تعد معركة المنصورة بحق فخر القوات الجوية المصرية، حيث تحقق فيها انتصار لم يتحقق فى تاريخ الطيران الحربى على مستوى العالم حتى الآن وأيضا لأنها أضخم معركة جوية من حيث العدد (180 مقاتلة من الجانبين،60 مقاتلة مصرية مقابل 120 مقاتلة إسرائيلية) والأطول زمنيا من حيث الوقت (53 دقيقة كاملة من القتال الجوى التلاحمى أو ما يطلق عليه بالانجليزية (Dog Fight).
البداية كانت فى يوم 6 أكتوبر 1973 حيث شنت القوات الجوية المصرية هجوما ساحقا على القوات الإسرائيلية ومراكز القيادة والسيطرة فى سيناء المحتلة تمهيدا لعبور القوات البرية فحلق نسور مصر بمائتين وعشرين طائرة وعبروا قناة السويس فى اتجاه سيناء فى تمام الساعة 2:05 ظهرا لتدمير قوات العدو الإسرائيلى فى سيناء فحققت نتيجة ليست طبيعية بالمقياس العسكرى، إذ أن الخسائر لأى هجمة جوية مثل هذه لا تقل عن 25%، وأيضا نسبة تحقيق الهدف من الضربة كانت غير طبيعية هى الأخرى حيث حققت 95% من هدف الضربة الجوية، وهو التدمير الكامل لمراكز القيادة والسيطرة ووسائل الدفاع الجوى والاحتياطى الإسرائيلى فى سيناء وهو ما تحقق بفضل الله أولا وأخيرا الذى رزق مصر ببشر وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم خير أجناد الأرض،
ولكن هل توقف دور القوات الجوية المصرية عند ذلك وكان هذا هو كل دورها؟
الإجابة: لا.
إذ أن القوات الجوية المصرية كان لها مهمة أخرى لا تقل مطلقا عن المهمة الأولى وهى تامين القوات المصرية من الأجناب لإحباط أى هجوم إسرائيلى جوى على هذه القوات وتدميره وهذا ما حدث فعلا يوم 14 اكتوبر 1973
حيث أراد الطيران الإسرائيلى ضرب القوات المهاجمة من الخلف وأيضا تدمير بطاريات صواريخ الدفاع الجوى الرهيبة من
نوع SAM-2 التى قطعت يد إسرائيل التى كانت طويلة، فقد أطلقت إسرائيل غارة كبيرة الحجم تتكون من مائة طائرة مقاتلة من نوع إف - 4 فانتوم الثانية وإيه 4 سكاى هاواك (4 Skyhawks - A) لتدمير قاعدة المنصورة الجوية. واستمرت المعركة حوالى 53 دقيقة اشتبكت فى تلك المعركة 180 طائرة مقاتلة.
فى تمام الساعة 3:15 عصرا
لاحظ عناصر الاستطلاع 20 مقاتلة اسرائيلية من طراز (Phantom - 4F) قادمة من البحر متجهة إلى بورسعيد وأبلغت الإشارة الى قائد القوات الجوية اللواء محمد حسنى مبارك فأمر اللواء أحمد عبدالرحمن نصر قائد القاعدة الجوية بتجهيز 16 مقاتلة من طراز 21Mig لعمل مظلة جوية فوق القاعدة الجوية بالمنصورة وألا يبحث الطيارون المصريون عن المقاتلات الإسرائيلية والاشتباك معها.
وكان قرار عدم الاشتباك غريبا بالنسبة للطيارين المصريين التواقين لقتال اليهود ولكن كان له أسبابه التى تأتى فيما بعد.
وفى الساعة 3:30 من نفس اليوم
أرسلت قيادة الدفاع الجوى تحذيرا باقتراب 60 مقاتلة إسرائيلية من ثلاثة اتجاهات مختلفة فى أتجاه بلطيم ودمياط وبورسعيد فأمر اللواء طيار حسنى مبارك قائد القوات الجوية الطيارين بالاعتراض والاشتباك هذه المرة وشرح لهم لماذا لم يعطهم الأمر بالاشتباك فى المرة الأولى، لأن الإسرائيليين كانوا يريدون تشتيت المقاتلات المصرية هنا وهناك ثم تهاجم هجوما رئيسيا عندما تكون المقاتلات المصرية مشتتة.
وهذا لم يكن غريبا على اللواء محمد حسنى مبارك الذى يعلم الكثير عن تكتيكات القتال الإسرائيلية، حيث إن الهجوم الجوى الإسرائيلى يتكون من ثلاث موجات، الأولى ترسل كطعم فتنطلق خلفها المقاتلات المصرية ويكون هذا الوقت المناسب للموجة الثانية التى يكون هدفها ضرب الدفاعات حول الهدف الرئيسى وأخيرا الموجة الثالثة الرئيسية التى تهدف لتدمير الهدف الرئيسى وهو هنا قاعدة المنصورة الجوية، وقد استمرت المقاتلات الاسرائيلية فى الدوران فى حلقات لكنها لم تفلح فى اجتذاب المقاتلات المصرية، ثم بعد ذلك انطلقت 16 مقاتلة مصرية من
طراز Mig 21 لمواجهة المقاتلات الإسرائيلية من الثلاث جهات فى محاولة لبعثرة هذه الطائرات لتكون معرضة للهجوم بشكل أفضل من باقى طائرات القاعدة الجوية، ثم أقلعت 8 مقاتلات أخرى من نفس الطراز من طنطا لمساندة الـ 16 مقاتلة الموجودة بالفعل فى الجو.
وفى الساعة 3:38
أبلغت محطات الرادار المصرية قيادة القوات الجوية بقدوم 16 طائرة إسرائيلية من نفس الاتجاه على ارتفاع منخفض جدا فاقلعت 8 طائرات من القاعدة الجوية فى المنصورة للتصدى للهجوم لحين وصول مقاتلات أخرى من قاعدة ابو حماد الجوية، إيذانا ببدء أشرس المعارك الجوية على الإطلاق.
وفى الساعة 3:52
التقطت الرادارات المصرية موجة إسرائيلية أخرى مكونة من 60 مقاتلة إسرائيلية من طراز Phantom -F4 ، Skyhawk- A4 على ارتفاع منخفض جدا وكانت مهمتها تدمير الأهداف التى لم تدمر فى الموجة الثانية التى فشلت فشلا ذريعا فى تدمير أى هدف مثل الموجة الأولى. فأقلعت 8 مقاتلات Mig 21 من قاعدة انشاص الجوية للتصدى، ولحقت بها 20 مقاتلة أخرى كانت قد هبطت للتزود بالوقود فظن قائد الموجة الثالثة الاسرائيلية أن المقاتلات المصرية قد زاد عددها على المرات السابقة فانسحبت المقاتلات الإسرائيلية وقد انسحبت آخر طائرة الساعة 4:08،
والذى كان علامة انتهاء هذه المعركة الخالدة فى تاريخ القوات الجوية المصرية.
كان هذا الهجوم رابع هجوم لتدمير القاعدة اذ حاولت إسرائيل ضربها فى 7 و9 و12 أكتوبر لكنها لم تفلح،
ولكنها هذه المرة كانت مصممة على ذلك ويظهر ذلك من عدد الطائرات الإسرائيلية المهاجمة والذى بلغ 120مقاتلة، ولكنها فشلت هذه المرة أيضا.
وأسقطت القوات الجوية المصرية لاسرائيل 18 طائرة Phantom - F4 عن طريق 7 طائرات ميج وتمكنت وسائل دفاعنا الجوى من إسقاط 29 طائرة للعدو منها طائراتان هيلكوبتر