنهاية من سنة 636- إلى سنة 649- لم يذكر شئ البتة عن التتار وكأن القضية التترية قد حُلت تماماً ؛ ولكن تجد أنه ذكر في هذه الفترة في البداية والنهاية أن ابن كثير يصف حياة طبيعية في العراق والشام ومصر أمور في غاية البساطة فمثلاً يذكر ابن كثير أن " الخليفة يعالج بعض المشاكل الإقتصادية " ؛ " قد يحدث وباء فيُعالج " ؛ " يحدث الغلاء فيشق ذلك على الناس فيمنح الخليفة بعض الأموال لمقاومة الغلاء " ؛ " يفتح مدرسة " ؛ " أحد الناس يفتح دار ضيافة " ؛ " أحد الناس يفتح داراً للطب " .................. وهكذا | |
|
| |
ايام زمان المـديـر العـــام
17/5/2009 : 17/05/2009
| موضوع: رد: التتار وحلم غزو العالم - من الصعود إلى السقوط ! الأربعاء مايو 25 2011, 09:53 | |
| ** سياسة نكو خان في عقد التحالفات :- 1- كان من رغبات منكو خان أن يعقد تحالفات مع أمراء الممالك الصليبية الموجودة بالشام وذلك لشغل المسلمين في منطقة الشام وتركيا عن الخلافة العباسية ؛ ولتشجيع أمراء هذه الممالك أرسل إليهم ملك التتار يطلب التحالف في رسالة مع هيثوم ملك أرمينيا ووعدهم ملك التتار بأن يعطي لهم المقدس هدية إذا ساعدوه في إسقاط الخلافة العباسية ومع كل هذا التشجيع إلا أن أمراء الإمارات الصليبية بالشام ترددوا في ذلك بإستثناء واحد فقط وهو أمير أنطاكيا وكان يدعى "بوهمند" إستحسن الأمر وانضم مباشرة إلى ملك التتار أما بقيةالأمراء الصليبيين في الشام رفضوا هذه المعاهدة لأسباب منها: أ- هم يعلمون أن التتار لا عهد لهم فقد يبيعونهم دون ثمن . ب- وهم يعيشون في قلب العالم الإسلامي فخطورة المسلمين عليهم كخطورة التتار . 2- سعى منكو خان إلى عقد بعض الإتفاقيات مع نصارى الشام والعراق ولكن هذه المرة مع الأمراء بل مع عامة النصارى الذين يعيشون في كنف العالم الإسلامي في الشام والعراق ولم تكون هذه الصفقات طبعاً معلنة بل كانت إتفاقيات سرية مع بعض رءوس النصارى ومع بعض القساوسة لكي يسهلوا مهمة دخول التتار إلى البلاد وينقلوا الأخبار من وإلى التتار ؛ ونجح منكو خان في الوصول إلى بعض رءوس النصارى الكبيرة في الشام والعراق وعلى رأسهم بطريرك بغداد وكان يدعى " ماتيكا " وكان عاملاً مساعداً هاماً في دخول بغداد . 3- عقد منكو خان معاهدات مع مملكة الكرج النصرانية ؛ فلكم ذاقوا على يد التتار الويلات لعدة مرات والآن يتعاهدون ويتعاقدون على حرب المسلمين . 4- عقد التتار بعض المعاهدات المقززة الشنيعة فكل المعاهدات السابقة شئ والمعاهدات التي ستذكر شئ آخر ؛ فهذه المعاهدات عقدت مع بعض أمراء المسلمين لضرب بلاد المسلمين ؛ وهذه المعاهدات لم يعقدها منكو خان بنفسه لكن إستهان بهؤلاء الأمراء الخونة ووكل هولاكو في أن يعقد هذه المعاهدات معهم وجاء أمراء المسلمين الضعفاء يسارعون إلى التتار الأقوياء ؛ قال تعالى " فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو بأمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين " ؛ فجاء إلى هولاكو ليتحالف معه على حرب المسلمين كلاً من : 1- " بدر الدين لؤلؤ " أمير المصل ليتحالف معه وبذلك تكون منطقة شمال العراق وهم الأكراد قد تحالفوا مع التتار لدخول بغداد من الشمال . 2- وجاء كلاً من " كيكاوس الثاني " و " قلج أرسلان الرابع " سلطانا السلاجقه ليتحالفا مع هولاكو وهم أمراء تركيا التي تقع إلى الشمال من العراق وهو مكان في منتهى الحساسية؛ ففيما بعد ذلك سيفتح هؤلاء الأمراء المجال الأرضي التركي لدخول الجيوش التترية من شمال العراق إلى بغداد . 3- وجاء " الناصر يوسف " أمير حلب ودمشق حفيد صلاح الدين الأيوبي فهو أبن أبنه لكن لم يكن يشبهه تماماً فكان على النقيض من جده ؛ فأرسل ابنه العزيز لا ليقدم فروض الولاء والطاعة إلى هولاكو بل ليقود فرقة إسلامية تنضم إلى جيش التتار لغزو بغداد . 4- وجاء " الأشرف الأيوبي " أمير حمص ليقدم ولاءه لهولاكو . فكانت هذه التحالفات الإسلامية مع هولاكو في منتهى الخطورة فقد زادت من قوة التتار وأصبح التتار يحاصرون العراق من كل الإتجاهات بالإضافة إلى أن هذه التحالفات أدت إلى هبوط شديد في معنويات الأمة فلما شاهد المسلمون أمرائهم على هذه الصورة المخذية ضعفت الهمم وفترت العزائم وانعدمت الثقة تماماً بين الشعوب وبين حكامهم وأيقنوا أنه لم يعد لديهم طاقة في الوقوف في وجه التتار . 5- وصل التتار إلى شخصية مهمة إلى حد كبير داخل البلاط العباسي فوصلوا إلى كبير الوزراء في الخلافة العباسية فهو الشخصية الثانية في الدولة بعد " المستعصم بالله " هو الوزير " مؤيد الدين بن العلقمي " الشيعي الرافضي وكان رجلاً فاسداً خبيثاً وكان رافضياً يرفض خلافة أبو بكر وعمر بن الخطاب وكان شديد التشيع كارهاً لأهل السنة ومن العجيب أن يصل إلى هذا المنصب المرموق وهو على هذه الصورة في دولة سنية والأسوء من ذلك أن هذا الوزير المفسد لم يكون وزيراً منذ شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين بل بقي على كرسي الوزارة أربعة عشر سنة كاملة منذ سنة 642- إلى سنة 656- عندما أسقطت بغداد ؛ إتصل هولاكو بمؤيد الدين ابن العلقمي الشيعي وأتفق معه على تسهيل دخول الجيوش التترية إلى بغداد بالمساعده بالآراء الفاسدة والإقتراحات المضللة للخليفة وهذا سيكون في مقابل أن يكون له شأن في مجلس الحكم الذي سيدير بغداد بعد سقوط الخلافة فقام الوزير الفاسد بدورة على أكمل ما يكون كما سنرى فيما بعد . هذه الجهود الدبلوماسية التي ذكرناها أخذت فترة خمس سنوات كاملة فتعاون التتار تعاوناً قوياً ومهماً مع ملوك أرمينيا والكرج وانطاكيا النصارى وحيدوا إلى حد كبير جانب أمراء الإمارات الصليبية في الشام وأقاموا تحالفات سرية مع نصارى الشام والعراق وتحالفوا مع بعض أمراء المسلمين ومع الوزير الفاسد مؤيد الدين بن العلقمي . المحور الثالث : الحرب النفسية على الشعوب الإسلامية كانت لهولاكو أكثر من طريقة لشن حرب نفسية مهولة على المسلمين قبل اللقاء في الحرب وقبل إسقاط بغداد من هذه الطرق : 1- القيام بحملات إرهابية في المناطق المحيطة بالعراق لتذكير المسلمين بالذكريات الأليمة التي حدثت في عهد جنكيز خان و أوكي تاي وكانوا يسيطرون على القوافل التجارية القادمة من وإلى العراق وبذلك يقومون بعمل ضربات إقتصادية كبيرة للعراق قبل أن يغزوها ؛ فعلى سبيل المثال إستولى التتار على قافلة تجارية بلغت الأموال فيها ستمائة ألف دينار وعلى هذه الشاكلة كان هناك حروب كثيرة لإضعاف الروح المعنوية للمسلمين . 2- ومن وسائل هولاكو الخطيرة لإضعاف الروح المعنوية الوصول إلى بعض الأدباء والشعراء المسلمين ليقوموا بحرب إعلامية قذرة في داخل البلاد الإسلامية فيعظمون من إمكانيات التتار ويقللون من إمكانيات المسلمين حتى لا يتخيل مسلم أنه يحارب تترياً ؛ فنجد أن الكتب في ذلك الوقت ملئ بكلمات غريبة فعلى سبيل المثال " التتار تصل إليهم أخبار الأمم ولا تصل أخبارهم إلى الأمم " ؛ " التتار نساءهم يقاتلن كرجالهن " ؛ " التتار خيولهم تحفر الأرض بحوافرها وتأكل عروق النبات ولا تحتاج إلى الشعير " ؛ " التتار لا يحتاجون إلى الإمداد والتموين " ؛ " التتار يأكلون جميع اللحوم ويأكلون بني آدم " . 3- ومن وسائل الحرب النفسية أيضاً هي كتابة الرسائل التهديدية الخطيرة و أيضاً أعد التتار العدة المناسبة في ذلك الأمر فاتصلوا ببعض الوصوليين والمنافقين المسلمين ومن لهم حسن أدبي وفن في كتابة الرسائل . 4- إعلان التحالفات فالقوات التي ستحارب المسلمين ليسوا من التتار فقط بل من التتار والأرمن والكرج وأنطاكيا وغيرها ..... فهذه التحالفات ستدخل الرعب في قلوب المسلمين . 5- إعلان التحالفات مع أمراء المسلمين فكل هذا كان معلناً أمام العوام . بهذه الوسائل وبغيرها إستطاع التتار أن يبثوا الرعب والهلع في قلوب المسلمين وبذلك أصبح الجو مناسباً لدخول القوات التترية الغازية إلى العراق | |
|
| |
ايام زمان المـديـر العـــام
17/5/2009 : 17/05/2009
| موضوع: رد: التتار وحلم غزو العالم - من الصعود إلى السقوط ! الأربعاء مايو 25 2011, 09:55 | |
| المحور الرابع : إضعاف جيوش الخلافة العباسية
كيف للتتار أن يضعفوا جيوش الخلافة العباسية وهم دولة من خارج الخلافة العباسية وأراضيها ؟ - طلب هولاكو من الوزير الفاسد " مؤيد الدين بن العلقمي " أن يقنع الخليفة العباسي أن يخفض من ميزانية الجيش وأن يقلل من أعداد الجنود وأن يصرف أذهان الدولة عن قضايا التسليح والحرب وتحويل بقية الجيش إلى الأعمال الميدانية في مجالات الزراعة والصناعة وغيرها وكل ذلك حتى لا نثير حفيظة التتار فنظهر لهم أننا رجال سلام ولسنا أصحاب حرب ؛ فعندما قال الوزير الشيعي ذلك الكلام للخليفة وافقه على ذلك وخفض ميزانية الجيش وقلل أعداد الجنود حتى أصبح الجيش العباسي الذي كان يبلغ عدده مائة ألف فارس في آخر أيام المستنصر بالله والد المستعصم بالله وذلك في سنة 640- فأصبح هذا الجيش لا يزيد على عشرة آلاف فارس فقط في سنة 654- وأصبح الجنود في حالة مذرية من الفقر والضياع حتى أنهم كانوا يسألون الناس في الأسواق وأهملت التدريبات العسكرية وفقد قواد الجيش أي مكانه لهم ولم يعد يذكر من بينهم من له القدرة على التخطيط والإدارة والقيادة ونسي المسلمون فنون القتال والنزال وغابت عن أذهانهم تماماً معالم الجهاد . كان هذا هو إعداد هولاكو ومنكو خان كان إعداداً مبهراً حقاً وفي المقابل لم يكن هناك أي رد فعل مناسب أو غير مناسب من المسلمين إستعداداً للغزو التتري القريب . **الإعداد لحصار " بغداد " :- بعد خمس سنوات كاملة من الإعداد وفي سنة 654- أدرك هولاكو أن الظروف قد أصبحت ملاءمة للهجوم المباشر على الخلافة العباسية فبدأ بعملية حشد هائلة للجنود التتريين فجمع أكبر الجيوش التترية على الإطلاق منذ أن قامت دولة جنكيز خان ؛ فالجنود الذين كلفوا بحصار بغداد فقط أكثر من مائتي ألف جندي هذا بخلاف الأعداد الهائلة من الجنود المنتشرين في شمال وشرق وغرب وجنوب العراق والقوات المكلفة بحماية الطرق وتأمين الإمداد والتموين هذا غير الفرق المساعدة للجيش من فرق الإمداد والتموين والإستطلاع والمراقبة . فبذلك نستطيع أن نبين تركيبة الجيش التتري في عشرة نقاط هي :- 1- الجيش التتري الأصلي ك فذلك الجيش كان يتمركز منذ سنوات في منطقة فارس وأذربيجان في شرق العراق . 