مال طفلٌ صغيرٌ يبلغ من العمر خمسَ سنواتٍ. يسكنُ بيتا صغيرا متواضعا في إحدى القرى الفلاحيّة.
لم يكن لجمال إخوة أو أصدقاء يلعب معهم. لذا كان يمضي يومه وحيدا في المنزل ينتظر عودة والديه من عملهما. كانت متعتهُ الوحيدةُ مراقبةَ القمر وتأمّله.
كانت تمرّ ساعاتٌ طويلةٌ من اللّيل وجمال يراقب القمر من نافذة غرفته، أو يصعد إلى السّطح ليتأمله من قريب. كان يسأل أمّه دائما:" كيف أستطيع الوصول إلى القمر." فتجيبه ضاحكة:" لا أحد يستطيع الوصول إلى القمر إلاّ روّاد الفضاء". فيقول لها:" ومن هم روّاد الفضاء؟
- عندما تكبر يا صغيري ستعرف من هم روّاد الفضاء."
وفي يوم من الأيّام قال مخاطبا القمر:
- ليتني أستطيع الوصول إليك. يقولون إنّ ذلك مستحيل ولكنّي سأصل. قد يساعدني الكنغر. أليس كذلك أيّها القمر؟ فأبي يقول إنّ الكنغر يستطيع أن يقفز لمسافات طويلة. سأذهبُ إلى الكنغر وأطلب منه أن يضعني في جيبه مثل صغيره ويقفز بي لكي أصل إليك أيّها القمر الجميل."
ونفّذ جمال الصّغير فكرته وذهب إلى الغابة وبحث عن الكنغر حتّى وجده فقال له: "يا سيّد كنغر، هل يمكنك أن تقدم لي خدمة صغيرة"؟
فردّ عليه الكنغر: "وماذا تطلب أيّها الصّغير"؟
- إنّي أريد الوصول إلى القمر، وبما أنّك تقفز عاليا فلا شك أنّك قادر على مساعدتي في تحقيق أمنيتي.
- أنا آسفٌ يا صغيري، فمهما قفزت لن أصل إلى القمر، ولكن اذهب إلى الزّرافة فهي ذات عنق طويل وقوائمها طويلة أيضا فقد تساعدك على نيل مبتغاك.
بحث جمال عن الزّرافة ودُهش كثيرا عند رؤيتها فقد وجدها طويلة، طويلة، أعلى حتّى من منزله.
توجّه إليها بنفس الطّلب، فأجابته: حسنا حاول... اِصعد فوق رأسي وحاول أن تتشبّث بالقمر وتصل إليه. صعد جمال بصعوبة شديدة فوق رأس الزّرافة، وحاول، وحاول لكنّه لم يستطع أن يلمس القمر.
نزل حزينا يائسا وقال: "لم أكن أظنّ القمر بعيدا هكذا".
فقالت له الزّرافة مواسية: "أنا آسفة، لقد
حاولت مساعدتك ففشلت، لكن لا تيأس يا صغيري، اذهب إلى النّسر فهو يحلّق عاليا وبعيدا وقد يأخذك إلى القمر".
ما إن سمع جمال كلامها حتّى انطلق كالرّيح بحثا عن النّسر، فوجده حاطّا على غصن شجرة باسقة. طلب منه الطّفلُ ما سبق أن طلب من الكنغر والزّرافة. وافق النّسر وقال له : "تشبّثْ بقدميَّ وأنا أطير بك إلى القمر".
تعلّق الطّفل بقدمي النّسر فطار به عاليا عاليا في الفضاء الواسع وبانت الأرض من تحتهم صغيرة جدّا.
ولا تسل عن سرور جمالٍ وهو يقترب من القمر، من ذلك الكوكب الدّائري الذي يبعث لنا بنوره عندما تغيب الشّمس ويضيءُ ظلمة اللّيل الحالكة... ذلك الكوكبُ الذي طالما تأمّله وحلم بالوصول إليه وهاهو يوشك على تحقيّق حلمه. وأخيرا حطّ النّسرُ على سطح القمر، فنزل جمالٌ وودّع الطّائر الذي قفل راجعا إلى غابته. أمّا الطّفل الصّغير فقد أخذ يلهو ويلعب. ها هو يجري هنا ويقفز هناك. يكاد يطير فرحا. وفجأة، وقع...
استيقظ جمال ليجد نفسه في غرفته بجانب النّافدة والقمر يتوسّط السّماء الحالكة السّوداء.
لقد كان حُلما. فقد نام جمال وهو يراقب القمر.