مدام فقر والحب

هل الحب كائن أثيري؟
يسبح مثل موجات الراديو في الهواء ويحيط بنا دون أن نراة ثم يسقط فجأة في قلوبنا ويقلب مشاعرنا رأسا على عقب؟
سؤال حائر ألتف حول أفكاري وانا أنتظر على منضدة في كازينو على النيل السابح في الاضواء بامواجه المتلألأة.. نظرت إلى ساعتي والتوتر يدور في نفسي مع عقاربها .. لماذا تأخرت منى؟.. لم تتأخر يوما عن موعدها منذ أعلنت دقات قلبينا ميلاد الحب .. كم أتوق أن تصبح زوجتي ولكن كيف ؟ .. بمعادلة رياضية معقدة أحتاج إلى مضاعفة عمري حتى اتوج حبي بالزواج!
ولكننا لا نستطيع الابتعاد.. هل تبتعد النفس عن الروح؟
جاءت منى وكيانها يغلفه توتر ضبابي.. قالت وهي تجلس أمامي
- أعتذر عن تاخري
- ما بك؟
-لا شيء بعض الارهاق في العمل.. ماذا فعلت بشأن قرض البنك كي نتزوج؟
- لم يوافق البنك على منحي القرض ..لا ضمان .. لا أعرف كيف يريدون ضمان مالي أو شخصي لشخص معدم مثلي؟
- وماذا بعد؟!
- لا أعرف
- أنا أعرف .. الحب بمفردة لا يكفي .. نفترق
- نفترق!
- لابد أن يموت الحب من الجوع والبرد في العراء.. أو أهدار الكرامة في عمل يتلذذ صاحبة بمعاقبتك على فقرك.. سوف أتزوج من سواك
- من ؟
- لا يهم من .. الحب رفاهية .. يكفي لمن مثلنا أن يأكل ويسكن ويرتدي الملابس ويحاول أن يقتنص الفرصة ويملك أطفال يجنبهم الدوران في فلك كوكب الفقر اللعين .. قصتنا تحدث كل يوم .. الوداع
أنتفضت من مقعدها هاربة بنظراتها الدامعة من نظراتي الملتاعة.. أبتعدت رويدا .. رويدا حتى تلاشت
ظلت نظرتي معلقة في الفراغ والذكريات تخدش مشاعري بأجمل أيام امضيتها مع منى .. ظللت هكذا لا اعرف كم مضى من الوقت .. حتى انتزعني صوتها قائلا
- جئت لا اعلم من أين أتيت ؟.. أبصرت حبيبي فجلست
- مرحبا مدام فقر .. صلعتك أذداد بريقها يبدو انك غيرتي نوع الدهان
ضحكت قائله
- لقد أستخدمت شحم سيارات .. ارخص ويستمر مده طويله.. لابد ان تكون صلعتي لامعة حتى افكر في مستقبلك ..
- مستقبلي !

- هل يوجد عاقل في هذا الزمان يفكر في الزواج! .. تجيء بفتاة تطعمها وتأويها ثم تنجب اطفال يجعلونك تدور في ساقية كي تفوم بتربيتهم .. أترك الزواج خلف ظهرك وأنتبه لمستقبلك
- وأين هو مستقبلي؟
- تتزوجني ونعيش من المعونات وما يأتي به أبنائي الشحاذون سوف أجعلك ملك متوج على عرش أمبراطورية الفقر وعلى قلبي بالطبع
- تقصدين على صلعتك .. أذهبي يا فقر كفاني أنك تتعقبيني مثل المخبرين طوال عمري .. أتزوجك حتى تصبحين معي طوال حياتي .. أغربي عن وجهي
أبتسمت أبتسامه منزوعة الاسنان وهي تقول
- سوف أجعلك عبرة لمن يعتبر ( صرخت منادية)
جرسون الحساب عند الاستاذ
هرولت مبتعدة وانا اعبث في جيوبي عن أموال فلم الاحظ أنها أثناء جلوسها معي قد طلبت عشاء ومشروبات لا تكفي أموالي الضئلة حيالها شيئا
تناوب جميع الجرسونات صفعي وكأنها حفله أقيمت على قفايا .. ثم أقتادوني إلى المطبخ أغسل أكوام الاطباق وانا في أشد الندم لعدم قبول الزواج من مدام فقر .. كيف لمثلي التفكير في الزواج في هذا الزمان؟ ..