2- إستدعى هولاكو فرقة من جيوش التتار المتمركزة في حوض نهر " الفولجا " الروسي. 3- أرسل هولاكو في طلب فرقة من جيش التتار الذي فتح أوروبا وتمركز هناك وكان في ذلك الوقت يتمركز على أطراف الأناضول شمال تركيا فجاءت الفرقة الكبيرة وعلى رأسها القائد التتري الكبير " بيجو " . 4- أرسل هولاكو إلى صديقة ملك أرمينيا يطلب المساعدة فجاءه هيثوم ملك أرمينيا بنفسه على رأس فرقة من الجيش الأرمني . 5- طلب هولاكو من ملك الكرج أن يرسل إليه فرقة للمساعدة في حصار العراق فاستجاب إلى ذلك فوراً . 6- إستدعى هولاكو ألفاً من الرماة الصينيين المهرة الذين إشتهروا بتسديد السهام المحملة بالنيران 7- وضع هولاكو على رأس الجيوش أفضل قواد التتار في ذلك الوقت وكان يدعى " كتبغا نوين " فوق إمكانيات هذا القائد القيادية والمهارية فإنه كان نصرانياً فكان هذا الإختيار موفقاً من هولاكو لأن كتبغا سيستطيع التعامل مع الأعداد الكبيرة النصرانية المشاركة في الحرب من أرمن وكرج وغيرهم وبذلك يكون الجيش التتري قد ضم بين صفوفة ثلاثة من أمهر القادة العسكريين في تاريخ التتار وهم ( هولاكو وكتبغا نوين وبيجو ) . 8- راسل هولاكو أمير أنطاكيا " بوهمند " لكن تعذر عليه إختراق الشام كله ومع ذلك كان على استعداد تام للحرب فجهز جيوشه على إستعداد إذا سقطت العراق شارك هو في إسقاط الشام . 9- وجود فرقة إسلامية في داخل الجيش التتري وعلى رأسها ولي عهد دمشق " العزيز بن الناصر يوسف الأيوبي " حفيد صلاح الدين وهذه الفرقة تشارك في جيش التتار لإسقاط بغداد . 10- فرقة إسلامية أخرى أرسلها " بدر الدين لؤلؤ " أمير الموصل لتساعد أيضاً جيش التتار في إسقاط بغداد . كانت هاتين الفرقتين الإسلاميتين الهزيلتين ليس لهما أي قيمة بالنسبة للجيوش التترية لكن كانتا تحملان معان كثيرة فهناك في جيش التتار مسلمون يشتركون مع التتار في حرب المسلمين بل قد يشارك في عملية تحرير العراق من الخليفة العباسي عراقيون متحالفون مع التتار . بهذا الإعداد العالي المستوى إكتمل جيش التتار وبدأ بالزحف من فارس بإتجاه الغرب إلى العراق وبدأ هولاكو يضع خطة المعركة ؛ بدراسة مسرح العمليات وجد هولاكو أن طائفة الإسماعيلية الشيعية التي تتمركز في الجبال في غراب وشرق العراق بين الجيش التتري وبين الخلافة العباسية وسوف تمثل خطورة كبيرة على الجيش التتري إذا ما هاجم بغداد ؛ لذلك قرر التتار عدم دخول بغداد إلا بعد أن يقضوا على طائفة الإسماعيلية تماماً وبالفعل تحركت الجيوش التترية الضخمة صوب معاقل الإسماعيلية فحاصرتها حصاراً محكماً ودارت حروب شرسة بين الفريقين إنتهت بسحق كامل للإسماعيلية وخلوا المنطقة تماماً منهم وأصبح الطريق مفتوحاً لبغداد هذه الحروب أخذت سنة 655- بكاملها ؛ إجتمع هولاكو مع كبار مستشارية في مجلس حرب يُعد من أهم مجالس الحرب في تاريخ التتار والقرار هو غزو العاصمة بغداد وإسقاط الخلافة العباسية وكان هذا الإجتماع معقوداً في مدينة " همدان " الفارسية وأخذ القرار بالحرب وأهتم هولاكو بوضع مراقبة لصيقة على الفرق الإسلامية الموجودة داخل الجيش التتري خوفاً من الخيانة . إنطلقت الجيوش من همدان صوب العراق والمسافة بين همدان في إيران والعراق 450كم مربع ؛ وقرر هولاكو في هذا المجلس أن يقسم جيشه إلى ثلاثة أقسام : الجيش الأول : وهو القلب وهو القسم الرئيسي من الجيش والذي سيقوده هولاكو بنفسه وستلحق به أكثر من فرقة من الفرق الهامة في الجيش التتري وستلحق به الفرقة الأخرى التي ستأتي من روسيا والفرق المساعدة من مملكة أرمينيا والكرج هذا القسم سيخترق الجبال الواقعة في غرب فارس صوب بغداد مروراً بمدينة " كرمان شاه " بعد أن أخليت هذه المنطقة تماماً من طائفة الإسماعيلية وستكون مهمة هذا الجيش هو حصار بغداد من الجهة الشرقية . الجيش الثاني :هو الجناح الأيسر لجيش التتار الرئيسي وهذا الجيش سيقوده " كتبغا نوين" أفضل قواد هولاكو سيتحرك هذا الجيش بمفرده بإتجاه بغداد أيضاً لكن إلى الجنوب من الجيش الأول وستكون مهمته إختراق سهول العراق والتوجه إلى بغداد من جنوبها للحصار من الجنوب . الجيش الثالث :وهو الجيش التتري الرابض على أطراف الأناضول في شمال تركيا وعلى رأسه القائد " بيجو " وهذا الجيش سيأتي من المنطقة الشمالية للعراق بإتجاه الجنوب حتى يصل إلى بغداد وسيحاصر بغداد من الشمال ثم يلتف ويحاصرها من الغرب . وبذلك تحصر بغداد بين هولاكو شرقاً وكتبغا نوين جنوباً وبيجو من الغرب والشمال . على قدر الأداء المبهر للجيش الثالث في وصوله إلى بغداد في وقت متزامن مع الجيشين الآخرين على قدر الفضيحة الكبرى التي لحقت بالمسلمين جراء وصول هذا الجيش سالماً إلى بغداد لأن هذا الجيش عليه أن يقطع أولاً 500كم مربع في الأراضي التركية ( الأناضول ) وهي أراض إسلامية ثم عليه أن يقطع 500كم مربع أخرى داخل الأراضي العراقية وهي أيضاً أراض إسلامية ؛ إذاً فهذا الجيش عليه أن يسير مسافة 1000كم مربع في عمق الأراضي الإسلامية حتى يصل إلى بغداد ومع ذلك فقد قطع بيجو بجيشه 95 بالمائة من الطريق أي حوالي 950كم مربع دون أن تدري الخلافة العباسية عنه شيئاً باغت بيجو الخلافة العباسية على بعد 50 كم أيضا كما فعل هولاكو شمال غرب بغداد ؛ وتبرير إختراق بيجو للأراضي الإسلامية يحمل معهمصيبتين كبيرتين : المصيبة الأولى : هي غياب المخابرات الإسلامية عن الساحة تماماً فمن الواضح أن الجيش العباسي لا علم له ولا دراية بإدارة الحروب أو فنون الحرب . المصيبة الثانية : وهي العظم وهي أن هناك خيانة واضحة من أمراء الأناضول ( تركيا حاليا ) والموصل المسلمين وكذلك من الشعوب المسلمة في الأناضول وفي الموصل هذه الخيانة فتحت الأبواب لجيش التتار ولم يحدث أي نوع من المقاومة فهي خيانة عظمى من " كيكاوس الثاني " و " قلج أرسلان الرابع " أمراء الأناضول وخيانة أعظم من "بدر الدين لؤلؤ " أمير الموصل فلم يكتفي فقط بتسهيل مهمة التتار ولكنه أيضا شارك بفرقه إسلامية تعين التتار على عملية تحرير العراق من الخلافة العباسية ومع العلم أن بدر الدين لؤلؤ من أصل عراقي وأقل تقدير لعمره عند هذه الخيانة كان ثمانون سنة وبعض الروايات تقول مائة ومن الجدير بالذكر أن بدر الدين لؤلؤ مات بعد هذه الخيانة بشهور قليلة . هذه كانت كل تحركات الجيش التتري صوب بغداد . ** الوضع في داخل بغداد :- كانت بغداد في ذلك الوقت من أشد مدن الأرض حصانه فكانت أسوارها من أقوى الأسوار فهذه عاصمة الخلافة الإسلامية أكثر من خمسة قرون أنفق على تحصينها أموال طائلة وكان على رأس الدولة في بغداد والخليفة في نفس الوقت هو الخليفة السابع والثلاثون والأخير من خلفاء بني العباس " المستعصم بالله ** الحصار :- وفي يوم 12 محرم سنة 656- ظهر جيش هولاكو فجأة أمام أسوار بغداد الشرقية وبدأ في نصب معدات الحصار الثقيلة حول الأسوار ؛ وجاء كذلك كتبغا بالجناح الأيسر من الجيش ليحيط بالمدينة من الناحية الجنوبية ؛ فارتاع الخليفة لذلك وعقد إجتماع عاجل وجمع فيه كبار مستشاريه وعلى رأسهم الوزير الخائن " مؤيد الدين بن العلقمي " وكان من رأيه مهادنة التتار وإقامة مباحثات سلام فلا مانع عنده من بعض التنازلات وكان رأيه هو السلام غير المشروط مع التتار ؛ لكن قام رجلان من الوزراء في مجلس الخليفة وهما " مجاهد الدين أيبك " و " سليمان شاه " قاما ليشيرا على الخليفة بحتمية الجهاد ؛ فاحتار الخليفة فهواه مع كلام مؤيد الدين بن العلقمي وعقله مع قول الوزيران لأن تاريخ التتار كله لا يشير بأي فرصة للسلام كما أنه كان يسمع من أجداده أن الحقوق لا توهب إنما تؤخذ وعندها سمح الخليفة للمرة الأولى تقريباً في تاريخه بإستخدام الجيش فهذا الجيل من الجنود يحارب لأول مرة ؛ فخرجت فرقه هزيلة من الجيش العباسي وعلى رأسها مجاهد الدين أيبك لتلاقي جيش هولاكو المهول ؛ وعندما خرج من أبواب بغداد بإتجاه الشرق لكي يلاقي جيش هولاكو سمعوا بقدوم جيش بيجو من الشمال وهذا الجيش إذا حاصر بغداد من الشمال فتكون بغداد قد طوقت تماماً ففضل مجاهد الدين أيبك قائد الجيش العباسي أن يحارب بيجو بدلاً من هولاكو لكي لا تحاصر بغداد من جميع الجهات وانتقل بجيشه الضعيف الهزيل لملاقاة جيش بيجو في الشمال ؛ وكان للقاء في منطقة الأنبار وأستدرك الجيش العباسي في منطقة الأنبار وسحق الجيش المسلم واستطاع مجاهد الدين أيبك بأعجوبه أن يهرب بمجموعة قليلة من الجيش العباسي ويعود إلى داخل بغداد وكانت هذه هي الموقعة الوحيدة الغير متكافئة التي دارت بين التتار والعباسيين وكان ذلك في 19 من محرم أي بعد ظهور هولاكو أمام أسوار بغداد بسبعة أيام ؛ وانتقل بيجو مباشرة بجيشه من الأنبار حيث دارت المعركة إلى شمال بغداد وحاصرها وطوقت بغداد بين مثلث خطير بين هولاكو وبيجو | |
|
| |
ايام زمان المـديـر العـــام
17/5/2009 : 17/05/2009
| موضوع: رد: التتار وحلم غزو العالم - من الصعود إلى السقوط ! الأربعاء مايو 25 2011, 10:00 | |
| * المفاوضات :- فاستغل مؤيد الدين العلقمي هذه الفرصة وأشار على الخليفة بطلب المفاوضات مع التتار ولكن الخليفة كان يعلم بأن التفاوض بين طرف قوي شديد القوة وطرف ضعيف شديد الضعف فإن هذا لا يعني تفاوض وإنما يعني الإستسلام وفي الإستسلام عادة ما يقبل المهزوم بشروط المنتصر دون تعديل أو إعتراض ومع ذلك وافق الخليفة الضعيف على إجراء المفاوضات مع التتار ؛ وبعث رجلين ليديرا المفاوضات مع التتار وهما مؤيد الدين العلقمي الشيعي الذي يكن في قلبه كل الحقد والغل على الخلافة العباسية وأرسل معه متيكا بطريرك بغداد النصراني ؛ فكان الوفد الرسمي الممثل للخلافة الإسلامية العباسية العريقة للمفاوضات مع التتار لا يضم إلا رجلين فقط أحدهما شيعي ولآخر نصراني ؛ ودارت المفاوضات السرية بين هولاكو وبين ممثلي الخلافة العباسية الإسلامية فأعطيت الوعود العظيمة من هولاكو لكليهما إن ساعدا على إسقاط بغداد وأهم هذه الوعود أنهما سيكونان أعضاء في مجلس الحكم الجديد الذي سيحكم العراق بعد إحتلالها من التتار ؛ وعاد المبعوثان من عند هولاكو إلى الخليفة بالشروط التترية وبعض العروض والوعود ؛ فالوعود كانت : 1- إنهاء حالة الحرب بين الدولتين وإقامة علاقة 2- الزواج بين ابنة القائد هولاكو التتري الذي سفك دماء الملايين من المسلمين وأبن الخليفة . 3- يبقى المستعصم بالله على كرسي الحكم . 4- إعطاء الأمان لأهل بغداد جميعاً . - هذه الوعود كلها سوف تحدث في حال لو فتحت بغداد أسوارها . الشروط كانت : 1- قمع حركة الجهاد التي أعلنت في بغداد فهذه الدعوة إلى الجهاد ستنسف كل مباحثات السلام فعلى الخليفة أن يسلم إلى هولاكو رءوس الحركة الإسلامية في بغداد وهما مجاهد الدين أيبك وسليمان شاه . 2- تدمير الحصون العراقية وردم الخنادق وتسليم الأسلحة . 3- الموافقة على أن يكون حكم بغداد تحت رعاية أو مراقبة تترية . وختم هولاكو المباحثات مع المبعوثين بأنه ما جاء إلى هذه البلاد غلا لإرساء قواعد العدل والحرية والأمان وبمجرد أن تستقر الأمور وفق الرؤية التترية فإنه سيعود إلى بلاده ويترك العراقيين يضعون دستورهم ويديرون شئون بلادهم بأنفسهم ؛ فاقنع مؤيد الدين العلقمي الخليفة بهذه الشروط والوعود ورغبه في قبولها ح فتردد الخليفة في قبول هذه المفاوضات ولكنه مضطر إلى قبولها والشعب الضخم الذي يعيش في بغداد أيضاً متردد ونداء الجهاد لا ينبعث إلا من بعض الأفواه القليلة؛ فأراد الخليفة بعض الوقت للتفكير في هذه الشروط والوعود ولكن هولاكو لا يقوى على الإنتظار فهو يقف خارج أسوار بغداد بجيوش ضخمة تتكلف من النفقات يومياً الآلاف من الدنانير وهو شخصياً لا يقوى على الإنتظار فهو يريد أن يرى هذه المدينة العظيمة التي طالما سمع عنها كثيراً يريد أن يراها من الداخل ويريد أن يحقق الحلم الذي راود أجداده وهو يحققه الآن وهو غزو بغداد وإسقاط الخلافة العباسية الإسلامية ؛ وبالفعل بدأ هولاكو في قصف بغداد بالقذائف الحجرية والنارية ومع أول قذيفة سقط قلب الخليفة في قدمه فماذا يفعل؟ أربعة أيام متتالية من القصف المتواصل على بغداد . * قصة غريبة:- يذكر ابن كثير رحمه الله- في البداية والنهاية موقفاً بسيطاً لا يعلق عليه ؛ فيقول ابن كثير :وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل مكان حتى أصيبت جارية كانت تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه وكانت من جملة حظاياه وكانت تسمى " عرفه " جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة ؛ فانزعج الخليفة من ذلك وفزع فزعاً شديداً وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه فإذا مكتوب عليه " إذا أراد الله إنفاز قضائه وقدره أذهب من ذوي العقول عقولهم " فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الإحتراز وكثرت الستائر على دار الخلافة .............!!!!!!! ولا تعليــــــــــــــــــــــــق على ذلك ** إجتياح بغداد :- القصف على بغداد إستمر من يوم 1 صفر إلى الرابع من صفر في سنة 656هـ ؛ وفي الرابع من صفر سقطت الأسوار الشرقية لبغداد ومع سقوط الأسوار سقط الخليفة وانهار تماماً فأشار عليه الوزير بن العلقمي أن يخرج هو بنفسه لمقابلة هولاكو لعل هولاكو يقبل السلام ؛ فجاءت الرسل من عند الخليفة إلى هولاكو تخبره بقدوم الخليفة ؛ فأمر هولاكو أن يأتي الخليفة ومعه كبار رجال الدولة والوزراء والفقهاء والعلماء وأمراء الناس والأعيان حتى يحضروا جميعاً المفاوضات وتصبح المفاوضات كما يزعم هولاكو ملزمة للجميع ؛ فجمع الخليفة كبار قومه وخرج بنفسه في وفد مهيب إلى خيمة هولاكو ومعه سبعمائة من قادة المسلمين وعلماءهم وكان يسير إلى جواره الوزير الخائن مؤيد الدين العلقمي الشيعي ؛ واقترب الوفد من خيمة هولاكو فاعترض الوفد فرقه من الحرس الملكي التتري ولم يسمحوا لكل الوفد بالدخول على هولاكو ولم يسمحوا إلا للخليفة وسبعة عشر رجلاً معه فقط بالدخول على هولاكو أما الباقي فكما قالوا سيخضعون للتفتيش الدقيق ؛ ودخل الخليفة ومعه رجاله وحجب عنه باقي الوفد ؛ وقتل الوفد بكامله فقتل كل الرجال الذين أخذوا للتفتيش ولم يبق إلا الخليفة ومن معه داخل خيمة هولاكو ؛ وبدأ هولاكو يصدر الأوامر في عنف وتكبر واكتشف الخليفة أن وفده قد قتل بكامله فاكتشف عند ذلك الخليفة أن التتار وأمثالهم لا عهد لهم ولا أمان لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وبدأت الأوامر الصارمة تخرج من هولاكو : أولاً:على الخليفة أن يصدر أوامره إلى أهل بغداد بإلقاء أي سلاح معهم والإمتناع عن أي مقاومة. ثانياً:يقيد الخليفة ويساق في بغداد يرسب في أغلاله لكي يدل التتار على كنوز العباسيين. ثالثاً:يقتل ولدا الخليفة أمام عينه وهما أحمد وعبد الرحمن. رابعاً:يتم أسر أخوات الخليفة الثلاثة فاطمة وخديجه ومريم. خامساً:يستدعى من بغداد بعض الرجال بعينهم وهؤلاء كتب أسمائهم ابن العلقمي فهؤلاء هم علماء السنة وحملة القرآن وأئمة المساجد في داخل بغداد ؛ فيخرج كل فرد من هؤلاء ومعه أولاده ونسائه ويذهبون إلى مكان خارج بغداد بجوار المقابر فيلقى العالم على الأرض ويذبح كما تذبح الشاه ويؤخذ نساؤه وأولاده سبياً أو للقتل ؛ فذبح على هذه الصورة أستاذ دار الخلافة الشيخ محيي الدين يوسف فهذا ابن العالم المشهور ابن الجوزي رحمه الله- وذبح أولاده الثلاثة معه عبد الله وعبد الرحمن وعبد الكريم ؛ وذبح مجاهد الدين أيبك وزميله سليمان شاه ؛ وذبح شيخ الشيوخ ومؤدب الخليفة ومربيه صدر الدين علي بن النيار ؛ ثم ذبح بعد ذلك خطباء المساجد والأئمة وحملة القرآن ؛ كل ذلك والخليفة حي يشاهد . ** إستباحة المدينة :- فألقى أهل بغداد السلاح وقتلت الصفوه من أهلها وأنساب جنود هولاكو في شوارع وطرقات بغداد وأصدر السفاح هولاكو أمر الشنيع باستباحة بغداد ؛ فالأمر بالإستباحة يعني أن الجيش التتري يفعل فيها ما يشاء يقتل يأسر يسبي يزني يسرق يدمر يحرق ؛ فانطلقت وحوش التتار الهمجية تنهش في أجساد المسلمين وفعل التتار في المدينة مالا يتخيله عقل فبدأ الجنود التتريين يتعقبون المسلمين في كل شارع أو ميدان في كل بيت أو حديقة في كل مسجد أو مكتبة وأستحر القتل في المسلمين والمسلمون لا حول لهم ولا قوة لا هم لهم إلا الهرب ؛ فيهرب المسلم إلى داره ويغلق عليه الباب فيأتي التتري ويحرق الباب أو يقتلعه ويدخل عليه فيهرب إلى أعلى المنزل إلى السطح فيصعد وراءه التتري ويقتله فوق الأسطح حتى سالت الدماء بكثرة من مياذيب المدينة ؛ فلم يقتصر التتار على قتل الرجال الأقوياء فقط إنما كانوا يقتلون الكهول والشيوخ وكانوا يقتلون النساء إلا من إستحسنوه منهن فكانوا يأخذونهم سبياً بل وكانوا يقتلون الأطفال حتى الرضع منهم ؛ وجد جندي من التتار أربعين طفلاً حديثي الولادة في شارع من شوارع بغداد وقد قتلت أمهاتهم فقتلهم جميعاً ؛ وتزايد عدد القتلى في المدينة بشكل بشع كل هذا والخليفة على قيد الحياة يشاهد ما يحدث في مدينتة ولاشك أنه كان نادماً على كل ما فعل وكان لسان حاله يقول رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً ؛ روي أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما ) أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " ؛ عمل أهل بغداد في الزراعة والتجارة بل وفي العلم والتعلم لكن تركوا الجهاد في سبيل الله فكانت النتيجة هذا الذل الذي رأوه. * مقتل الخليفة :- وسيق الخليفة المستعصم بالله إلى خاتمته الشنيعة بعد أن دل على كل كنوز العباسيين ؛ فوضعه التتار في جوال ثم أمر هولاكو أن يقتل الخليفة رفساً بالأقدام ؛ وبمقتله يكون قد سقط آخر خلفاء بني العباس في بغداد وسقطت معه بغداد وسقط من وراءها الشعب بكامله وكان ذلك في اليوم العاشر من فتح بغداد لبوابها يوم 14 صفر سنة 656هـ . * ما فعله التتار في بغداد بعد قتل الخليفة :- ولم تنتهي المأساه بقتل الخليفة وإنما أمر هولاكو- لعنه الله بإستمرار عملية القتل في بغداد واستمرت إلى أربعين يوما متصله لاهم للجنود التتر إلا قتل المسلمين ؛ وقتل من أهل بغداد وحدها مليون مسلم في أربعين يوما فقط من الرجال والنساء والأطفال والكهول ولم ينج من القتل في بغداد إلا أفراد الجالية المسيحية . وبينما كان فريق من التتار يعمل على قتل المسلمين وسفك الدماء إتجه فريق آخر من التتر إلى عمل إجرامي أبشع وهو تدمير مكتبة بغداد وهي أعظم مكتبة موجوده على وجه الأرض في ذلك الزمان بلا منازع فقد جمعت فيها مختلف العلوم والآداب والفنون من شتى بقاع الأرض ؛ ولم يقترب منها في العظمة والشهرة إلا مكتبة قرطبة في الأندلس ؛ فحمل التتار الكتب الإسلامية وفي بساطة شديدة ألقوها جميعا في نهر " دجلة" فتحول لون مياه النهر إلى اللون الأسود من أثر مداد الكتب حتى قيل أن الفارس التتري كان يعبر فوق المجلدات الضخمة من ضفة إلى أخرى ؛ وبعد أن فرغ التتار من تدمير مكتبة بغداد إتجهوا إبى الديار الأنيقة والمنازل الجميلة فتناولوها بالتدمير والحرق وسرقوا منها المحتويات الثمينة وما عجزوا عن حمله منها أحرقوه ؛ وبعد الأربعين يوما الدموية في بغداد أصدر هولاكو مجموعة من الأوامر وأولها أنه أعطى أماننا حقيقيا في بغداد فلا يقتل مسلم في بغداد بعد هذا الأمر عشوائيا لأن الجثث المتعفنه أصبحت كالتلال في شوارع وطرقات بغداد ؛ فخشى هولاكو أن يحدث وباء في هذه المناطق فيأكل المسلمين والتتار فأمر بخروج من تبقى من المسلمين ونجى من القتل من مخابئهم وأعلن الأمان ليقوموا بدفن موتاهم ؛ وخرج من تبقى من المسلمين وأخذوا في دفن موتاهم ومع ذلك فقد إنتشرت الأوبئة فعلا في بغداد ومات من المسلمين عدد كبير من جراء هذه الأمراض القاتله ؛ وكما يقول ابن كثير في كتابه البداية والنهاية " ومن منجا من الطعن لم ينجو من الطاعون " ؛ والأمر الثاني الذي أصدره هولاكو هو تعيين "مؤيد الدين العلقمي" الشيعي الرافضي رئيسا على مجلس الحكم المعين من قبل التتار على أن توضع عليه بالطبع وصاية تترية ولم يكن مؤيد الدين إلا صورة للحاكم ولكن القيادة الفعلية كانت في يد التتار بل إن الأمر تزايد بعد ذلك حتى وصل إلى الإهانة المباشرة له من قبل صغار الجند ؛ وبعد كل هذا الذل الذي عاشه بن العلقمي بعدها بأيام مات في بيته وسبحان الله فلم يتسنى له أن يستمتع بملك أو بحكم والذي ضحى من أجله بحياة آلآف المسلمين وليكن عبرة بعد ذلك لكل من تسول له نفسه أن يخون أمته ودينه ؛ وبعد موته ولى التتار إبنه ليكون مكان أبيه على حكم بغداد ولكن من مفارقات القدر أن يموت أيضا هذا الأبن الشاب في نفس السنه التي مات فيها أبيه وهي نفس السنه التي سقطت فيها بغداد . * ردود الأفعال في العالم الإسلامي والمسيحي بعد سقوط بغداد:- ووصلت أخبار سقوط بغداد إلى بأسره ؛ فالعالم الإسلامي كان سقوط بغداد بالنسبة له صدمه كبيرة ورهيبة لايمكن إستيعابها مطلقا ؛ وظهر لدى المسلمن في ذلك الوقت إعتقاد سيطر على معظمهم وهو أن ضعف المسلمين وقوة التتار وسقوط بغداد ماهي إلا علامات للساعة وأن المهدي سيظهر قريبا وسيقود جيوش المسلمين للإنتصار على التتار. أما العالم النصراني فقد عمت فيه البهجة والفرحة اطرافه بكاملها وكان هذا هو المتوقع ؛ فالحروب بين المسلمين والنصارى لم تنتهي وكانت على أشدها في ذلك الوقت وبالطبع فهذه الضربه التترية موجعه جدا للعالم الإسلامي ؛ ولا شك أن أطماع الصليبيين ستتجدد في الشام وفي مصر | |
|
| |
ايام زمان المـديـر العـــام
17/5/2009 : 17/05/2009
| موضوع: رد: التتار وحلم غزو العالم - من الصعود إلى السقوط ! الأربعاء مايو 25 2011, 10:04 | |
| ماذا فعل هولاكو بعد تدمير بغداد ؟ إنسحب هولاكو من بغداد إلى همدان بفارس ثم توجه إلى قلعة تسمى " شها " على شاطئ بحيرة " أرميه " وهى تقع في الشمال الغربي لدولة إيران حاليا ؛ في هذه القلعة وضع هولاكو الكنوز الهائلة التي نهبها من قصور العباسيين والتي نهبها من بيت مال المسلمين ومن بيوت التجار وأصحاب الأموال ...... ؛ وبالطبع ترك هولاكو حاميه تتريه حول بغداد لحمايتها . وبدأ يفكر بجدية في الخطوة التالية ولا شك أن الخطوة التالية سوف تكون سوريا. وبدأ هولاكو بدراسة الموقف في هذه المنطقة ؛ وبينما هو يقوم بهذه الدراسه ويحدد نقاط الضعف والقوة في هذه المناطق الإسلامية ؛ بدأ بعض الأمراء المسلمين يؤكدون على ولائهم للتتار وبدأت الوفود الإسلامية الرسمية تتوالى على زعيم التتار تطلب عقد الأحلاف والمعاهدات مع هولاكو فجاء الأمير " بدر الدين لؤلؤ " أمير الموصل والأمير " كيكاوس الثاني " والأمير " قلج أرسلان الرابع " من منطقة الأناضول في وسط وغرب تركيا حاليا ؛ وجاء أيضا الأمير " الأشرف الأيوبي " أمير حمص والأمير " الناصر يوسف " حفيد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله – أمير حلب ودمشق ؛ فهؤلاء الأمراء يمثلون معظم شمال العراق والشام وتركيا . ولكن قبل أن يدخل الشام ظهر أمام هولاكو أحد العوائق الصعبة والتي سوف تأخر وصوله وتقدمه نحو الشام وهو أن أحد الأمراء الأيوبيين رفض أن يرضخ لأوامر وقرارات هولاكو ورفض أن يعقد مع التتار أي معاهدات وقرر أن يجاهد التتار إلى النهاية وهذا الأمير هو " الكامل محمد الأيوبي " أمير مدينة " ميافرقين " وهي تقع الآن إلى الغرب من بحيرة " وآن " ؛ وجيوشه كانت تسيطر على شرق تركيا بالإضافه إلى منطقة الجزيرة ( وهي المنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفرات من جهة الشمال ) ولذلك فإن هولاكو أصبح من اللزم عليه محاربة الكامل محمد لكي يستطيع دخول الشام وسوريا من جهة العراق لأنه لم يستطع بلوغ سوريا إلا بالمرور من الجزيرة وهي المنطقة الواقعة تحت سيطرة الكامل محمد- رحمه الله . * التتار وميافرقين :- ومدينة ميافرقين هذه مدينه شديدة الحصانة وتقع بين سلسلة جبال البحر الأسود ؛ فأصبح إختراق هذه المنطقة شديد الصعوبة على التتار ؛ ولبكن هولاكو لم يريد أن يترك أي شئ للمفاجئات وققر إقتحام المدينة. * فماذا يفعل هولاكو للخروج من ذلك المأذق ؟ بدأ هولاكو بسلوك الطرق السهلة وغير المكلفة ؛ فحاول إرهاب الكامل وإقناعه بالتخلي عن فكرة الجهاد ؛ فأرسل إليه رسول برساله يدعوه فيها إلى التسليم غير المشروط ويدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه غيره. وكان هولاكو في منتهى الذكاء عندما إختار الرسول الذي سيرسله إلى الكامل محمد الأيوبي ؛ فلم يرسل رسولا تتريا وإنما أرسل رسولا عربيا نصرانيا ؛ وهو رجل يدعى " قسيس يعقوبي " فهذا الرسول من ناحية يستطيع التفاهم مع الكامل بلغته ؛ ثم هو من ناحيه أخرى نصراني وذلك حتى يلفت نظر الكامل محمد إلى أن النصارى يتعاونون مع التتار. * فما أهمية ذلك بالنسبة للكامل محمد ؟ لذلك الموقف أهمية إستراتيجية بالغة الخطورة بالنسبة للكامل محمد ؛ لأنه في شرق تركيا سنجد الموقع الجغرافي لإمارة ميافرقين في منتهى الخطورة ؛ فالحدود الشرقية مع مملكة " أرمينيا " النصرانية وهي متحالفة مع التتار ؛ والحدود الشمالية الشرقية مملكة " الكرج" النصرانية وهي أيضا متحالفة مع التتار ؛ ومن الحدود الجنوبية الشرقية تجد إمارة "الموصل" العميلة للتتار ؛ فأصبح بذلك الجانب الشرقي للإمارة بالكامل محاط بعملاء التتار من النصارى والمسلمين ؛ ومن الغرب توجد إمارات السلاجقة المسلمين وهم أيضا كغيرهم في ذلك الزمان عملاء للتتار ؛ فوسط وغرب تركيا عميل للتتار ؛ ومن الجنوب الغربي إمارة حلب التابعة للناصر يوسف المتعاون مع التتار . فلم يصبح للكامل محمد أي منفذ من أي جهة فقد أصبح محاصرا من جميع الجهات. * ماذا فعل الكامل محمد مع رسول التتار النصراني ؟ فعل الكامل محمد على غير عادة الملوك والأمراء مع الرسول ؛ فقد أمسك بذلك الرسول وقتله ؛ ولكن الكامل محمد قام بذلك ليكون بمثابة الإعلان الرسمي للحرب على هولاكو وكنوع من شفاء الصدور للمسلمين إنتقاما من ذبح مليون مسلم في بغداد ؛ ولأن التتار في الأساس لم يحترموا أي عرف أو عادة في حياتهم. وبعد هذه الواقعة أدرك هولاكو تماما أنه لن يدخل الشام إلا بعد القضاء على الكامل محمد تماما . * الحصار :- أسرع هولاكو في تجهيز جيش كبير لملاقاة الكامل محمد ووضع على رأسه إبنه "أشموط" وتوجه ذلك الجيش مباشرة إلى ميافرقين بعد أن قام أمير الموصل لبعميل " بدر الدين لؤلؤ " بفتح أرض الموصل لمرور الجيش التتري . وحاصر جيش التتار إمارة ميافرقين حصارا شديدا ؛ وكما هو متوقع فقد جاءت جيوش مملكتي أرمينيا والكرج لكي تحاصر ميافرقين من الناحية الشقية ؛ وبدأ ذلك الحصار الشرس من شهر رجب سنة 656هـ ؛ وصمدت المدينة في وجه ذلك الحصار وظهرت فيها مقاومة ضارية وقام الأمير الكامل محمد في شجاعة نادرة يشجع شعبه على الثبوت والجهاد في سبيل الله . وقام الأمير الكامل بطلب النجدة من الناصر يوسف صاحب حلب ؛ لكن الناصر رفض تقديم أي مساعدة له رفضا قاطعا وصريحا ؛ ثم إنه لم يكتفي بمنع المساعدة عن الكامل ولم يكتفي بالمشاركة في الحصار بل أرسل رسالة إلى هولاكو مع إبنه " العزيز " يطلب فيها أمرا غريبا في هذا التوقيت ؛ فقد أرسل يطلب من هولاكو أن يعينه بفرقه تتريه للهجوم على مصر وافستيلاء عليها من المماليك ليضمها إلى أملاكه ؛ ولكن سبحان الله – إستكبر هولاكو أن يرسل إليه الناصر يوسف إبنه ولم يأت إليه بنفسه ؛ ورأى هولاكو أن الناصر قد بدأ يرى نفسه إلى جواره في العظمة والسلطان ؛ فجمع هولاكو الأدباء والشعراء المحترفين لكي يرسل رسالة يرد فيها على الناصر يوسف . * رسالة هولاكو إلى الناصر يوسف :- فأرسل يقول له " الذي يعلم به الملك الناصر صاحب حلب ؛ أنا قد فتحنا بغداد بسيف الله تعالى- وقتلنا فرسانها ؛ وهدمنا بنيانها ؛ وأسرنا سكانها ؛ كما فال الله تعالى في كتابه العزيز " قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون" ؛ واستحظرنا خليفتها وسألناه عن كلمات فكذب ( يعني عن الكنوز والأموال ) فواقعه الندم واستوجب منا العدم ؛ وكان قد جمع ذخائر نفيسه وكانت نفسه خسيسه ؛ فجمع المال ولم يعبأ بالرجال ؛ وكان قد نما ذكره وعظم قدره ونحن نعوذ بالله من التمام والكمال ؛ إذا وقفت على كتابي هذا فسارع برجالك وأموالك وفرسانك إلى طاعة سلطان الأرض شاهً شاه رويزمين ( أي ملك الملوك على وجه الأرض ) تأمن شره وتنل خيره كما قال الله تعال في كتابه العزيز " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى " ولا تعوق رسلن عنك فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ؛ وقد بلغنا أن تجار الشام وغيرهم إنهزموا بحريمهم إلى مصر ؛ فإن كانوا في الجبال نسفناها ؛ وإن كانوا في الأرض خسفناها أين النجاه ولامناص لهارب وليا البسيطان الندى والماء ؛ ذلت لهيبتنا الأسود وأصبحت في قبضة الأمراء والوزراء " انتهت الرسالة التترية المرعبة وعلم الناصر يوسف أن هولاكو يطلب منه التسليم الكامل * ماذا فعل الناصر يوسف بعدما وصلته رسالة هولاكو:- فقرر الناصر يوسف أن يأخذ قرارا ما فكر فيه طيلة حياته فقد إضطر إضطرارا إلى أن يأخذ قرار الجهاد في سبيل الله ؛ وضرب معسكر جيشه في شمال دمشق عند قرية "برزا " وبدأ في إعداد العده لقتال التتار ؛ فبدأ في مراسلة الأمراء المسلمين من حوله لينضموا غليه لقتال التتار فراسل أمير الكرك " المغيث فتح الدين عمر " وراسل أمير مصر يطلب معونته في حرب التتار والذي كان بالأمس يريد أخذ فرقه تترية لغزو بلاده . وكان هولاكو قد عاد من قرية " شها " إلى مدينة " همدان " وهي التي كان يوجد بها القيادة المركزية لإدارة شئون الحرب في المنطقة ؛ وبدأ هولاكو في إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة بعد التطورات الجديدة واستوجب النقاط التالية : 1- وجوب تعميق العلاقات بين التتار والنصارى. 2- إستمرارية حصار ميافرقين. 3- الإستهانه من قبل هولاكو بأمر الناصر يوسف وإعداده للجهاد لأنه يعلم جيدا الناصر يوسف وأنه ليس له ناقة ولا جمل في دخول الحرب . 4- منطقة العراق الأوسط وبما فيها بغداد ومنطقة شمال العراق أصبحت آمنه تماما للتتار. 5- أقوى المدن في الشام هما مدينتا حلب ودمشق فلوسقطتا فقد سقطت الشام بالكامل.
* بعد إستعراض هذه النقاط ماذا كان قرار هولاكو؟ قرر هولاكو التوجه مباشرة لإسقاط إحدى المدينتين حلب أو دمشق ؛ فقرر هولاكو وبعد دراسة وبحث أوضاع كلا من المدينتين والمناطق المحيطة بهما أن يدخل حلب أولا ثم يتوجه إلى دمشق . * حصار حلب :- بدأ جيش التتار الرئيسي بقيادة هولاكو في التحرك من قواعده في همدان في فارس متجها إلى شمال العراق وفي طريقه إحتل مدينة " نصيبيين " وهي تبعد 160كم عن ميافرقين ولم يقابل هذا الجيش بأي مقاومة تذكر ؛ ثم إتجه غربا ليحتل مدينة " حران " ثم مدينة " الرها " ثم مدينة " البيرة " ؛ وكل هذه المدن تقع حاليا في جنوب تركيا ؛ ثم بعد ذلك عبر هولاكو نهر الفرات من شرقه إلى غربه وتوجه مباشرة إلى مدينة حلب الحصينة واستمر هذا التقدم التتري في الأراضي الفارسية ثم العراقية والتركية ثم الأراضي السورية وصولا إلى حلب مدة عام كامل وهو عام 657هـ ؛ ووصل هولاكو إلى مدينة حلب في شهر محرم من سنة 658هـ وحاصرت الجيوش التترية المدينة من كل الجهات ؛ لكن حلب رفضت التسليم وتزعم المقاومة فيها " توران شاه " عم الناصر يوسف وكان سيخا كبيرا ؛ ونصبت المجانيق حول المدينة وبدأ القصف المتوالي من التتار على المدينة ؛ وفي أثناء ذلك الحصار والشعب يحاول رد بأس التتار عنه وصل إليهم خبر أليم مفجع فقد سقطت مدينة ميافرقين وفتحت لجيش التتار المحاصر لها بقيادة " أشموط " وانساحت جيوش التتار الهائلة داخل المدينة بعد حصار إستمر عاما ونصف واستبيحت حرمات المدينة تماما ؛ فقد جعلها " أشموط " إبن هولاكو عبرة لكل بلد تقاوم تفكر أن في هذه المنطقة فقد قتل كل سكانها وحرق الديار ودمرها تماما ؛ لكنه إحتفظ برجل واحد فقط من هذه المدينة وهو الأمير " الكامل محمد الأيوبي " حيا ليزيد من عذابه ؛ فذهب به إلى أبيه الفاح هولاكو وهو في حصار مدينة حلب وسلمه إياه . * قتل الكامل محمد :- إستجمع هولاكو كل شره في الإنتقام من الأمير البطل ؛ فأمسك به وقيده ثم صلبه ثم بدأ في تقطيع أطرافه وهو هي ثم أجبره على أن يأكل لحمه ؛ فكان يدس لحمه في فمه رغما عن أنفه ؛ وظل به على هذا التعذيب البشع إلى أن أذن الله عز وجل – لروحه المجاهدة أن تصعد إلى دارها في الآخرة ؛ ثم قام السفاح هولاكو بقطع رأسه ثم وضعها في رمح وأمر أن يطاف برأسه في كل بلاد الشام وذلك ليكون عبرة لكل المسلمين ؛ وانتهى المطاف برأسه ‘لى دمشق وعلقت رأسه فترة على أحد أبواب دمشق وهو باب " الفراديس " ثم انتهى المقام به إلى أن دفن في أحد المساجد وعرف هذا المسجد بعد ذلك بمسجد الرأس | |
|
| |
ايام زمان المـديـر العـــام
17/5/2009 : 17/05/2009
| موضوع: رد: التتار وحلم غزو العالم - من الصعود إلى السقوط ! الأربعاء مايو 25 2011, 10:05 | |
| * سقوط حلب :- واشتد القصف التتري على حلب واستمر الحصار للمدينة لسبعة أيام فقط ؛ ثم أعطى التتار الأمان لأهلها إذا فتحوا الأبواب دون مقاومة ؛ لكن زعيم المدينة " توران شاه " قال لهم أن هذه خدعة لأن التتار لا أمان لهم ولا عهد ؛ لكن الشعب الحلبي كان قد أصيب بالإحباط الشديد وقادهم هذا الإحباط إلى الرغبة في التسليم ؛ فاتجه عامتهم إلى فتح الأبواب لهولاكو ؛ لكن قائدهم وبعض المجاهدين في المدينة رفضوا واعتصموا بالقلعة داخل المدينة ؛ وفتحت الأبواب ودخل التتار داخل مدينة حلب وما إن سيطروا على محاور حلب حتى ظهرت النوايا الحقيقية الخبيثة للتتار فقد أصدر هولاكو أمرا بقتل المسلمين في حلب وترك النصارى ؛ وهكذا بدأت المذابح البشعة في رجال ونساء وأطفال حلب وتم تدمير المدينة تماما ؛ ثم إتجه هولاكو إلى حصار القلعة التي في داخل حلب ؛ وأشتد القصف على القلعة وانهمرت السهام من كل مكان ؛ ولكن القلعة صمدت وقاومت أربعة أسابيع كاملة إلى أن سقطت في النهاية ودخل هولاكو القلعة وقتل كل من كان فيها وأبقى رجلا واحد وهو القائد البطل " توران شاه " لم يقتله كما فعل مع الكامل محمد ولكنه إحتفظ به معه أسيرا . إستقر الوضع لهولاكو في حلب وخارت كل مقاومة كانت بها ؛ ثم أراد هولاكو أن ينتقل إلى منطقة أخرى بالشام فاستقدم الأشرف الأيوبي أمير حمص وهو من الأمراء الذين والو هولاكو قبل ذلك فأظهر له هولاكو كرما غير عادي فقد أعطاه مدينة حلب إلى جوار مدينة حمص لكي يضمن الولاء التام له . ثم اتجه هولاكو إلى الغرب بعد سقوط حلب واتجه إلى حصن " حارم " وهو حصن إسلامي يبعد 50كم من حلب ؛ فحاصره ثم فتحه وذبح كل من فيه ؛ وأكمل سيره إلى الغرب حتى وصل إلى إمارة " أنطاكيا " وهي إمارة الحليف النصراني الأمير بهمند ؛ وحول أنطاكيا ضرب هولاكو معسكره ؛ ثم دعى إلى عقد مؤتمر لبحث الأوضاع في المنطقة ، وبدأ الحلفاء في كل المنطقة يتوافدون على هولاكو ؛ فجاء الملك الأرمني هيثوم وأمير أنطاكيا بهمند وأمراء السلاجقة المسلمون كيكاوس وقلج أرسلان الرابع ؛ وبدأ هولاكو يصدر مجموعة من الأوامر والقرارات والجميع يستمعون وهي الآتي : أولا : يكافأ ملك أرمينيا هيثوم بمكافأه كبيرة من غنائم حلب ؛ وذلك تقديرا لدور الجيش الأرمني في إسقاط بغداد ثم ميافرقين ثم حلب. ثانيا : على سلطاني السلاجقة أن يعيدا بعض المدن والقلاع التي كان المسلمون قد فتحوها قبل ذلك إلى ملك أرمينيا. ثالثا : يكافأ بهمند أمير أنطاكيا على تعاونه مع هولاكو فأعطاه هولاكو مدينة اللازقية المسلمة هدية وهي المدينة التي حررت من الصليبيين على يد صلاح الدين – رحمه الله. رابعا : تعين بطريرك جديد للكنيسة في أنطاكيا ؛ وهو بطريرك يوناني ارزثكسي فعينة هولاكو على كنيسة أنطاكيا الكاثوليكية * سقوط دمشق :- وبدأ هولاكو بعد ذلك بالتحرك بالجيش التتري ناحية الجنوب ؛ وعندما بدأ هولاكو في التحرك جاء إليه وفد من أعيان " حماه " وكبرائها يقدمون له مفاتيح المدينة ويسلمونها دون قتال ؛ فقبل منهم هولاكو المفاتيح واعطاهم الأمان الحقيقي في هذه المره لكي يشجع كل الملوك في الشام ان يفتحوا أبواب بلادهم كما فتحت حماه ؛ ثم ترك حماه وانتقل بعد ذلك إلى حمص وهي بلد صديقه فتركها ولم يدخلها واتجه مباشرة إلى دمشق والمسافة بين حمص ودممشق 120 كم فقط ؛ فعلم الناصر يوسف أمير دمشق أن هولاكو قادم إليه ؛ فعقد مجلسا إستشاريا أعلى ضم معظم قادة الجند وأخذوا في التباحث والتشاور وطال النقاش والحوار ووصلوا في النهاية إلى القرار ؛ والقرار هو الفرار فليس لديهم أي فرصة في الدفاع عن المدينة ولا التفكير أصلا في الدفاع عنها ؛ فسيفر الأمير الناصر يوسف والأمراء سيفرون والجيش كذلك وستبقى مدينة دمشق وشعبها الكبير دون حمايه ولا دفاع وإنا لله وإنا إليه راجعون ؛ وعند قرب قدوم التتار إلى المدينة إجتمع أعيان دمشق وكبرائها وقرروا أن يفعلوا مثلما فعل أهل حماه ؛ سيأخذون مفاتيح المدينة ويسلمونها إلى هولاكو ويطلبون منه الأمان ؛ ولم يخالف هذا الرأي إلا قله من المجاهدين قرروا التحصن في قلعة دمشق والدفاع حتى النهاية ؛ وبالفعل أعطى هولاكو أهل دمشق الأمان الحقيقي كما أعطى أهل حماه ؛ وقبل أن يدخل دمشق حدث مالم يكن في حسبانه فقد مات منكوخان زعيم دولة التتار ؛ فقد جائته الأخبار قبل أن يصل دمشق بقليل ؛ فقد كانت هذه أذمة كبيرة فقد كان منكوخان يحكم دوله مهولة إتسعت في وقت قياسي فحدوث أي إضطراب في الحكم سيؤدي إلى كارثة وهو أحد المرشحين لقيادة دولة التتار بدلا من قيادة الشام وما حولها ؛ فترك الجيش التتري وسارع بالعوده باتجاه العاصمة قورقورم لكنه عندما وصل إلى تبريز في إيران إكتشف أن التتار قد عينوا غيره فقد عينوا كوبي لاي أميرا على دولة التتر بكاملها ؛ وكان ذلك بمثابة الصدمة لهولاكو فلم يكمل الطريق إلى العاصمة وآثر أن يمكث في تبريز ولم يعد بعد ذلك إلى الشام ؛ واخذ يراقب الموقف من تبريز ويدير كل هذه الممتلكات الواسعة التي فتحها ؛ وحمل أعيان دمشق المفاتيح ليسلموها إلى هولاكو فاستقبلهم القائد الجديد ؛ فقبل أن يغادر هولاكو الجيش ترك على رأسه أعظم قواده " كتبغا نوين " وهو الذي دخل دمشق وأعطى أهلها الأمان الحقيقي وتقدم بجيشه لدخول المدينة العظيمة الكبيرة دمشق ؛ وقد شاهد المسلمون في دمشق مالم يتخيلوه مطلقا ؛ فقد شاهدوا ثلاثة أمراء نصارى يتبخترون في شوارع دمشق فقد كان في مقدمة الجيش " كتبغا نوين " وهو تتري نصراني وبصحبتة الملك " هيثوم " ملك أرمينيا والأمير " بهمند " أمير أنطاكيا فهذه أول مرة يدخل أمراء نصارى مدينة دمشق منذ أن تركها الرومان أيام هرقا قيصر الروم عند الفتح الإسلامي سنة 14هـ ؛ وأعطى التتار فعلا الأمان لأهل دمشق فلم يقتلوا منهم أحد اللهم إلا هولاء الذين تحصنوا في قلعة دمشق وسقطت دمشق في أواخر صفر سنة 658هـ أي بعد عامين فقط من سقوط بغداد ؛ وبدأ التتار في إدارة مدينة دمشق بواسطة النصارى فقد وضعوا على المدينة رجلا تتريا يدعى " إبلسيان " وهو وإن لم يكن نصرانيا ولكنه كان معظما جدا للنصارى محابيا جدا لهم وبدأت المدينة تعيش فترة عجيبة جدا من تاريخها. * ماذا قال ابن كثير عن سقوط دمشق ؟ فقد قال ابن كثير في كتاب البداية والنهاية تفصيلا لهذا الأمر يقول " إجتمع إبلسيان لعنه الله – بأساقفة النصارى وقساوستهم فعظمهم جدا وزار كنائسهم فصارت لهم دولة وصولة بسببه وذهبت طائفة من النصارى إلى هولاكو وأخذوا معهم هدايا فاستقبلهم وأحسن إستقبالهم ثم قدموا بعد ذلك من عنده ومعهم أمان من جهته ؛ ودخلوا من باب توما ومعهم صليب منصوب يحملونه على رؤس الناس وهم ينادون بشعارهم ويقولون ظهر الدين الصحيح دين المسيح ؛ ويذمون دين الإسلام وأهله ومعهم أواني فيها خمر لا يمرون على باب مسجد إلا رشوا عنده خمرا وقماقم ملأا خمرا يرشون منها على وجوه الناس وثيابهم ؛ ويامرون كل من يجتازون به في الذقة والأسواق من المسلمين أن يقوم لصليبهم ؛ ووقف خطيبهم إلى دكة دكان في عطفة السوق فمدح دين النصارى وذم دين الإسلام وأهله فإنا لله وانا إليه راجعون ؛ ثم إنهم دخلوا الجامع بخمر فلما وقع ذلك إجتمع قضاة المسلمين والشهود والفقهاء فدخلوا القلعة يشكون هذه الحال إلى إبلسيان زعيم التتار ؛ فأهينوا وطردوا وقدم كلام رؤساء النصارى عليهم " - كان هذا هو الوضع في دمشق ولم يكتف بذلك كتبغا بل أمر أن تحتل فلسطين ؛ فأرسل فرقة من جيشه إحتلت نابلس ثم اخترقت كل فلسطين واحتلت غزة ؛ ولم تقترب بالطبع الجيوش التترية من الإمارات الصليبية المنتشرة في فلسطين وهكذا قسمت فلسطين بين التتار والصليبيين . بهذا الإحتلال الأخير لفلسطين يكون التتار قد أسقطوا العراق بكامله وأجزاء كبيرة من تركيا وأسقطوا أيضا سوريا بكاملها ولبنان ثم فلسطين كل ذلك في عامين فقط من سنة 656 إلى سنة 658هـ ووصل التتار في فلسطين إلى غزة وأصبحوا على بعد 35 كم فقط من سيناء وبات معلوما للجميع أن الخطوة التالية للتتار مباشرة هي إحتلال مصر | |
|
| |
ايام زمان المـديـر العـــام
17/5/2009 : 17/05/2009
| موضوع: رد: التتار وحلم غزو العالم - من الصعود إلى السقوط ! الأربعاء مايو 25 2011, 10:10 | |
| المعركة الرهيبة العصيبة( معركة الحسم) وبدأ التتار يوجهون انظارهم تلقاء مصر ..ولكن الله عز وجل قيض للعالم الاسلامى عبدا من عباده شاء الله ان يكسر به شوكة التتار وهو سيف الدين محمود بن ممدود رحمه الله او المملوك قطز كما شاع على السن الناس. تسلطن بعد أن خلع الملك المنصور علي ابن الملك المعز أيبك في يوم السبت 17من ذي القعدة سنة 657 هـ- 1259م، بعد أن تفاقم خطر التتار، وأصبحت مصر مهددة بغزوهم الوشيك. وكانت مصر على إثر وفاة ملكها الصالح، ومقتل ولده الملك المعظم قد رفعت على عرشها امرأة هي: شجرة الدر -أرملة الملك الصالح-، فكانت أول ملكة، كما كانت آخر ملكة اعتلت عرش مصر الإسلامية. وأقيم للسلطنة نائب قوي، هو الأمير عز الدين أيبك -كبير المماليك البحرية-، ليعاون شجرة الدر في تدبير الأمور، وبالرغم مما أبدته شجرة الدر من حزم وبراعة في تسيير أمور الدولة، وتصفية الموقف مع الصليبيين وإجلائهم عن مصر فقد كان جلوس امرأة على عرش مصر نذيرًا بوقوع الفتن والاضطرابات، حيث أبى معظم الأمراء أن يحلفوا يمين الطاعة للملكة الجديدة، لذلك رأت شجرة الدر أن تتزوج من الأمير عز الدين أيبك، فلما لم تفلح هذه الخطوة في تهدئة الأمور رأت أن تتنازل عن العرش لزوجها، فتولى الأمير عز الدين أيبك عرش مصر باسم الملك المعز، وذلك في آخر ربيع الثاني سنة 648 هـ 1250م، وحكم مصر زهاء سبع سنين. وكانت شجرة الدر وراء زوجها تعينه في تصريف الأمور، حتى دب الخلاف بين الزوجين، لاعتزام المعز الزواج ثانية، فدبرت شجرة الدر مؤامرة لاغتياله، ونفذتها في بيتها يوم الثلاثاء 23 من ربيع الأول من سنة 655 هـ - 1257م. وتولى الملك المنصور علي ابن الملك المعز أيبك، المُلْكَ يوم الخميس 25 من ربيع الأول من سنة 655 هـ 1257م، وكان عمره 15 سنة، فلم يكن قادرًا على تحمل أعباء الملك في ظروف حرجة للغاية؛ إذ كانت البلاد مهددة بالغزو التتري، لذلك خلعه قطز، وتولى الملك مكانه سنة 657 هـ - 1259م، وكان هدفه: حرب التتار، وإنقاذ مصر خاصة والبلاد العربية عامة من خطر غزوهم الكاسح. الموقف العام ولعل في عرض الموقف العام العصيب التي كانت مصر والبلاد العربية تجتازه من جراء الغزو التتري الجارف ما يبرز مبلغ التضحية التي بذلها قطز في قبوله تحمل المسؤولية حينذاك، في بلد مهدد بغزو خارجي ماحق، وارتباك داخلي فظيع، وقد كان بإمكانه أن يستمتع بالسلطة الفعلية بالرغم من بقاء الملك المنصور في الحكم دون أن يكون المسؤول الأول في مثل تلك الظروف الحرجة، ولكنه آثر المصلحة العامة على مصلحته الشخصية، فقضى أولاً على الارتباك الداخلي، ووضع الأمور في نصابها، ثم وجه همه إلى العدو الخارجي، فاستطاع بأعجوبة خارقة حقًا إحراز النصر وإنقاذ مصر والبلاد العربية من التتار وقواتهم الضاربة. ففي سنة أربع وخمسين وستمائة هجرية 1256م، مَلَكَ التتار سائر بلاد الروم بالسيف، فلما فرغوا من ذلك، نزل هولاكو بن طولوي بن جنكيز خان كالإعصار على بغداد في صفر من سنة ست وخمسين وستمائة هجرية 1285م، ودخلوها دخول الضواري المفترسة، وقتلوا مئات الآلاف من أهلها، ونهبوا خزائنها وذخائرها، وقضوا على الخلافة العباسية، وعلى معالم الحضارة الإسلامية، ثم قتلوا الخليفة المستعصم بالله وأفراد أسرته وأكابر دولته.. وتقدم التتار إلى بلاد الجزيرة، واستولوا على "حران" و"الرُّها" و"ديار بكر" في سنة سبع وخمسين وستمائة هجرية 1259م، ثم جاوزا الفرات، ونزلوا على "حلب" في سنة ثمان وخمسين وستمائة هجرية 1260م، واستولوا عليها وجرت الدماء في الأزقة أنهارًا. ووصل التتار إلى "دمشق"، وسلطانها الناصر يوسف بن أيوب، فخرج هاربًا ومعه أهل اليسار، ودخل التتار دمشق، وتسلموها بالأمان، ثم غدروا بأهلها وفتكوا بهم، ونهبوا وسلبوا ودمروا. وتعدوا دمشق، فوصلوا إلى "نابلس"، ثم إلى "الكرك" وبيت المقدس، وتقدموا إلى "غزة" دون أن يلقوا مقاومة تذكر، واضطر هولاكو فجأة إلى مغادرة سورية، بعد أن جاءته الأخبار بوفاة أخيه الأكبر "منكوقاآن" في الصين، وبتنازع أخويه الآخرين "قوبيلاي" و"أريق بوكا" ولاية العرش. وقد استثمر التتار حرب الصاعقة، التي تعتمد على سرعة الحركة، كما استثمروا حرب الأعصاب إلى أقصى مدى، فنشروا الذعر والخوف في كل مكان، وحيثما اتجهت قواتهم كانت تسبقهم الأقاصيص عن طغيانهم وقسوتهم ومذابحهم. موقف أوروبا فرحت أوروبا النصرانية بانتصار التتار على المسلمين، فقد كانوا من أصدقاء النصارى وفيهم بعض النصارى، ولهولاكو نفسه زوجة نصرانية، فضلاً عن أن القائد الذي ولي أمر سورية عندما غادرها هولاكو كان نصرانيًا، كل هذا جعل البابوات وحكام غرب أوروبا ينظرون إلى التتار وكأنهم حلفاؤهم في قتال المسلمين. والواقع أن فكرة تكوين حلف من الأوروبيين والتتار لتدمير البلاد الإسلامية، كانت موضع تفكير البابوات في عصور متتالية، وكانت سياسية هؤلاء تهدف إلى نشر الدين النصراني بين التتار، وقد تبادل التتار وحكام أوروبا البعوث، وعلى سبيل المثال: فقد دعا لويس التاسع قسمًا من رجال أمير التتار إلى فرنسا، حيث فاوضهم على عقد اتفاقية عسكرية، تنص على أن يقوم طرفاها بعمليات حربية على المسلمين، يكون فيها دور التتار غزو العراق وتدمير بغداد والقضاء على الخلافة الإسلامية، ويكون دور الصليبيين حماية هذا الغزو التتري من الجيوش المصرية, وتجريد جيوشهم لمنع نجدة القوات المصرية للمسلمين في آسيا، وبالأحرى تقوم بعزل مصر عزلاً تامًا عن سائر البلاد العربية. ولم يكفّ لويس التاسع عن العمل لاستمالة التتار، وتسخير قوتهم المدمرة لضرب الإسلام، ففي السابع عشر من يناير سنة 1249م سنة 646هـ أرسل إلى أمير التتار هدايا ثمينة حملها إلى الأمير وفد على رأسه الراهب الدومنيكي "أندريه دي لونجيمو"، ومما يذكر أنه كان من بين هذه الهدايا قطعة من الصليب المقدس وصورة للسيدة العذراء، ومختلف النماذج الصغيرة لعديد من الكنائس. ويقول الأسقف "دي مسنيل Du Masnil" -نائب مدير البعثات التبشيرية في روما- في كتابه عن الكنيسة والحملات الصليبة: "اشتهر هولاكو بميله إلى النصارى النسطوريين، وكانت حاشيته تضم عددًا كبيرًا منهم، من بينهم قائدهم الأكبر "كتبغا" وهو تركي الجنس نصراني نسطوري، كما كانت الأميرة "دوكس خاتون" زوجة هولاكو نصرانية أيضًا. ولقد لعب نفوذ هذه الأميرة على زوجها دورًا خطيرًا، تفخر به الكنيسة في تجنيب أوربا النصرانية أهوال الغزو التتري، وتوجيه غزوهم إلى العرب المسلمين في الشرق العربي، حيث ذبحت قوات التتار العرب المسلمين في مذابح بغداد، في الوقت الذي أبقت فيه على النصارى في تلك المدينة، فلم تمسهم في أرواحهم أو أموالهم بأذى، كما لعبت الأميرة دورًا في إغراء زوجها باحتلال سورية الإسلامية. ويصف الأسقف حملة التتار فيقول: "لقد كانت الحملة التترية على الإسلام والعرب حملة صليبية بالمعنى الكامل لها، حملة نصرانية نسطورية، وقد هلل لها الغرب وارتقب الخلاص على يد "هولاكو" وقائده النصراني "كتبغا" الذي تعلق أمل الغرب في جيشهما، ليحقق له القضاء على المسلمين، وهو الهدف الذي أخفقت في تحقيقه الجيوش الصليبية، ولم يعد للغرب أمل في بلوغه إلا على أيدي التتار خصوم العرب والمسلمين. وقد بادر "هاتون الأول" -ملك إرمينية - و"بوهومونت السادس" - أمير طرابلس -، وأمراء الإفرنج "صور" و"عكا" و"قبرص" بادر هؤلاء جميعًا إلى عقد حلف مع التتار، يقوم على أساس القضاء على المسلمين كافة في آسيا، وتسليم هؤلاء الأمراء بيت المقدس. ويقول "دي مسنيل" في كتابه عن تاريخ التبشير: "إن النصارى هم الذين حرضوا "هولاكو" على الرحيل عن سورية إلى بلاده، ومحاربة أخيه هناك، بسبب موالاته للإسلام". وأخيرًا انتهى أمل الصليبيين بدخول التتار في الإسلام، وفي ذلك يقول الأسقف "دي مسنيل" واصفًا هذه الخاتمة: "وهكذا نرى الإسلام الذي كان قد أشرفت قوته على الزوال، يسترد مكانته، ويستعيد قوته، ويصبح أشد خطرًا من ذي قبل". لقد كانت مهمة قطز صعبة جداً، لأنه كان عليه أن يواجه الخطر الداخلي المتمثل بالارتباك والفوضى في نظام الحكم والصراع على السلطة، وفي الوقت نفسه كان عليه أن يواجه الخطر الخارجي المتمثل بالغزو التتري الداهم المتحالف مع الصليبيين في الغرب والشرق معًا. زحف التتار قبل مغادرة "هولاكو" سورية أرسل رسولاً من رجاله وبرفقته أربعون رجلاً من الأتباع إلى قطز يحملون إليه رسالة منه جاء فيها: "من ملك الملوك شرقًا وغربًا القائد الأعظم: باسمك اللهم، باسط الأرض، ورافع السماء، يعلم الملك المظفر قطز الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم، يتنعمون بأنعامه، ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك، يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الأعمال، إنا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على مَن حَلَّ به غضبه، فلكم بجميع البلاد معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم وأسلموا لنا أمركم. قبل أن ينكشف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ، فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرقّ لمن شكر، وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب، وعلينا الطلب، فأي أرض تؤويكم، وأي طريق تنجيكم، وأي بلاد تحميكم؟! فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون عندنا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يُسمع، فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفُّون عند كلام، وخنتم العهود والأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان، فأبشروا بالمذلة والهوان، فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، فمن طلب حربنا ندم، ومن قصد أماننا سلم، فإن أنتم لشرطنا وأمرنا أطعتم، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن خالفتم هلكتم، فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذّر من أنذر. وقد ثبت عندكم أنا نحن الكفرة، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة، وقد سَلَّطَنا عليكم من له الأمور المقدّرة، والأحكام المدبرة، فكبيركم عندنا قليل، وعزيزكم عندنا ذليل، فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا برد الجواب، قبل أن تضرم الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منا جاهاً ولا عزًا، ولا كافيًا ولا حرزًا، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، فقد أنصفناكم إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم، والسلام علينا وعليكم، وعلى من أطاع الهدى، وخشي عواقب الردى، وأطاع الملك الأعلى". وكان ذلك في سنة ثمان وخمسين وستمائة هجرية "أوائل سنة 1260م". فلما سمع قطز ما في هذا الكتاب جمع الأمراء، واتفقوا على قتل رُسُل هولاكو، فقبض عليهم، واعتقلوا، وأمر بإعدامهم فأعدموا توسيطًا-أي:ضربوا بالسيف في وسطهم ليشطروا شطرين -، كل مجموعة منهم أمام باب من أبواب القاهرة، وعُلقت رؤوسهم على باب "زويلة". لقد عقد قطز العزم على حرب التتار، وكان قراره نهائيًا لا رجعة عنه؛ إذ هو المسوغ الوحيد لاستيلائه على السلطة، وتواترت المعلومات الموثوق بها عن زحف التتار باتجاه مصر، كما علم المصريون باستيلاء التتار على سورية وفلسطين، كما وصل إلى القاهرة كمال الدين عمر بن العديم أحد العلماء الأعلام رسولاً من الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب والشام يطلب من قطز النجدة على قتال التتار. وجمع قطز القضاة والفقهاء والأعيان لمشاورتهم فيما يعتمد عليه من أمر التتار، وأن يؤخذ من الناس ما يستعان به على جهادهم، وحضر أصحاب الرأي في دار السلطنة بقلعة الجبل، وحضر الشيخ عز الدين بن عبد السلام، والقاضي بدر الدين السنجاري -قاضي الديار المصرية-، وأفاضوا الحديث، فكان الاعتماد على ما يقوله ابن عبد السلام، وخلاصة ما قال: "إنه إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم، بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وتبيعوا مالكم من الحوائص-أي:حزام الرجل وحزام الدابة- المذهبة والآلات النفيسة، ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه، ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ الأموال من العامة، مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا يجوز". وانفض المجلس على ذلك، ولم يتكلم السلطان، وهو الملك المنصور علي ابن الملك المعز أيبك، لعدم معرفته بالأمور ولصغر سنه، فلهج الناس بخلع السلطان وتولية قطز حتى يقوم بهذا الأمر المهم. فقد علم قطز أنه لا بد من خروجه من مصر على رأس قواته العسكرية لقتال التتار، ولكنه لا يستطيع أن يفعل ما يريد، لأن الآراء مغلولة لصغر سن السلطان، ولأن الكلمة مختلفة، فجمع قطز الأمراء والعلماء من أصحاب الرأي، وعرفهم أن الملك المنصور هذا صبي لا يحسن التدبير في مثل هذا الوقت الصعب، ولا بد من أن يقوم بأمر الملك رجل شهم يطيعه كل أحد، وينتصب للجهاد في التتار، فأجابه الجميع: ليس لها غيرك. لقد كان الجواب على رسالة هولاكو هو: القتال، ولا شيء غير القتال. وكان هذا القرار متفقًا عليه من الجميع قبل وصول وفد هولاكو، وقبل وصول رسالته إلى القاهرة. ولم يكن إعدام الوفد إلا حافزًا جديدًا لقطز وقواته على القتال، دون أن يتركوا الباب مفتوحًا لحل آخر غير القتال. وهذا موقف لقطز في مثل تلك الظروف التي كانت تحيط به، موقف يُحمد عليه، لأنه انتزع آخر أمل من نفوس المترددين والانهزاميين في احتمال رضوخ قطز إلى مطالب التتار، فقال قطز قولته الحاسمة: "إن الرأي عندي هو أن نتوجه جميعًا إلى القتال، فإذا ظفرنا فهو المراد، وإلا فلن نكون مسلمين أمام الخلق". الحشد خرج قطز يوم الإثنين الخامس عشر من شعبان سنة 658 هـ - 1260م بجميع عسكر مصر ومن انضم إليهم من عساكر الشام ومن العرب والتركمان وغيرهم من قلعة الجبل في القاهرة، يريد معسكر الصالحية، معسكر مصر الكبير في شرق الدلتا. وقبل ذلك، وفي اليوم نفسه، أحضر قطز رسل "هولاكو" وأعدمهم، ليضع قواته المسلحة أمام الأمر الواقع: لا مفر من القتال. ونودي في القاهرة والفُسطاط وسائر أقاليم مصر بالخروج إلى الجهاد، وتقدم قطز إلى جميع الولاة يحث الأجناد للخروج إلى القتال، وسار حتى وصل إلى الصالحية، وتكامل حشد قواته، فجمع الأمراء وكلمهم بالرحيل، فأبوا كلهم عليه وامتنعوا عن الرحيل، فقال لهم: "يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين". وتكلم الأمراء الذين اختارهم وحلّفهم مؤيدين له في المسير، فلم يسع البقية غير الموافقة. لقد جمع قطز قادته قبل المسير، وشرح لهم خطورة الموقف، وذكرهم بما وقع من التتار في البلاد التي غزوها من شنيع السفك والتخريب، وما ينتظر مصر وأهلها من مصير مروع إذا انتصر التتار، وحثهم وهو يبكي على بذل أرواحهم في سبيل إنقاذ الإسلام والمسلمين من هذا الخطر الداهم، فضج القادة بالبكاء، ووعدوا ألا يدخروا وسعًا في سبيل مقاتلة التتار، وإنقاذ مصر والإسلام من شرهم. ولكن لماذا خاف قادة قطز التتار؟ كان هولاكو في خلق لا يحصيهم إلا الله، ولم يكونوا من حين قدومهم على بلاد المسلمين سنة 616 هـ - 1219م يلقاهم عسكر إلا فلّوه، وكانوا يقتلون الرجال ويسبون النساء ويستاقون الأسرى وينهبون الأموال، لذلك آثر قادة قطز بعد إكمال حشد قواتهم حماية مصر لا غير، لكثرة عدد التتار واستيلائهم على معظم بلاد المسلمين، لأن التتار لم يقصدوا إقليمًا إلا فتحوه، ولا عسكرًا إلا هزموه، ولم يبق خارج حكمهم إلا مصر والحجاز واليمن، وقد هرب جماعة من المغاربة الذين كانوا بمصر إلى المغرب، لقد كانت المعنويات منهارة، فلا عجب أن يبذل قطز كل جهده لرفع معنويات قادته ورجاله خاصة، والشعب المصري عامة، وأن يستحث القادرين على حمل السلاح للجهاد بأرواحهم، والقادرين على تقديم الأموال للجهاد بأموالهم، وأن يحشد كل طاقاته المادية والمعنوية للحرب، فلا يعلو صوت على صوت المعركة، ولا يُقبل عذر من أحد قادر على الجهاد بماله وروحه، وقد قدم قطز مثالاً شخصيًا رائعًا في الجهاد بماله وروحه في سبيل الله. كما أن قطز صمّم على لقاء التتار خارج مصر، وألا ينتظرهم في مصر للدفاع عنها على الأرض المصرية، حتى يجنب مصر ويلات الحرب أولاً، ويرفع معنويات رجاله ومعنويات المصريين ثانيًا، ويوحي للتتار بأنه لا يخافهم فيؤثر ذلك على معنوياتهم ثالثًا، ولأن المدافع لا ينتصر مطلقًا إلا في نطاق ضيق محدود بعكس المهاجم الذي يؤدي انتصاره إلى كارثة تحيق بعدوه رابعًا، ولأن الهجوم أنجح وسائل الدفاع خامسًا وأخيرًا. إن تصميم قطز على قبول المعركة خارج مصر، كان قرارًا عسكريًا فذًا. المعركة وخرج قطز من مصر في الجحافل الشامية والمصرية، في شهر رمضان من سنة 658 هـ- 1260م وغادر معسكر الصالحية بجيشه، ووصل مدينه "غزة" والقلوب وجلة، وكان في "غزة" جمع التتار بقيادة "بيدر"، وكان بيدر هذا قد أخبر قائده "كتبغا نوين" الذي كان في سهل "البقاع" بالقرب من مدينة "بعلبك" بزحف جيش قطز، فرد عليه: "قف مكانك وانتظر". ولكن قطز داهم "بيدر" قبل وصول "كتبغا نوين" فاستعاد غزة من التتار، وأقام بها يومًا واحدًا، ثم غادرها شمالاً باتجاه التتار. وكان "كتبغا" مقدم التتار على جيش "هولاكو" لما بلغه خروج قطز، وكان في سهل البقاع قد عقد مجلسًا استشاريًا، واستشار ذوي الرأي في ذلك، فمنهم من أشار بعدم لقاء جيش قطز في معركة، والانتظار حتى يجيئه مدد من "هولاكو" ليقوى على مصاولة جيش المسلمين، ومعنى هذا مشاغلة جيش قطز بالقوات المتيسرة لديه ريثما ترده النجدات التي تضمن له النصر، ومنهم من أشار بغير ذلك -قبل المعركة- اعتمادًا على قوات التتار التي لا تقهر، وهكذا تفرقت الآراء، وكان رأي "كتبغا نوين" قبول المعركة ومواجهة جيش قطز، فتوجه من فوره جنوبًا باتجاه القوات المصرية | |
|
| |
ايام زمان المـديـر العـــام
17/5/2009 : 17/05/2009
| موضوع: رد: التتار وحلم غزو العالم - من الصعود إلى السقوط ! الأربعاء مايو 25 2011, 10:12 | |
| وكان أول الوهن اختلاف الآراء وظهور رأي يحبذ الانسحاب، ورأي يحبذ عدم الانسحاب وقتال قطز. وبعث قطز طلائع قواته بقيادة الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري لمناوشة التتار واختبار قواتهم، واستحصال المعلومات المفصلة عن تنظيمهم وتسليحهم وقيادتهم، فالتقى بيبرس بطلائع التتار في مكان يقع بين "بيسان" و"نابلس" يدعي: "عين جالوت" في "الغور" غور الأردن، وشاغل التتار حتى وافاه قطز على رأس القوات الأصلية من جيشه، وفي يوم الجمعة 25 رمضان سنة 658هـ- 6 سبتمبر1260م نشبت بين الجيشين المتقابلين معركة حاسمة، وكان التتار يحتلون مرتفعات "عين جالوت"، فانقضوا على جيش قطز تطبيقًا لحرب الصاعقة التي دأب التتار على ممارستها في حروبهم، تلك الحرب التي تعتمد سرعة الحركة بالفرسان، وكان القتال شديدًا لم يُر مثله، حتى قتل من الجانبين جماعة كثيرة. وتغلغل التتار عميقًا، واخترقوا ميسرة قطز، فانكسرت تلك الميسرة كسرة شنيعة، ولكن قطز حمل بنفسه في طائفة من جنده، وأسرع لنجدة الميسرة، حتى استعادت مواقعها. واستأنف قطز الهجوم المضاد بقوات "القلب" التي كانت بقيادته المباشرة، وكان يتقدم جنوده وهو يصيح: "واإسلاماه.. واإسلاماه.." واقتحم قطز القتال، وباشر بنفسه، وأبلى في ذلك اليوم أعظم البلاء، وكانت قوات "القلب" مؤلفة من المتطوعين المجاهدين من الذين خرجوا يطلبون الشهادة، ويدافعون عن الإسلام بإيمان، فكان قطز يشجع أصحابه، ويحسّن لهم الموت، ويضرب لهم المثل بما يفعله من إقدام ويبديه من استبسال. وكان قطز قد أخفى معظم قواته النظامية المؤلفة من المماليك في شعب التلال، لتكون كمائن، وبعد أن كر بالمجاهدين كرة بعد كرة حتى زعزع جناح التتار، برز المماليك من كمائنهم وأداموا زخم الهجوم بشدة وعنف. وكان قطز أمام جيشه يصرخ: "واإسلاماه.. واإسلاماه.. يا الله انصر عبدك قطز على التتار"، وكان جيشه يتبعه مقتديًا بإقدامه وبسالته، فقتل فرس قطز من تحته، وكاد يعرض للقتل لولا أن أسعفه أحد فرسانه، فنزل له عن فرسه. وسارع قطز إلى قيادة رجاله متغلغلاً في صفوف أعدائه، حتى ارتبكت صفوف التتار، وشاع أن قائدهم "كتبغا نوين" قد قُتل، فولوا الأدبار لا يلوون على شيء. وكان "كتبغا نوين" يضرب يمينًا وشمالاً غيرة وحمية، وكان يكر على المسلمين، فرغَّبه جماعة من أتباعه في الهرب، ولكنه لم يستمع إليهم وقال: "لا مفر من الموت هنا، فالموت مع العزة والشرف خير من الهرب مع الذل والهوان". ورغم أن جنوده تركوه وهربوا فقد ظل يقاتل حتى قُتل، وفي رواية أخرى أن جواده كبا به، فأسره المسلمون، والرواية الأولى أصح. وكانت هناك مزرعة للقصب بالقرب من ساحة القتال، فاختفى فيها فوج من التتار، فأمر قطز جنوده أن يضرموا النار في تلك المزرعة، وأحرقوا فوج التتار جميعًا. وبدأ المسلمون فورًا بمطاردة التتار، كما طاردهم المسلمون الذين لم يكونوا من جيش قطز، حتى دخل قطز دمشق في أواخر شهر رمضان المبارك، فاستقبله أهلها بالابتهاج. وامتدت المطاردة السريعة إلى قرب مدينة حلب، فلما شعر التتار باقتراب المسلمين منهم تركوا ما كان بأيديهم من أسارى المسلمين، ورموا أولادهم، فتخطفهم الناس، وقاسوا من البلاء ما يستحقونه. أسباب النصر يجدر بنا أن نتوقف قليلاً لمعرفة أسباب انتصار قطز على التتار. إن كل الحسابات العسكرية تجعل النصر إلى جانب التتار بدون أدنى شك، ولكن الواقع يناقض كل تلك الحسابات، فقد انتصر قطز، وانهزم التتار. فقد كان لقادة التتار تجارب طويلة في الحروب، ولم يكن لقطز وقادته مثل تجارب قادة التتار ولا ما يقاربها، والقائد المجرب أفضل من القائد غير المجرب قطعًا، وكذلك الجيش المجرب أفضل من الجيش الذي لا تجربة له. وكانت معنويات التتار قادة وجنودًا عالية جدًا، لأنهم تقدموا من نصر إلى نصر، ولم تهزم لهم راية من قبل أبدًا، وكانت معنويات قادة قطز وجنوده منهارة، وقد خرج أكثر القادة إلى القتال كرهًا. وقد انتصر التتار في حرب الأعصاب، فكانوا ينتصرون بالرعب، مما يؤثر في معنويات أعدائهم أسوأ الأثر، والجيش الذي يتحلى بالمعنويات العالية ينتصر على الجيش الذي تكون معنوياته منهارة. وكانت كفاية جيش التتار متفوقة على كفاية جيش قطز فواقًا كاسحًا، لأن جيش التتار خاض معارك كثيرة، لذلك كانت تجربته العملية على فنون القتال باهرة إلى أبعد الحدود، أما جيش قطز، فقليل التجربة العملية قليل التدريب. والجيش الذي يتحلى بالكفاية -خاصة في ميدان التدريب العملي- ينتصر على الجيش الذي لا كفاية عملية لديه. وكان جيش التتار متفوقًا على جيش قطز عَددًا وعُددًا، وقد ازداد تعداد جيش التتار بالذين التحقوا به من الموالين والمرتزقة والصليبيين، بعد احتلاله أرض الشام، والتفوق العَددي والعُددي من عوامل إحراز النصر. وكان جيش التتار يتمتع بمزية فرسانه المتدربين، وكان تعداد فرسانه كبيرًا، مما ييسر له سرعة الحركة، ويؤدي إلى تطبيق حرب الصاعقة التي كانت من سمات حرب التتار، والجيش الذي يتحلى بسرعة الحركة يتغلب عل الجيش الذي لا يتحلى بهذه الميزة. وكانت مواضع جيش التتار في عين جالوت أفضل من مواضع جيش قطز، لأن تلك المواضع كانت محتلة من التتار قبل وصول جيش قطز إلى المنطقة التي كانت تحت سيطرة التتار. وللأرض أثر عظيم في إحراز النصر وكان جيش التتار متفوقًا على جيش قطز في قضاياه الإدارية؛ إذ كان يستند على قواعده القريبة في أرض الشام، وهي التي استولى عليها واستثمر خيراتها، بينما كانت قواعد جيش قطز بعيدة عنه، لأنه كان يعتمد على مصر وحدها في إعاشته، والمسافة بين مصر وعين جالوت طويلة؛ خاصة في تلك الأيام التي كانت القضايا الإدارية تنقل على الدواب والجمال مخترقة الصحاري والوديان والقفار. هذا التفوق الساحق الذي بجانب التتار في سبع مزايا حيوية: التجربة العملية، والمعنويات العالية، والكفاية القتالية، والعدد والعدة، وسرعة الحركة، والأرض، والقضايا الإدارية، هذا التفوق له نتيجة متوقعة واحدة، هي: إحراز النصر على قطز وجيشه أسوة بانتصاراتهم الباهرة على الروم والفرس والعرب والأمم الأخرى في زحفهم المظفر الطويل. ولكن الواقع أن الجيش المصري انتصر على جيش التتار، فكيف حدث ذلك؟ أولاً: قدّم شيوخ مصر، وعلى رأسهم الشيخ العز بن عبد السلام إرشاداتهم الدينية لقطز، فأخذ بها ونفذها على نفسه وعلى رجاله بكل أمانة وإخلاص، وأمر رجاله بالمعروف ونهاهم عن المنكر، فخرج الجيش من مصر تائبًا منيبًا طاهرًا من الذنوب. وكان على رأس المجاهدين جميع القادرين من شيوخ مصر على السفر وحمل السلاح وتحمل أعباء الجهاد. ثانيًا: قيادة قطز الذي كان يتحلى بإرادة القتال بأجلى مظاهرها، فكان مصممًا على قتال التتار مهما تحمل من مشاق، وبذل من تضحيات، ولاقى من صعاب. ولعل إصراره على مهاجمة التتار خارج مصر، وعدم بقائه في مصر، واختياره الهجوم دون الدفاع، واستبعاده خطة الدفاع المستكن، هو الذي جعل رجاله قادة وجنودًا في موقف لا يؤدي إلا إلى الموت أو النصر، مما جعلهم يستقتلون في الحرب، لأنه لم يكن أمامهم في حالة الهزيمة غير الإبادة والإفناء. إن قطز لم يجاهد ليتولى السلطة، بل تولى السلطة من أجل الجهاد. ثالثًا: إيمان قطز بالله واعتماده عليه، وإيمان المتطوعين في جيشه من المجاهدين الصادقين الذين خرجوا طلبًا للشهادة، كان له أثر عظيم في إحراز النصر. إن أثر قطز والمجاهدين معه في معركة عين جالوت كان عظيمًا، وحين اطمأن قطز إلى نصر الله ترجل عن فرسه، ومرغ وجهه في التراب تواضعًا، وسجد لله شكرًا على نصره، وحمد الله كثيرًا وأثنى عليه ثناءً عاطرًا. لقد كان انتصار المسلمين في "عين جالوت" على التتار انتصار عقيدة لا مراء. الشــهيد لم تمض أسابيع قلائل، حتى طُهرت بلاد الشام كلها من فلول التتار، فرتب قطز أمور البلاد، واستناب على دمشق أحد رجاله، ثم خرج من دمشق عائدًا إلى مصر، إلى أن وصل إلى "القصير"، وبقي بينه وبين الصالحية المعسكر الذي حشد فيه قواته قبل الحركة لقتال التتار مرحلة واحدة، ورحلت قواته إلى جهة الصالحية، فانقض عليه عدد من الأمراء وقتلوه على مقربة من خيمته، ذلك يوم السبت 16 من ذي القعدة سنة 658 هـ- أكتوبر- 1260م، ولم يمض يومان على قتله حتى حلّ "بيبرس" مكانه باسم الملك الظاهر. وقد دفن قطز في موضع قتله، وكثر أسف الناس وحزنهم عليه، وكان قبره يُقصد دائمًا للزيارة.. وكانت سلطنة قطز سنة إلا يومًا واحدًا. وكان قطز بطلاً شجاعًا مقدامًا حسن التدبير، يرجع إلى دين وإسلام وخير، كما قال فيه الذهبي، وله اليد البيضاء في جهاد التتار، فعوض الله شبابه بالجنة ورضي عنه. لقد كان قطز صادقًا عزيز النفس، كريم الأخلاق، مجاهدًا من الطراز الأول. قُتل قاهر التتار مظلومًا، فخسر روحه وربح الدنيا والآخرة، وسجله التاريخ في أنصع صفحاته - رضي الله عنه وأرضاه-، وجعله قدوة صالحة لقادة العرب والمسلمين، فما أشبه غزو التتار بغزو الصهاينة، وما أشبه دعم الصليبيين القدامى للتتار بدعم الصليبيين الجدد للصهاينة، وما أحوجنا اليوم إلى مثله قائدًا يتخذ الهجوم مبدأ، ولا يكتفي بالدفاع، ويتخذ العمل منهجًا ولا يكتفي بالكلام، ويقاتل اليهود وعباد الصليب على كل شبر اغتصب من دولة الخلافة ويطلب الموت لتوهب له الحياة .........................تم بحمد الله .................... | |
|
| |
| التتار وحلم غزو العالم - من الصعود إلى السقوط ! | |
|